مواطنون يقتاتون من نفايات المدينة مربع 23 دار السلام بامدرمان.. أطفال يعملون في فرز الشحوم من اللحوم ويشون الشحوم في نار الحطب
مواطنون يقتاتون من نفايات المدينة
مربع 23 دار السلام بامدرمان
* الأطفال يتم استغلالهم من قبل جزار للعمل مقابل بقايا الشحم المحروق
* انتشار الاطفال في الشوارع والسوق باقدام حافية وملابسهم تبدو متسخة
* قمة الرفاهية ان يمتلك الطفل منهم “جنيه” لشراء رؤس الدجاج المشوية
* أطفال يعملون في فرز الشحوم من اللحوم ويشون الشحوم في نار الحطب
* أكثر من مائة طفل يعملون في “بيت الشحم” بلا مقابل .. وصاحبه يقر بإضطراره لتشغيلهم
* نسوة يبعن الخمور اتخذن من “الخور” مكان لممارسة نشاطهن
* النساء بالمنطقة يقمن برعاية وتربية الاطفال بعد هروب ابائهم من المسؤولية
* الطفل نور الدين” “بدونا ربيت واللحم البنقطعوا من الشحم حبه بس”
دار السلام مربع “23”، لا تشبه غالبية المناطق الطرفية لولاية الخرطوم، لا من حيث ضعف الخدمات ولا من حيث نمط الحياة وطريقتها المعروفة عن ما سمي بهامش العاصمة, ربما تصلح هذه المنطقة كنموذج لحياة مواطنين ظلوا خارج دائرة التفكير الاداري والحكومي, فبعد ان رحل مواطني المنطقة من مساكنهم القديمة في القمائر اكتشفوا ان المنطقة التيتم تعوضهم فيها لا توجد بها حتى بعض الخدمات الرديئة، ويلاحظ القادم الى المنطقة يلاحظ الاهمال الاداري من موظفي المحليات، ولم يرافقهم من المنطقة التي رحلوا منها شيء سوى اسم الشارع الرئيسي فقط الذي اصبح الآن مفتاحا للوصول الى مساكنهم الجديدة بعد مفارقتهم طريق الخرطوم دنقلا السفري.
تبعد منطقة دار السلام امدرمان عن الخرطوم قرابة العشرين كيلو متراً، وتقع غرب سوق ليبيا وهي منطقة تسكنها مختلف القبائل السودان مثل “النوبة, التاما, الفور, المساليت، الفلاته وبعض القبائل العربية”، وهولاء سكنوا في هذه المنطقة قادمين من منطقة القمائر بامدرمان وهذه المنطقة خصصت لهم كتعويضات منحت لهم بعد ان نزعت الجهات الرسمية أراضيهم.
وتقع المنطقة جنوب الشريط الاسفلتي المؤدي الى الشارع المؤدي الى طريق دنقلا، الذي أطلق اسم الشهيد “مكي علي بلايل”، وحسب السكان ان اسم الشارع رحل من منطقة القمائر عقب تعويضهم بمنطقة دار السلام.
تختلف النتطقة عن نظيراتها باطراف العاصمة الخرطوم في هدوء حركتها التي قد يكون سببها اتساع رقعتها.
ابرز ما يميز منطقة دار السلام انتشار الاطفال في الشوارع والسوق “حافي” الاقدام ملابسهم تبدو متسخة و”الغبشة” تبدو على وجوهم وترى عيونهم تبحث عن شيء ما لدى القادمين من الغرباء للمنطقة.
