“لمصلحة من؟” بلسان مواطن خمسيني يحمل أوراق فحوصات طبية أنجزت وأخرى تنتظر توفير الأموال لإنجازها: صيف المؤسسات الصحية العامة يقابله ربيع للمؤسسات الخاصة
فوق الباب المغلق والمواجه لمبنى مستشفى حوادث الخرطوم تقرأ العبارة بوضوح فوق لافتة المعمل (خدمة 24 ساعة). كانت الساعة لحظتئذٍ الحادية عشرة وبضع دقائق بتوقيت المدينة.. مأمون حميدة وهو المسؤول الذي تم تجديد الثقة فيه في عهد الفريق عبد الرحيم محمد حسين وزيراً لصحة الخرطوميين كان يمهر قرار نقل حوادث الخرطوم إلى المستشفى الأكاديمي، ويمكنك أن تسميه بمستشفى (التميز) في امتداد الدرجة الثالثة، كان نقل عنبر الحوادث هو الفصل الأخير من فصول تفكيك المستشفى العريق لصالح السياسات الجديدة في حقبة ما بعد (الأيلولة).
كان الفصل الأول يتعلق بنقل قسم الولادة بمستشفى الخرطوم تحت مبررات التلوث الباكتيري، وبالرغم من أن النقابة تصدت للأمر وأجرت تحاليل تبين لها أن الأمر لا يعدو كونه (فرية) دون أن يغير ذلك من الحقيقة شيئاً وتأكيد على أن سياسات التفكيك هي التي ستنتصر وأن (الجراحة) لم تسلم من المشرط الذي حمله الوزير منذ صعوده للمنصب.
فصول قرارات النقل لم تكن لتمضي دون أن تكتب الفصل الجديد في ذلك الشارع المسمى في قواميس السودانيين بشارع الحوادث أو شارع المستشفى يمكنك أن تعود للوراء وتسميه شارع (الإسبتالية) أو هي مشاهد من شارع الحوادث.
في موسم الهجرة إلى الشمال يقول الطيب صالح عن الموت بأنه معنى آخر من معاني الحياة.. الموت يبدأ هناك باكراً حيث تقل الحركة في الشارع الذي كان يضج بحركة المارة والباحثين عن العلاج، يمكنك ملاحظة أنه حتى أولئك الذين يحملون الروشتات يستجدون المارة ثمن العلاج لم يعودوا هناك فطالما أنه لا علاج فلا مارة يمكن استجداؤهم.. لوحات المعامل تهبط ويذهب بها أصحابها إلى أماكن أخرى تاركين المكان لذلك الفراغ القاتل، ما من شيء سوى حركة ضئيلة هناك في أقصى الشارع حيث مستشفى جعفر بن عوف للأطفال مع حركة متطوعي شارع الحوادث وهم يمارسون فضيلة (سد الفرقة).. كوانين الشاي وبنابر النساء أيضا قلت وغابت رائحة الزلابية في تلك الأنحاء.. أصحاب عربات الأمجاد انتبذوا لهم مكانا قصيا هناك عند بوابات المستشفيات ذات الخصوصية.
السيارات التي تعبر الشارع الرابط بحسب التسمية ترسم صورة أخرى تتعلق بها بقايا الغبار العالق وتعترض طريقها أكوام الطوب ويلمح مستقلوها من بعيد أسرّة وقد وضعت فوق بعضها البعض فلا أحد يستخدمها الآن دون أن يعني هذا الأمر غياب الصورة النمطية للمباني التي شيدها الإنجليز في القرن العشرين من أجل تقديم العلاج لمواطني البلاد المستعمرة، فقط كل ما تبقى هنا هي المباني التي لم تطلها بعد آليات الوزير (البلدوزر).
يمكنك أن تلمح لافتة ما تزال في مكانها وهي لعنبر خاص بمرضى (الناسور البولي).. كل هذه الصورة تقع جنوب شارع الحوادث بينما في الشمال ثمة صور أخرى.
يقول أحد المواطنين (في الخمسين من عمره) وهو يحمل أوراق فحوصات طبية أنجزت وأخرى تنتظر توفير الأموال لإنجازها، إن صيف المؤسسات الصحية العامة يقابله ربيع للمؤسسات الخاصة.. يعقد الرجل مقارنة سريعة بين ما آل له حال مستشفى الخرطوم بكل تاريخه.. بين الفراغ جنوباً وهذا الامتلاء شمالاً.. يعدد الرجل في وقفته تلك أسماء سبعة مستشفيات خاصة تقابل المستشفى الذي تم تفكيكه مباشرة، ويكمل حديثه وهو يضرب كفا بأخرى: “الآن يمكنك أن ترى من الغربال لماذا حدث ما حدث ولمصلحة من يتم ذلك” يمضي الرجل سريعاً ليرد على موبايله وتنفرج أساريره عن ابتسامة حين أخبره الطرف الآخر بأن النقود تم تحويلها الآن.
والحركة التي تعطلت في اتجاه مستشفى الخرطوم قابلتها حركة بخطى متسارعة في المستشفيات الخاصة وهي تقدم خدماتها لمن يملكون القيمة.. الحوادث التي أغلقت يساراً انفتحت أبواب لها في اليمين وهي تعمل لمدة 24 ساعة دون توقف إلا ذلك المتعلق بالقدرة على دفع تأمين ما قبل الفحص الأولي. تبدو المفارقة في أن الشارع الذي يقطع مستشفى الخرطوم مغلق الأبواب ينتهي عند مستشفى (الزيتونة) المملوك للوزير صاحب التوقيع الأول والأخير.. حتماً، إن الأمر سيجعل البعض يستعيد مقابلة (الوزير والمستثمر) دون أن يجد إجابات لأسئلته التي تلد مزيداً من الأسئلة.
يجلس شاب أمام أحد المستشفيات الخاصة في شارع الحوادث محاطاً بالحيرة، يعاين الواقع الذي أمامه، يقطع عليه التلفون حبل أفكاره وإن كان صدى نغمته يقول كل الذي يخفيه الصمت حين تترنم مجموعة عقد الجلاد بالنص: “حتى الشارع قسا واتحجر حتى الحلم الفينا اتكسر” ولا شارع غير ذلك الذي يتوسط العام الميت والخاص الذي تكتب له مع كل فاتورة حياة جديدة واستمرار دون انقطاع. والصورة الأكثر وضوحاً هي أن الشارع الذي كان باسم شارع المستشفى ما زال يحتفظ باسمه القديم، لكن الجديد هو أن الفاعل الرئيس فيه هم أهل الخاص.
صحيفة اليوم التالي
هذا اكبر انجاز عملتة الانقاذ مستشفى الخرطوم او حوادث الخرطوم كانت ماساة كبرى فى وسط الخرطوم المستشفى اصبح ماوى للكلاب والقطط الضاله بعد تصدع مبانيه واصبحت ايله للسقوط بالاضافه الى انعدام الخدامات به وصعوبة الوصول اليه هنالك فئه فقط مستفيده منه هى التى تهاجم هذا القرار الصحيح واذا لم ينجز د مامون شيئا سوى هذا القر ار لكفاه