أساطير وحقائق عن القضية الفلسطينية
تعتبر القضية الفلسطينية مركزية في بناء التصورات المتعلقة بهوية الإنسان والمجتمع العربي المعاصر والمستقبلي، فمنذ أن زرعت إسرائيل في المنطقة، وهي تمثل عامل الفوضى والاضطراب، الذي يستنزف موارد المنطقة، ويدمر أي مبادرة تنمية، ومن ثم فإن المثقف العربي الملتزم أدرك ضرورة مواجهة هذا التهديد، إلا أن إسرائيل وخلفها الفاشية العالمية وأذنابها المحليين، يعمدون إلى تشويه هذه القضية، من خلال ترويج مجموعة من الأساطير، واستخدام أساليب التكرار والتأكيد على هذه الأساطير في أجهزة الإعلام والمؤسسات الأكاديمية والثقافية الخاضعة للفاشية، عن وعي أو بدون وعي، لتشويه القضية الفلسطينية. وعندما تتحول تلك الأساطير إلى حقائق في أذهان الجيل الناشئ، فإن إسرائيل تكون قد أفقدت العرب إرادة القتال والتي هي العامل الرئيس في حسم الصراع.
الأسطورة الأولى: قضية فلسطين مسئولية منظمة التحرير الفلسطيني الممثل الشرعي الوحيد للفلسطينيين
القضية الفلسطينية مسئولية كل مسلم، فالمسلم أخو المسلم لا يخذله ولا يسلمه ولا يحقره، والمسلمون تتكافأ دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم ويرد عليهم أقصاهم، وهذا يجعل من استرداد فلسطين مطلبًا لكل مسلم، سواء كان فلسطينيًّا أو غير فلسطيني. إن إلغاء الهوية الإسلامية لقضية استرداد فلسطين، كان مقدمة لتدمير القضية برمتها. ففي البداية زعم المفترون أن قضية فلسطين قضية عربية، وهو ما تسبب في خسران هذه القضية نصرة المسلمين غير العرب، وفي مرحلة لاحقة زعم هؤلاء أن القضية الفلسطينية تخص الفلسطينيين وحدهم، وبذلك أصبحت لا تخص الشعوب العربية، ثم اختصر الفلسطينيين في منظمة التحرير الفلسطينية، وغدًا سوف يختزلون القضية في صورة جناح داخل المنظمة، وبعدها في صورة فرد ضمن الجناح. ولكن مسارات التاريخ المختلفة تفيد حقيقة واحدة استرداد فلسطين قضية لكل مسلم.
الأسطورة الثانية: إن الفلسطينيين والعرب والمسلمين معادون للسامية
إن زعم «معاداة السامية» الذي ترفعه الصهيونية وحلفاؤها من قوى الاستكبار الفاشية العالمية، هو وصمة عار هذه القوى التي تزعم احتكار اليهود للعرق السامي ونقاءهم العنصري، وهي دعاوى لم يأتِ بها من قبل إلا هتلر والنازيون ومن مشى على دربهم. إن التاريخ ليثبت كذبهم وتضليلهم، فعندما طُرد المسلمون من الأندلس، وتعرض اليهود للاضطهاد على يد الإسبان، فر اليهود إلى شمال أفريقيا وتركيا، وحطو الرحال في تلك البلاد وعاشوا بين سكانها في أرغد عيش، بينما تعرض اليهود الذين فروا إلى فرنسا ووسط أوروبا إلى حملات الاضطهاد المنظم الذي شجعت عليه السلطات والكنسية والمواطنون الأوروبيون. وفي مطلع القرن العشرين، عندما تعرض اليهود في روسيا لاضطهاد السلطات روسيا، فر المئات منهم إلى فلسطين، واستقبلهم أهلها، وتعاطفوا معهم، وأنزلوهم بينهم، وأحسنوا إليهم. إن العداء الذي يظهره المسلم والعربي والفلسطيني لإسرائيل، هو عداء كل حر ضد مستعبديه، ولو كان من احتل فلسطين وشرد أهلها من أي ملة أو جنس غير جنس اليهود، لعاديناه بنفس الضراوة.
الأسطورة الثالثة: الفلسطينيون باعوا أرضهم لليهود ولا حق لهم في المطالبة بها
نشأت هذه الأسطورة في مناخ التراشق الإعلامي بين نظام السادات والفصائل الفلسطينية التي عارضت اتفاقية كامب ديفيد، وتلقتها أجهزة الإعلام والمؤسسات الثقافية والأكاديمية الموالية للصهيونية، وراحت تكررها وتؤكدها وتضخمها، حتى أمست في مخيلة البعض حقيقة لا جدال فيها. ومثل كل أسطورة جيدة، فإنها تعتمد على قدر من الحقيقة، يتم خلطه بكثير من الكذب والأوهام، فهناك بعض الفلسطينيين قد باعوا أراضيهم بالفعل، يذكرهم المستشرق الألماني «كارل بروكلمان» في كتابه «تاريخ الشعوب الإسلامية» بالاسم، مشيرًا إلى أن عددهم لا يتجاوز أصابع اليدين، أغلبهم لا يعيشون في فلسطين، وأن فعلهم هذا قوبل بالازدراء والاستهجان من الفلسطينيين. بينما تظهر دراسات قام بها باحثون فلسطينيون وإسرائيليون، اعتمدوا فيها على وثائق محكمة القدس ومحكمة الخليل المحفوظة في الأرشيف العثماني، أن إجمالي الأراضي التي بيعت لليهود، لا تتجاوز واحد في الألف من مساحة فلسطين، ومعظمها كانت أراضي بور أو مستنقعات.
الأسطورة الرابعة: إذا انتصر العرب على إسرائيل فإنهم سوف يبيدون كل اليهود ويلقونهم في البحر
مرة أخرى نلتقي بأسطورة صنعتها الصهيونية وإسرائيل من أجل ابتزاز عقدة الذنب لدى مضطهدي اليهود السابقين من الأوروبيين. إن إسرائيل دولة فاشية عنصرية، تقوم على التمييز حتى بين هؤلاء الذين يحملون جنسيتها، فتفرق بين الإسرائيلي ذي الأصل العربي، والإسرائيلي اليهودي، وتسعى لتعريف نفسها «دولة يهودية»، وهو ما يسمح لها بطرد كل من هو ليس يهوديًّا من فلسطين المحتلة. تبين التجارب التاريخية، أن هذه الدول التي قامت على أساس عنصري، مصيرها إلى زوال مهما طال الزمن، ومهما أظهرت من استكبار وغطرسة، وإسرائيل مصيرها نفس مصير نظامي روديسيا وبريتوريا الفاشيين العنصريين. وعندما يحكم التاريخ حكمه بزوال دولة إسرائيل، كما حكم بزوال سلفهم مملكة بيت المقدس الصليبية، فإن سكانها من اليهود سوف ينالون ما ناله سكان مملكة بيت المقدس من اللاتين، فمن شاء أن يعود إلى البلد التي أتي منها فليفعل، ومن شاء أن يبقى في فلسطين، مؤمنًا بالتنوع العرقي والديني الطبيعي في البلد فليفعل.
ساسة بوست