سوريون في السودان .. اتحاد الطلبة الأحرار: نحظى بتعامل جيد من الجامعات و السودانيين بددوا هواجس الغربة واللهجة
طلاب سوريا.. إصرار يتجاوز عقبات المناخ واللهجة السودانية
400 تلميذ سوري تسربوا من مدارس الأساس لهذه الأسباب
اتحاد الطلبة الأحرار: نحظى بتعامل جيد من الجامعات
تلميذ سوري: زملائي السودانيين بددوا هواجس الغربة واللهجة
الطالبة ميمونة: سعيدة بحياتها في السودان
لم يكن يضع اليافع محمد في حسبانه أن الأقدار ستحول دفة مشواره الأكاديمي من دولة إلى أخرى، فقد كان على ثقة تامة وقياسا على نبوغه من ملامسة ثريا النجاح بوطنه وولوج كبرى الجامعات، ولكن شاءت الظروف أن تندلع حربا في أرض أجداده، اقتتالا مسلحا لم تألفه دولة ظلت والاستقرار الأمني وجهان لعُملة واحدة، لتقول الأقدار كلمتها ويبارح بمعية أسرته موطنه سوريا، ليستقر به المقام بأرض النيلين التي طالما سمع بكرم أهلها، وبخطوات متعثرة في البداية ممزوجة بمرارة الغربة بدأ يتلمس خطاه لإكمال حلمه الأكاديمي، لينتسب إلى إحدى مدارس العاصمة الخرطوم ورغم صعوبة البدايات وهاجس اللهجة السودانية، إلا أن محمداً وبدعم من أساتذته وزملائه ومن خلفهم أسرته تمكن من تخطي العتبات الأولى بنجاح، ليتحول بعد أن تألقم على الأجواء إلى طالب متميز ومتفوق، ليكون محمد نموذجا لآلاف الطلاب السوريين بالسودان الذين تفوق الكثير منهم فيما واجه آخرون صعوبات.
دعم مؤثر
يحكي الطالب بالصف الأول بمدرسة الفرقان الثانوية محمد قصته مع التعليم بالسودان، ويشير في حديث لـ(الصيحة) إلى أنه وحينما حضر إلى السودان عقب اندلاع الأزمة السورية قبل خمس سنوات كان يبلغ من العمر اثني عشر عاما، وإن أسرته قررت أن يواصل تعليمه فتم إلحاقه بإحدى مدارس الأساس، ويقول إنه وبسبب اللهجة السودانية التي تختلف عن اللغة الدارجة السورية بعض الشئ وجد صعوبة في استيعاب الدروس، وإن هذه العقبة ألقت بظلالها السالبة على مستواه الأكاديمي الذي شهد تراجعا عما كان عليه بدمشق بسوريا، غير أنه يشير والابتسامه قد ارتسمت على محياه: لم استكين لحاجز اللهجة السودانية وقررت أن استوعبها سريعا وذلك عبر التواصل مع الزملاء، وهذا ساعدني كثيرا في أن افهم اللغة الدارجية السودانية وبعد ذلك تمكنت من استعادة مستواي الأكاديمي، وهنا لابد من الإشادة بكل الأساتذة السودانيين الذين لم يبخلوا علىَّ بالمساندة وكذلك زملائي الذين بددوا بحسن تعاملهم معي الشعور بالغربة في البداية، وكذلك وقفة أسرتي بجانبي وبحمد الله الآن أواصل مشواري الأكاديمي بحماس وتفوق مع تمنيات متجددة بأن تعود سوريا إلى سابق عهدها أكثر استقرارا وأمنا.
بحث عن الأمان
مثل غيره بحث والد الطالب محمد عن الأمان بعد أن ساءت الأوضاع بسوريا، ويقول صوان في حديث لـ(الصيحة) إنه اختار السودان لاستقراره الأمني وحسن تعامل شعبه، ولتوفر هذه الظروف يقول صوان إنه أحضر أبناءه لإكمال مشوارهم الدراسي، ويلفت إلى أنهم في البداية شعروا بالغربة وذلك لاختلاف المناخ واللهجة وإن هذا انعكس سلبا على مستواهم الأكاديمي، ولكن بمرور الأيام والحديث لصوان تمكنوا من التألقم والانسجام مع الأجواء بالسودان وباتوا من الطلاب المتفوقين، ويمتدح صوان دور المعلمين السودانيين الذين أشار إلى أنهم بذلوا مجهودات مقدرة مع أبنائه حتى تمكنوا من التفوق، وأكد أنهم لم يعودوا يشكون من صعوبات تواجههم مثل الفترة الأولى.
