محمود الدنعو

الزيارة التاريخية


باتت عبارة زيارة تاريخية التي تطلقها وسائل الإعلام على زيارات الزعماء مكرورة ومستهلكة وغير دالة في الكثير من الأحيان، ولكن لا أحد يضع اللوم على أي وسيلة إعلام حين تخلع على زيارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما الراهنة إلى العاصمة الكوبية هافانا وصف الزيارة التاريخية، فهي تستحق هذا الوصف عن جدارة، فهي تاريخية كونها الأولى لرئيس أمريكي إلى كوبا منذ 88 عاما، والزيارة تاريخية لأنها تطوي صفحة من العداء بين الجارتين تعود إلى ستينيات القرن الماضية.
أطول خصومة سياسية في التاريخ الحديث وتوتر في العلاقات بين كوبا أمريكا بدأ بزيارة رئيس وسينتهي بزيارة رئيس، ففي أبريل من العام 1959، زار الرئيس الكوبي حينها فيدل كاسترو الولايات المتحدة والتقى مع نائب الرئيس وقتها ريتشارد نيكسون، وتذرع الرئيس الأميركي إيزنهاور لعدم استطاعته اللقاء مع كاسترو لارتباطه بلعبة الجولف وعندما عاد كاسترو إلى كوبا قام بتأميم جميع المصالح الأميركية في كوبا وردت الولايات المتحدة على ذلك بفرض المقاطعة التجارية على كوبا، وقطعت علاقاتها الدبلوماسية بها، وفتحت أبواب الهجرة إليها لأعداء كاسترو وخصومه السياسيين، ونظمت بوساطة وكالة المخابرات المركزية عدة محاولات لاغتيال فيدل كاسترو وقلب نظام حكمه، لكن جميع تلك المحاولات باءت بالفشل ونتيجة للسياسة الأميركية المعادية لكوبا، اتجه كاسترو صوب الاتحاد السوفيتي محولاً كوبا إلى أول دولة شيوعية في العالم الغربي، وقام بالتوقيع على شتى أنواع المعاهدات مع الاتحاد السوفيتي، وبدأت المساعدات المالية واللوجستية السوفييتية تنهال على كوبا.
بعد عقود من القطيعة الدبلوماسية عاد الوصل اليوم بين هافانا وواشنطون عبر زيارة الرئيس أوباما التي دشنت رسمياً عهداً جديداً بدأ منذ اللقاء التاريخي بين الرئيسين في جنوب أفريقيا على هامش مراسم تشييع جنازة الزعيم نيلسون مانديلا.
ومنذ العام 2014 بدأت الخطوات تتسارع نحو التطبيع في العلاقات بين البلدين، حيث وقعتا اتفاقات تجارية في مجال الاتصالات، ورحلات طيران وتعزيز التعاون فيما يتعلق بتنفيذ القانون وحماية البيئة، بينما لا تزال هناك خلافات قائمة بين البلدين، خصوصا فيما يتعلق بالحظر المفروض على كوبا منذ 54 عاماً، وقد طلب أوباما من الكونغرس إلغاءه، غير أن الجمهوريين رفضوا ذلك، كما تشكو كوبا من استمرار احتلال قاعدة بحرية أمريكية لخليج غوانتانامو، الذي قال أوباما إنه أمر غير قابل للنقاش.
ولكن هذه الملاحظات والتحفظات على التطبيع الكامل للعلاقات لن تقف حجرة عثر أمام اندفاع البلدين نحو تجاوز مرارات عقود من الزمان استطاع الرئيس أوباما بهذه الزيارة التاريخية إذابة الجليد كافة وعقب وصوله هافانا وصفها بـ (الفرصة التاريخية) لإنهاء عداوة موروثة من أيام الحرب الباردة.
محمود الدنعو – (العالم الآن – صحيفة اليوم التالي)