قمة الرفاهية ان يمتلك الطفل منهم “جنيه” لشراء رؤس الدجاج المشوية المعروفة بـ”تامر الحسني والقوقير أو كائن كازا”، وغيرها من المسميات التي يتم اعدادها في مطعم بارز خلف السوق، وفي حالة عدم حصولهم على المال يختار الأطفال الذهاب لمكبات النفايات ليقتاتوا من مخلفات مصانع البسكويت وشركات الأدوية وبقايا الفراخ الفاسدة، التي تأتي بها عربات النفايات التي تحمل أسم “محلية الخرطوم”، هنالك سوق يتوهط قلب المنطقة به خمسة رواكيب لبيع اللحوم والخضار والتي يتم بيعها بالكوم “كوم اللحمة”
عمالة الاطفال:
زيارة “الجريدة” للمنطقة كان الهدف الأول منها الوقوف على عمالة الاطفال، خاصة في ما يعرف بـ”بيت الشحم”. بمنطقة دار السلام مربع “23” يتم استغلاله في تجميع الشحوم المستخلصة من “كرشة ومصارين” الابقار المستجلبة من مسلخ السبلوقة فوق عربات “بكاسي”
رحلة التقصي:
في اليوم الاول علمنا من بعض سكان المنطقة إن الأطفال يتم استغلالهم من قبل بعض التجار للعمل مقابل بقايا الشحم المحروق المعروف بـ”الربيت”، ومن أجل الوقوف على الحقائق كان لابد من معرفة طبيعة عمل الاطفال بذلك المنزل، وقبل يوم من ترصدنا لنشاط عمل الاطفال بالمنزل كان لازما علينا معرفة زمن حضور المركبات التي تحمل الشحوم قادمة من المسلخ لانه الزمن الذي يبدأ فيه الاطفال اعمالهم التي تشبه السخرة الى حد كبير-حسب وصف بعض قيادات اللجنة الشعبية بالمنطقة, فقصدنا أنا ومرشدتي بيت الشحم الذي يقع خلف المساكن موزايا للشريط الاسفلتي للطريق المؤدي للولاية الشمالية، وجنوب منطقة “الخور”، الذي تشهد العديد من الأنشطة التي يستغل فيها الاطفال كعمالة لصب قوالب الطوب الأخضر, و”الخور”، الذي تتسم مساحته بالاتساع.
“بيت الشحم”
يقع المنزل المعروف بـ”بيت الشخم” لدى الأطفال جنوب مساكن المنطقة، وهو منزل خصص لجمع الشحوم المستخرجة من مخلفات اللحوم بـ”السلخانة”، خاصة لحوم الابقار والضان، وتقع السلخانة في الناحية الجنوبية من “بيت الشحم” يفصلها الطريق الاسفلتي المؤدي للولاية الشمالية, وحسب قيادات المنطقة –يعتبر “بيت الشحم” أكبر مجمع لعمالة الاطفال، وتبلغ مساحته حوالي “200” متر مربع تقريبا، وهو في منطقة بعيدة عن المساكن.
وفي حوال الساعة الواحدة ظهراً، تجاوزنا “الخور” العريض الذي يفصل المساكن من “بيت الشحم” الذي نقصده وقد ابتلع في جوفه مجموعة من الاطفال يقع عند نهاية المنازل حيث قصدت الجريدة “بيت الشحم” لننتظر وقت قدوم العربات من السلخانة تحمل الشحوم المخلوطة ببعض اللحوم.
ألقيت خلفه الشحوم التي تم حرقها ما يميز مما أدى الى تشرب تراب الأرض حول البيت بالشحوم.
وعند وصولنا كان الابواب مفتوحة، وعند اقترابنا أحس أحد العاملين في حرق الشحوم بقدومنا أغلق الباب بسرعة، وكان غليظ البنية وعضلاته تشبه عضلات ابطال المصارعة، ويرتدي “سروال وفنلة داخلية”، بعد ان كان منهمكاً بعملية حرق الشحوم وبمجرد احساسه بوافد من الخارج قام مسرعا واغلق الباب بعنف الأمر الذي أكد لنا عدم تعاونه المسبق كان الباب الأخر موارباً وبه فتحات تمكن الشخص من استكشاف المنزل من الداخل, استرقنا النظر عبر الفتحات بالباب, كانت اراضية المنزل سوداء وتعطيك الاحساس بان رجلك لو وطت عليها حتما ستغطس من كثرة الشحوم التي تم ردمها في رواكيب تراكمت كالجبال، واضطررنا الجلوس ارضا والانتظار حتى الساعة الثالثة ولكن لم تحضر العربات المحملة بالشحوم, طلبت مني مرافقتي ان احضر في اليوم التالي بعد ان تتأكد من زمن حضورها الذي ربما تم تغيره دون علمها وقد كان.
في اليوم التالي:
في اليوم التالي، لزيارتنا الأولى، تم اخطارنا بزمن حضور العربات التي تحمل الشحوم، وكانت تحضر الى المنطقة عند الخامسة مساء، وكان لازما علينا مراقبة قدوم العربات لرصد النشاط الذي المتوقع لبدء العمل في بيت الشحم.