النحت على الصخر
الصغير زهير داووي البالغ من العمر سبع سنوات لا تختلف قصته كثيرا عن الطالب محمد صوان فقد واجه بعض الصعوبات في بداية حياته بالخرطوم إلا أنه وبمرور الأيام تمكن من تجاوز العقبات ونجح في أن يحتل المركز الأول بمدرسته، وتحدث زهير لـ(الصيحة) والبراءة تكسو وجهه وهو يشير إلى أنه وعند حضور أسرته إلى السودان لم يستطع اللحاق بالعام الدراسي الذي كان في خواتيمه إلا أن هذا لم يثنه عن الخضوع لدروس في اللغتين العربية والانجليزية والرياضيات على يدي والدته، ويقول ضاحكا: عند بداية العام الدراسي تم تسجيلي في إحدى المدارس ولكن لم أكن افهم شيئا من حديث الأساتذة وزملائي وهذا الأمر أزعجني، غير أن المعلمين فطنوا لهذا الأمر سريعا فكانوا أن خصوني بتعامل راق وكذا زملائي التلاميذ فسرعان ما تجاوزت محطة العقبات وبحمد الله في نهاية العام كنت ضمن قائمة الأوائل بالمدرسة.
للصورة وجه آخر
على الرغم من تفوق عدد مقدر من التلاميذ السوريين بمدارس الخرطوم الأساسية والثانوية إلا أن للصورة وجه آخر يبدو أكثر قتامة ويتمثل في أنه وبرغم الأريحية الرئاسية لحكومة السودان المتمثل في قرارها القاضي بمجانية التعليم للطلاب السوريين ومعاملتهم مثل زملائهم وأشقائهم السودانيين، إلا أن الواقع يؤكد تسرب أربعمائة طالب سوري من المدارس وتوقف مشوارهم الأكاديمي لجملة من الأسباب أبرزها حاجز اللهجة السودانية علاوة على ارتفاع حرارة الطقس، وهذا الأمر يشكل هاجسا كبيرا للعديد من الأسر السورية، وهنا يشير والد عدد من الطلاب ويدعى محمد عمر إلى أن أبناءه الخمسة كان يفترض بهم أن يكونوا بالمدارس بيد أنهم والحديث لوالدهم لم يتمكنوا من مواصلة مشوارهم الأكاديمي لاختلاف الجو العام بالمدارس الحكومية عما هو موجود بسوريا، مؤكدا عدم مقدرته على الحاقهم بمدارس خاصة بالسودان، وإن هذا حسبما يرى من شأنه إضاعة مستقبلهم.
أمنية الطفلة نور
حاولت الطلفة السورية نور التغلب على الظروف التي واجهتها في المدارس السودانية، وتقول لـ(الصيحة): إن زميلاتها في سوريا وصلن الصف الرابع أساس وهي ماتزال في الصف الثالث وذلك لأنها وجدت صعوبة في فهم اللهجة السودانية، غير أن هذه الصعوبات لم تثنها عن مواصلة تعليمها وتقول: نعم لم أجد أمامي خيارا غير مواصلة تعليمي عبر الانترنت مع معلماتي بسوريا، وهذا الأمر اعتبره صعبا وكل ما أريده بالسودان أن أواصل تعليمي بسلاسة وأن يصبح لدىَّ صديقات .
حل جذري
لإعادة أربعمائة تلميذ إلى مقاعد الدراسة وللحيلولة دون تسرب آخرين فقد سعت الجهات المختصة في الحكومة السودانية ومكتب الإغاثة للعائلات السورية بالسودان إلى إنشاء مدرسة للطلاب السوريين وفقا للمنهج السوداني على أن يتولى تعليمهم كادر سوداني وسوري من المعلمين، وكما علمت “الصيحة” فإن الهدف من المدرسة دمج الأطفال السوريين في المجتمع السوداني وإخراجهم من الأزمة النفسية التي خلفتها الأحداث بسوريا عليهم.
