رحل الشيخ وبقيت الأفكار..أحمد الشريف عثمان
في الليلة التي سبقت رحيل العالم الفذ والمفكر الإسلامي الشيخ حسن الترابي.. أكملت قراءة كتاب «الإسلام مستقبل العالم» وهو حوار بين الشيخ والمستشرق الفرنسي «ألان شفالرياس» ترجمه من الفرنسية للعربية السفير يوسف سعيد، فالحوار دار بين الفرنسي والترابي في عام «1994». فقيمة الكتاب أن الحوار كشف عن سعة علم الترابي وتميزه وأسلوبه في الدعوة، ومجاهداته الفكرية وبتطواف على موضوعات عدة تتجلى عبقرية هذا المفكر والمجدد. فالترابي بما له من غزارة علم وفكر متقد، قدم «للغرب» فكراً إسلامياً متجدداً.. فعن العلمانية.. قال الشيخ الراحل «ليس لنا في الإسلام تسلسل هرمي ديني للقسس، فليس لنا في الإسلام هيئات دينية تحكمنا» فأفتى في الحجاب، وحدث الغرب عن العلاقة بين المرأة والرجل.. وعن الأسرة، وتحرير المرأة ووضعها في الإسلام. وعن مبادئ القانون الإسلامي.. والنظم الأخلاقية والاختلافات الثقافية.. وغير المسلمين في المجتمع المسلم.. والعلم.. والاقتصاد الإسلامي.. والعروبة وفهمها له «إنني كمسلم لا أؤمن بالاختلافات العرقية لأننا كلنا ننتمى إلى اسرة واحدة هي النوع البشري، وعن الثورة والإرهاب والسلام والتعايش.. فقال عن الحرب «إن الحرب.. غير الدفاع والجهاد.. أمر غير مشروع لأنها تدخل في خط الإسلام».. ويرفض قبول إسرائيل.. لا لشيء غير انها بلد أسس على العنف والإبادة الجماعية والعدوان. ويذهب إلى أن المسلمين.. هم الذين يحسنون إدارة القدس لأنهم يحترمون الكتب المقدسة لليهود والنصارى كما قال.. فهذه الأفكار التي ظل الراحل يطرحها.. حملته لأن يكون هو مجدد هذا القرن.. فلا أظن أن في عالمنا الإسلامي في الستين سنة التي انصرمت.. من هو شغل العالم كالترابي، بأفكاره واجتهاداته وحراكه السياسي، فهذا الفعل جعله المجدد والمفكر. فالترابي الذي يؤسس مع آخرين في باريس «رابطة الطلاب المسلمين في فرنسا»، وتكون له علاقة مع سعيد رمضان صهر الإمام البنا، وعلاقات مع البروفسير الهندي محمد حميد الله.. ومع الدكتور مصطفى السباعي مؤسس حزب الإخوان في سوريا وعصام العطار.. يخرج عن هذه الكوكبة بفكره استقلالية الحركة الإسلامية في السودان لتكون أنموذجاً لحركة النهضة في تونس بقيادة الغنوشي ولحزب العدالة والتنمية في المغرب.. فقد ذكر رشيد مقتدر في كتابه «الإدماج السياسي للقوى الإسلامية في الغرب» بأن الإسلاميين في المغرب عمدوا إلى أخذ الاجتهادات الفكرية لبعض الإسلاميين.. الذين أضحوا يشكلون التيار الإسلامي المعتدل الإصلاحي كالدكتور حسن الترابي ومالك بن نبي والغنوشي.. فمن ذات منبع حزب العدالة المغربي نهل حزب العدالة والتنمية التركي.. من العدالة المغربي.. ومن الأنموذج السوداني.. الذي أسسه الترابي.. ويذهب الترابي إلى أن «إخوان مصر» لا يميلون إليه.. لأنه كسائر السودانيين شديد الاستقلال.. بل يذهب إلى أن المصريين لديهم شعور استعماري.. فيرون أن أى حزب سياسي ولد في بلدهم ينبغي أن تكون له فروع في السودان.. وينصح الترابي الحركات الإسلامية.. بأن تكون مستقلة.. ويذهب الراحل في حواره مع المستشرق الفرنسي.. أنه لم يؤيد مقتل محمود محمد طه .. وقال إن قضية محمود.. هي قضية سياسية.. بين محمود ونميري.. فالراحل حين يقود الحوار الوطني.. يقول عن الثورات «ألاحظ انه بمجرد وصول الثوار للسلطة يبدأون في تقتيل بعضهم ويخربون البلد الذين جاءوا إلى تحريره فيجب على لمسلمين أن يعتبروا.. فالقرآن الكريم حذرنا من الفتنة وأخطارها.. إلى الاقتتال الطائفي».. فهذه الآراء أراد بها الترابي أن تكون منهاجاً لحركة تجديد تبدد ظلامات قرون أقعدت بالمسلمين، ولما يكتب شيخ إسحق في زاويته «آخر الليل» عبارة «والرجل يجد أنه إن بقي في الإنقاذ هلكت.. وإن تركها هلكت.. عندها يصنع مسرحية.. الحل هو.. التوحيد»، يذهب راشد الغنوشي تلميذ الشيخ.. الذي جاء معزياً، إلى أن الترابي عمل على توحيد الحركة الإسلامية.. وجاهد نفسه حتى يتخلص من ملابسات بينه وبين تلاميذه من أجل مصلحة السودان، ويجب توحيد السودان كله.. يكون ما بين القوسين أفكار إستراتيجية.. خلفها هذا المجدد.. لتكون نبراساً يضيء مسيرة الأمة الإسلامية.. ويبقى الترابي في ذاكرة الأمة.. مجاهداً خاض معارك فكرية وسياسية.. بقوة وبسالة.. حرك بفكره الثاقب رؤى أصولية متجددة.. وحرر العقول المسلمة من جمود لازمها.. لتنطلق في فضاءات تفكير واسعة. فإن رحل والأمة في أزمات وتعقيدات.. فستبقى أفكاره ويبقى محفوراً في ذاكرتها.. وإنك ميت وإنهم ميتون.. فله الرحمة والمغفرة والرحمة بقدر ما أعطى لأمته ولوطنه.
«إنا لله وإنا إليه راجعون»
الانتباهة
«الإسلام مستقبل العالم»
لم أفرغ لقراءته بعد ….ولكن سبقه للعنوان سيد قطب في كتابه ” المستقبل لهذا الدين “