ابراهيم دقش : أولاد (جون) يعودون!
(أولاد جون) ليسوا سوى الانجليز.. هكذا كان يطلق عليهم هذا الوصف السودانيون زمان.. كما كانوا يسمونهم (أهل العيون الخضر). عندما كانوا بيننا في بلد المليون ميل مربع، السودان القديم.. وكانت عملتهم (الصعبة الآن) تدخل جيوبنا هي والعملة المصرية ونحن أغرار، فعرفنا “الشلن” و”الريال” اللذين يحملان صورة الملك “جورج الخامس” و”جورج السادس”.. وعلى زمانهم كانت الخدمة المدنية تعج بالخواجات والسقف فيها بالنسبة للسودانيين (بي) B، والدخول للخدمة المدنية عبر امتحان السكرتير الإداري المعروف (بالسي أس) CS.
ودبج الإداريون الانجليز التقارير تدبيجهم للانطباعات والملاحظات في المناطق التي عملوا بها، فعرفنا (سودان ريكوردز) RECORDS وسودان داييز أند وييز Sudan Days & ways أقول بهذا كله الآن بمناسبة دخول “بريطانيا” للسودان هذه المرة عبر إستراتيجية حوار جديدة، افترض أنها تؤسس على الذي مضى وتأخذ في حساباتها الإرث البريطاني القديم في السودان.. فقد اعترف لي شخصياً في العام 1975م م “سير جيمس روبرتسون” آخر سكرتير إداري لـ”بريطانيا”” في السودان أن مساحة السودان الهائلة لم تمكنهم من عمل الكثير – مثل الذي فعلوه في بلدان أخرى استعمروها – نظراً لشح الموارد المالية، كما أقر في حديثه معي بأن بلاده هي التي اختارت أن تنسحب من السودان بهدوء.. وكأنما أراد أن يفهمني أن السودان لم يتحرر منهم وإنما تركوه أو لم يمانعوا في استقلاله.
وهذا الحوار الإستراتيجي الذي بدأته “لندن” مع الخرطوم بالفعل منذ أيام ليس مفاجئاً بالنسبة لي، إذ لي علم به عندما فكرت الحكومة البريطانية قبل سنوات قليلة في وضع إستراتيجية للتعامل مع السودان استقطبت لها ثلاثة من الخبراء البريطانيين من بيوت الخبرة، أما كيف عرفت فقد طلب مني، وكنت حينها في عاصمة الضباب، أن أقصد العنوان الفلاني في المنطقة الفلانية وسيقابلني عند محطة (المترو) من يأخذني إلى الخبراء الثلاثة لأتحدث لهم بحرية لمدة ساعة واحدة.. وأترك لهم نصف ساعة أخرى للأسئلة.. وفعلاً حدثتهم عن السودان ومما أتحفتهم به أن السودانيين عموماً خاصة أمثالي ممن تعلموا فيها خذلوا في “بريطانيا” مؤخراً، لأنهم يعتبرونها (عشرة قديمة) فيما هي انصرفت عنهم تماماً، إن لم تكن (نستهم)، وأرجعت السبب إلى أن من يعرفون السودان ومن عملوا فيه إما قد رحلوا عن الدنيا أو ضمهم المعاش، وظهر جيل بلا خلفية عن السودان سوى أنه كان مستعمرة لهم في القرن الماضي.. وأخبرتهم أيضاً بأن السودانيين كانوا يعتبرون “بريطانيا” صاحبة استقلالية في الرأي والفعل، وعندما أصبحت (ترلة) تتبع أمريكا – خاصة في عهد طوني بلير – أطلقوا عليها البغلة التي تتبع الخيل The mule the follows horses وقلت لهم إن العلاقة بين البلدين كان يدعمها تدفق البعثات البريطانية والعلاقات الثقافية المتميزة وهو ما انقطع، حتى أن اللغة الانجليزية التي كانت شائعة وقوية تدهورت في السودان.
عودة (أولاد جون) تجد الترحيب منا، ونأمل أن تعود المياه لتجري (صافية لبن) تحت جسور العلاقات بين البلدين!!
إبراهيم دقش – (عابر سبيل – صحيفة المجهر السياسي)
غايتو جد لو اتكلمت معاهم كده المفروض ما يجو تانى
ده شنو السطحيه دى