تفوق جامعي
كان ذلك فيما يتعلق بالطلاب السوريين في مرحلتي الأساس والثانوي بمدارس العاصمة الخرطوم، أما على صعيد التعليم الجامعي فإن الأوضاع تبدو أفضل حالا وهذا ما يجسده تفوق عدد مقدر من الطلاب السوريين في الجامعات السودانية، وهنا تشير الطالبة بكلية الرباط خديجة إحسان سعيدي إلى أنها في السنة الرابعة بكلية الترجمة واللغات، وتقول لـ(لصيحة) إنها كانت تنوي دراسة هندسة تصميم ديكور ولكن الظروف اختارت لها التخصص في اللغة الفرنسية، وتكشف عن صعوبات واجهتها في بداية مشوارها الجامعي إلا أن التشجيع الذي وجدته من الأساتذة بجامعة الرباط حبب إليها التخصص الذي تدرسه وأن مستواها تطور من سنة دراسية إلى أخرى حتى تمكنت من تحقيق المركز الأول، ونفت وجود عقبة تواجهها مع اللهجة السودانية وذلك لأنها موجودة بالسودان منذ فترة جيدة مكنتها من التعرف على تفاصيل الحياة، وتفتخر خديجة إحسان السعيدي بعلاقاتها في جامعة الرباط التي أشارت إلى تنوعها وتفردها، وأضافت: بحمد الله لديَّ الكثير من الزميلات والصديقات بالجامعة والتي اعتبرها عائلتي الثانية، ورغم أنني أصغر طالبة في الدفعة من حيث العُمر إلا أنه لم تواجهني صعوبات في التواصل مع كل الزملاء.
زواج ودراسة
ميمونة سعد عبد الوهاب ايضا في نفس الكلية ونفس التخصص إلا أنها في السنة الثالثة تقول: دخلت مجال الترجمة عن رغبة وحب لهذا المجال وهذا أساس النجاح أن تحب الشيء الذي تفعله وأما عن سبب نجاحي فيعود إلى تشجيع والدي وإيمانه بمقدرتي على النجاح، وقد بدأت اشتري القصص المكتوبة باللغة الفرنسية، وكذلك أتابع القنوات الناطقة باللغة الفرنسية، وقالت إن حرصها على التطور اسهم في رفع مستواها الأكاديمي وهذا وضعها في المقدمة، ولفتت إلى أنها تزوجت أخيرا وتريد أن تؤكد أنه ورغم مسؤوليات الحياة الزوجية إلا أن النجاح والتفوق الأكاديمي ليس أمرا صعبا، مشيدة بوقوف زوجها بجانبها وحثها على التفوق والنجاح، وبدأت ميمونة سعيدة بحياتها في السودان.
من الإمارات إلى السودان
من ناحيته يشير الطالب الجامعي معاوية إلى أنه وعند اندلاع الثورة لم يستطع إكمال تعليمه الثانوي ،وبحثا عن مستقبل أفضل توجه نحو دولة الإمارات التي كان يتواجد فيها والده ،فأكمل المرحلة الثانوية ،واردف: في الإمارات اقترح أحد الأصدقاء على والدي أن يرسلني إلى السودان لإكمال تعليمي ،وعند حضوري كنت العب لفريق كرة قدم ومن خلاله تعرفت على الإخوة في اتحاد الطلبة الأحرار وقد علمت بأمر المنح الدراسية ،وكان أن دونت اسمي ضمن طلاب كلية الطب بجامعة أفريقيا العالمية وتم قبولي، وحاليا في السنة الثانية.
