عبد الباقي الظافر

على ظهر مانديلا..!


كان الزعيم مانديلا يمسك بيد الدكتور كامل إدريس ويمضي به إلى غرفة جانبية..دون مقدمات يرفع الزعيم من قميصه ويخاطب ضيفه “أنظر يا ولدي ليس هنالك بوصة خالية من التعذيب”.. ثم يسدل الزعيم الستار عن الماضي ..بعدها يطلب من رجل أبيض بملامح أوربية أن يحضر..يمسح الزعيم على كتف الشاب الأبيض ثم يسأله عن ذاك الماضي، ويقر الرجل أن له نصيب الأسد من تلك الآثار المسيئة ..ويندهش كامل إدريس حينما يعلم أن صاحب السوابق يعمل حارساً شخصياً للرئيس مانديلا.
ربما من تلك الواقعة اتخذ كامل إدريس الطريق الثالث..الأمم التي تمضي إلى الأمام تتناسى الماضي، وتثب إلى المستقبل..كلمنا أمس ادريس في تدشين كتابه ( تقويم المسار وحلم المستقبل)عن تجارب اليابان ووثبتها من أوحال الهزيمة والكراهية إلى شراكة ذكية مع من ألقوا عليهم القنابل الذرية في هيروشيما ..كراهية السنوات الطويلة لم تمنع الألمان من تهديم الجدار الفاصل.. نقول إن الشعوب الأخرى التي لم تتعلم فضيلة التسامح تظل ترزح في مربع الكراهية..خلافات سقيفة بني ساعد قبل عشرات القرون مازالت تقسم المسلمين.. شعوب أخرى ما زالت تمارس التطهير على أسس عرقية.
لكن ربما لم ينتبه الأستاذ علي محمود حسنين إلى رسالة الدكتور كامل إدريس الذي جمع شتات السودانيين في لندن..عمنا العزيز علي حسنين الذي أكد أنهم أعدوا قانون معاقبة مفجري انقلاب يونيو..لا نعترض على فكرة معاقبة أهل الانقاذ ولكن الاولوية ينبغي أن تكون حول خطط إعادة بناء الوطن ..الأجيال القادمة تستحق أملاً لتعيش عليه..ليست الانقاذ وحدها التي قوضت حكماً دستورياً..الهدم دائماً أسهل من البناء..المعارضة الراشدة ينبغي أن تشغل نفسها بخطط إعادة البناء.
من حسن الحظ أن هنالك تيارات عديدة بدات تستبصر أن التركيز على المستقبل أهم من سجن الماضي..سمعت قبل أيام الدكتور علي الحاج يقول إنه ترك الماضي وراء ظهره..مثل هذه المشاعر الإيجابية مهمة جداً في مسيرة الشعوب..صحيح أن التسامح لا يعني الافلات من العقاب..ولكن أهمية التسامح أنه يفتح باب الأمل..ما بين التسامح والمحاسبة ينبع الطريق الثالث.
المتابع لمسيرة كامل إدريس السياسية يجد أنها تحاول دائماً استبصار حل قائم على التنازلات..قبل سنوات جمع الراحل الترابي والإمام الصادق في جنيف..في ظرف دقائق توافق الشيخ والإمام على خارطة طريق، وما تبقى من زمن خصصه الرجلان للإنس الجميل حول الذكريات..حتى هذه اللحظة مازال إدريس يراهن على الطريق الثالث..ومن حسن الحظ أن القاعدة تتسع..هذا ما لمسته من حديث أغلب المتحدثين في منشط لندن.
بصراحة.. مطلوب منا ألا ننسى آلامنا ولكن يجب ألا تشغلنا عن آمالنا.