جلسنا منذ الثالثة في منطقة مرتفعه لمراقبة المنزل, حضورنا المبكر اتاح لنا فرصة تفحص المنزل بدقة، خاصة وان أبواب المنزل تحتوي على أخرام متوسطة الإتساع، مكنتنا من ملاحظة المنزل بدقة ومن ثم تصويره من الداخل عبر ثقوب الابواب، واحتوى حوش المنزل على كمية كبيرة من البراميل ذات اللون الأسود التي يتم عبرها حرق الشحوم والاعواد التي نصبت في شكل رواكيب وضعت عليها أكوام الشحوم التي تعلو الارض مثل التلال، وكانت هنالك غرفة صغيرة في آخر المنزل الجزء الاول من بيت الشحم المفصول الى جزئين.
وكانت الثقوب الموجودة في الجزء الأول من المنزل اكثر اتساعاً من الآخر، الامر الذي مكننا من تصويره من الداخل, وعند الرابعة والنصف عصراً بدأت زيادة توافد الاطفال، مما يعني اقتراب قدوم عربة الشحوم وهي عبارة عن “بوكسي” صدئة تثير غباراً كثيفاً قبل وصولها.
التقاط الأكل من الأرض
وانتظرنا حتى جاءت الساعة الرابعه والنصف عصراً، الموعد المضروب لبدء توافد العمال من الاطفال الى منازلهم، كانت بينهم ثلاثة طفلات تترواح أعمارهن بين السابعه والتاسعه سألنا اصغرهن سنا “اسمك منو؟” اجابت بصوت مبحوح اسمي “حتيته” وعن سبب قدومها قالت “بنجي عشان نشيل الربيت لي أمي” والربيت هو عبارة عن ما يتبقى من الشحوم التي تم حرقها لإستخراج الزيت منها.
وعلى بعد مسافة أقل من نصف كيلو مترو توجد حفرة كبيرة اعدت بعناية من أجل التخلص من بقايا الشحوم المحروقة التي تعرف لدى الاطفال ب”الربيت”.
تحلقت مجموعة مكونة من سبعة اطفال حول الحفرة كان جلس ثلاثة منهم على الأرض للقيام بمهمة البحث عن شحمة بها اثر لحم لأكلها، وهم في حالة بحث عن اللحم، وكانوا يلتقطون من الارض ويأكلون بنهم، وعندما شعروا بحركة اقترابنا منهم انفضوا من حول الحفرة في حياء، لكن كانت افواههم تخبرنا عن تناولهم للربيت, عقب ذلك حضر رجلان جلسا في “ظل” منزل الشحم الذي تم تسويره بالسلك الشائك.
وأثناء جلوسنا في ظل “بيت الشحم” حضر رجلان وجلسا بجوارنا.
وسألنا احدى الشباب عن صاحب المنزل، فأجاب ان صاحب المنزل جزار يدعى “الدومة”، وهو من يقوم بمد مصانع الصابون بالشحوم لجهة انها تعد جزء اساسي من عملية صناعة الصابون. قطع حديثنا مع الشاب صوت عربة بوكس نزلت من شارع الاسفلت وقد غطاءها غباراً كثيفاً، وآثرنا التواري لنرصد حركة تفريغ الشحوم، توقف البوكس موزايا لأحد ابواب المنزل ليقاصد الصندوق الذي يحمل الشحوم، وكان ثلاثة شباب يركبون في صندوق “البوكس”، نزلوا وفتحوا الباب واتوا بمحموعة من الجولات لحمل الشحوم الى الداخل، التف الاطفال حول العربة “البوكس” التي غطاءها الذباب، وفاحت منه الروائح الكريهة التي ازكمت انوفنا.