موظف وطالب
عبد الرحمن عمران خليفة الطالب بجامعة النيلين “كلية العلوم السياسية” حدثني عن مشوار رحلته من سوريا إلى السودان فأشار إلى أنه كان يتأهب للجلوس لامتحانات الشهادة الثانوية في سوريا، ورغم أن الزمن الذي كان يفصله من انهاء المرحلة الثانوية كان قصيرا حيث لم يتجاوز الثلاثين يوما، إلا أن الأقدار قالت كلمتها عقب اندلاع الأحداث في سوريا التي فرضت على عبدالرحمن ترك أحلامه وراء ظهره والحسرة تملأ جوانحه لعجزه عن الجلوس لامتحانات الشهادة الثانوية، ولم يجد سبيلا غير مغادرة بلاده مثل غيره من الملايين الذين أجبرتهم الحرب على البحث عن بلدان يتوفر فيها الأمن، فكان أن اختار طالب الثانوي وقتها عبدالرحمن الحضور إلى السودان في العام 2013 ولم يتخلَ عن طموحه المتمثل في نيل الشهادة الثانوية فكان بعد حضوره أن قاوم الظروف وغالب التحديات وهو يختار الامتحان للشهادة السودانية اعتمادا على مجهوداته الذاتية بعيدا عن الالتحاق بالمدارس، ولأنه تحلى بالإصرار وقوة العزيمة تمكن من عبور امتحانات الشهادة السودانية بنجاح، ورغم التأخير الذي شاب استخراجه للشهادة إلا أنه تمكن من الالتحاق بجامعة النيلين التي يدرس فيها حاليا بكلية العلوم السياسية، ويؤكد أن طموحه لا تحده حدود، لافتا إلى أنه يعمل موظفا في مكتب الإغاثة وفي ذات الوقت يدرس بالجامعة.
إشادة ومتابعة
من ناحيته يشير رئيس اتحاد طلبة سوريا الأحرار بالسودان، عبدالله رياض، إلى أن التقديم للمنح التي تبذلها الحكومة السودانية للطلاب السوريين يتم على دفعتين، الأولى تنحصر في جامعة أفريقيا العالمية، والثانية لكل الجامعات الحكومية بمختلف أنحاء السودان، ويقول عبدالله رياض في حديث لـ(الصيحة) إن المنحة مفتوحة السقف للطلاب السوريين وفي الغالب تتراوح مابين 40 إلى 70 فرصة يستفيد منها الطلاب السوريون، مبينا أن المنحة تشمل الدراسة من السنة الأولى حتى الخامسة، ولا تشمل الإعاشة والسكن، وقال إن معدلات القبول لا تختلف كثيرا عن التي يخضع لها الطلاب السودانيون، فكليات الطب والصيدلة والأسنان تجاوز نسبة القبول إليها 90%، وكليات الهندسة ما فوق 80%، أما التخصصات الأدبية والشرعية فتتجاوز نسبة الـ70%، مشيرا إلى أنهم يجدون تجاوبا منقطع النظير من الجامعات السودانية، معتبرا قرار رئيس الجمهورية عمر البشير، القاضي بمعاملة الطلاب السوريين أسوة بالطالب السوداني فتح أمامهم الأبواب لإكمال مسيرتهم الجامعية بكل سلاسة، ولفت إلى أن أغلب الجامعات السودانية مثل أم درمان الإسلامية والنيلين والخرطوم تعامل الطالب السوري مثله وأخيه السوداني خاصة في الرسوم ،وقال إن هذا الأمر أسهم في حدوث استقرار نفسي كبير لدى الطلاب السوريين، وقال إن اتحادهم معترف به رسميا من قبل الحكومة السودانية وإن هذا ساعدهم في التعامل المباشر مع منظمة الطلاب الوافدين التي اعترفت بهم في العام 2013، مؤكدا أن الطلاب السوريين في الجامعات السودانية لم يعدوا يشعرون بغربة ولا تواجههم معاناة وإن الاتحاد يعمل على إزالة كافة العقبات التي تعتري طريقهم، مجددا شكره للحكومة السودانية على حسن تعاملها معهم.
*صحافية سورية سودانية مقيمة بالخرطوم
تحقيق: ميريام عمران خليفة
صحيفة الصيحة
بلد خيرا لغيرا
الله -تعالى-: {ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة} [الحشر: 9]. والخصاصة: شدة الحاجة.
ما هو الإيثار؟
الإيثار هو أن يقدم الإنسان حاجة غيره من الناس على حاجته، برغم احتياجه لما يبذله، فقد يجوع ليشبع غيره، ويعطش ليروي سواه.
قال الله صلى الله عليه وسلم: (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه) [متفق عليه].
وتقول السيدة عائشة -رضي الله عنها-: ما شبع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة أيام متوالية حتى فارق الدنيا، ولو شئنا لشبعنا، ولكننا كنا نؤثر على أنفسنا !!