عبد الباقي الظافر

في دكان ود البصير بلندن..!!


حالة غضب حولت مسيرة الشاب التاج علام الموظف الكبير بوزارة النقل..من غير مبررات تخطته الترقية للدرجة الأولى في العام ١٩٨٢..حزم علام حقائبه مسافراً إلى مدينة لندن التي يعرفها جيداً..فقد سبق للفتى أن عمل بمكتب مشتريات حكومة السودان بلندن لنحو ستة سنوات انتهت في العام ١٩٧٥..عاد علام إلى مدينة لندن وأسس عمله في مجال شراء وبيع العقارات.
مكتبه بشارع (ايدقر رود) تحول إلى منتدي سوداني..هنا تجد العم علي محمود حسنين وجبريل ابراهيم والعم ابراهيم الطيب ..كل زوار لندن يقضون وقتهم في هذا المكتب ..يمكن أن تصادف هنا طه علي البشير اوجمال الوالي ..مولانا دفع الله الحاج يوسف ودكتور علي الحاج يرتبون جدول مقابلاتهم من هذا المكتب ..يتذكر علام زيارات الفنانين السودانيين من عثمان حسين إلى مجذوب اونسة والكابلي.
داخل المكتب يقوم بخدمة الضيوف لاعب المريخ السابق عمار خالد الذي يملك مكتبا مجاورا..كابتن عمار قال أنه حاول الاستقرار في السودان ولكن ترتيبات تتعلق بمستقبل ابنه الذي يدرس في إحدى الجامعات المرموقة ردته إلى مدينة الضباب ..عمار مازال قلبه معلق بحب الرياضة في السودان يتابع تفاصيل أخبارها ..الكابتن عمار يجسد مثل رفيقه تاج علام ملامح السوداني الذي لم تغيره تقلبات الغربة.
هنا في مكتب علام تفتح بمودة كل الملفات السياسية..يختلف الناس باحترام ..يرتفع صوت عبدالله رمرم الذي يبحث عن ضوء في آخر النفق..زميلنا أامام محمد أمام يقدم تحليلات سياسية تزينها أبيات من اللغة العربية وآيات من الذكر الحكيم..يتذكر طرفة أستاذه بروفسور عبدالله الطيب الذي أقام على شرفه مأدبة عشاء كان من نجومها دكتور محمد إبراهيم الشوش والأديب الطيب صالح والصحفي الكبير أحمد محمد الحسن بجانب الزميل طلحة جبريل ..في نهاية المناسبة همس البروف في إذن تلميذه الوفي ضاحكا ( عاوز تقتلني يا أمام).. وكان عبدالله يشير إلى الوجود الكثيف لأبناء الشوايقة في تلك الجلسة وكانت للبروف مناكفات بريئة مع الطيب صالح وإبراهيم الشوش.
السودان المتسامح في مكتب علام يقابله آخر أكثر ثورة وغضب..مناطق مقفولة أمام رموز الحكومة أو حتى المؤيدين لها..في زيارتنا إلى لندن كان مطلوبا منا أن نتحمّل عبء الدفاع عن الحكومة امام مجموعات غاضبة..حاولنا أن نوضح لهم أن الحكومة طيبة الذكر أكثر غضباً علينا وتصنف صحفنا في قائمة الصحف المعادية ..ولكن كما يقول البوني ( لو طارت غنماية).. هذه المجموعات لا تعترف بلون رمادي ..من ليس معها فهو ضدها تماماً.
عظمة لندن انها تستوعب كل هؤلاء ..السودان القديم والجديد تجده هنا ..ليتنا نتعلم من تسامح الإنجليز.