وكانت اللحوم عبارة عن “كرشة ومصارين” البهائم وأحشائها، تراكمت فوق بعضها البعض وميزها اللون الابيض، وقبل وضعها في الجولات يتم فرز “الكرشة” بعد سلخ الشحوم منها حينها اظهرنا حضورنا فتوقف النشاط، سألنا أحدهم قائلاً “أهلا عاوزين شنو؟”، رددنا عليه بأننا نريد صاحب المنزل فأجابنا بقوله هو ليس موجوداً، وإذا أردنا مقابلته علينا الذهاب الى السلخانة غداً. وكان واضحا انه لايرغب في التحدث الينا فذهبنا بعيدا حتى تم افراغ كل محتويات العربة بعدها، دلف الاطفال لداخل المنزل وغابت التفاصيل, بعد ساعة فتح الباب ووجدنا طفل يدعى نور الدين عمره 7 أعوام سالناه أنت شغال في بيت الشحم اجابنا بقوله “اي بشتغل”، وفي سؤال لـ”الجريدة” عن أجرهم “بدوك كم” أجاب ببراءة “ما بدونا قروش بدونا ربيت واللحم البنقطعوا من الشحم، لكن اللحم مافي كتير حبه بس”، وبتعمل شنو اجاب “بنشر الشحم في السلك، وفي ناس بفرزو الشحوم من اللحوم”، وقبل ذلك لاحظنا وجود ثلاثة اطفال تترواح اعمارهم ما بين السابعة والعاشرة يقومون بجمع أعواد الاشجار الجافة سألنا عنهم نور الدين قال “ديل عايزين اعملو شنو؟” أجاب عاوزين “انجضو اللحم”، وقام الاطفال باشعال النار ووضع الشحوم عليها لشوي قطع اللحم التي تظهر “قطع صغيرة جدا في وسط الشحم”، وبعد شيها يخطف كل طفل قطعة لياكلها متلذذاً بها, وقتها حضرت سيدة ثلاثنية وقد بدأ عليها الغصب، وقامت بسؤال الصغار “بريمة وين؟”، اجابوها انه لم يحضر لـ”بيت الشحم” بعدها توجهنا اليها وسألناها انتي شغالة فاجابت ذكرت بقولها ان والد بريمة “طفش قال ماشي الدهب وما جاء خلى لي خمسة عيال وبمشي بشتغل شاي وبرجع المساء”، واقرت بانها منعت ابنتها ذات السته اعوام من الدراسة لترعي أخوتها خاصة وان لديها طفل رضيع، وذكرت لنا ان النساء بالمنطقة يعانين لانهن يقمن برعاية وتربية الاطفال بعد هروب ابائهم من المسؤولية.
وفي داخل الخور تلاحظ قدوم عدد من النساء جلسن والتف حول كل واحدة مجموعة من الشباب علمت من مرشدتي انه وقت “الكيف” فهولاء النسوة يبعن الخمور متخذات من الخور مكان لممارسة نشاطهن الذي يبدأ قرب مغيب الشمس.
في ذات السياق ابان رئيس اللجنة الشعبية بمنطقة دار السلام انه عقب زيارة “الجريدة” لـ”بيت الشحم” ووقوفها على الحقائق المتعلقة بشاط عمالة الاطفال مجاناً وسؤالها عن نشاط “بيت الشحم” واسباب استغلال الاطفال للعمل مجاناً.
وعلمت “الجريدة” من مصادر مقربة من صاحب المنزل انه يكسب ملايين الجنيهات ولكن رغم ذلك يقوم بتشغيل الاطفال مجانا, واوضح انه قام بمساءلة صاحب المنزل عن اسباب استغلاله للاطفال بالعمل مجاناً، اجاب صاحب بيت الشحم انه في حال رفض استيعابهم للعمل من خلال فرز الشحوم من اللحوم “يقومون” بحصفه بالحجارة الأمر الذي يضطره الى السماح لهم بالعمل مقابل قطع اللحوم الموجود في الشحوم, وذكر -مصدر من الحي فضل حجب اسمه- ان اعداد الاطفال العاملين في “بيت الشحم” اكثر من مائة طفل ويتم السماح لعدد معين لجهة ان المنزل لايستوعب اعداد الاطفال الكبيرة.
تحقيق :لبنى عبدالله
صحيفة الجريدة
قصة عجيبة ذكرتني قصة اوليفر تويست للكاتب الإنجليزي تشالز ديكنز الدرسناها في المدرسة أيام الزمن السمح.
تعليقك رائع اخي الرشيد ولكن لم تتفتح عبقرية تشارلز ديكنز بمثل هذه الحبكة. ولكنها الحقيقة الخيالية
عيب الصحفي السوداني هو عدم النضوج وعدم اكتمال الرؤيا – ما يجعل دور الصحفي باهتا ولا يحمل مضمون يذكر – وياتي ذلك نتيجة الاكتفاء بسرد المأساة والوقوف في منتصف الطريق في سلبية تجعل دوره مستكينا خلاف ما نشاهد من ادوار فاعلة لعبتها الصحافة في مسيرة كثيرا من الامم المتحضرة ( السؤال : هو ما قدمت انت لهؤلاء – هل حملت هذه المشكلة الي الجهات ذات المسئولية اذا كانت رعاية اجتماعية او مكتب محلية او جمعيات خيرية او ادارة صندوق الزكاة او رجال بر ومروءة ام اردت ان نعيش في حزن وحسرة علي بؤس هؤلاء ؟
مضمون المقال هذا اتمني أن يصل للسيد حسبو الذي لا يزال ينكر وجود أو بوادر مجاعة في السودان … هذا يحدث في العاصمة فكيف يكون الحال في الأقاليم و الريف