“صفر كبير” زهاء الخمس ساعات أمضيناها بين قاعات صالات الوصول والمغادرة.. الإدارة نفسها أظهرت شجاعة بالحديث عن القصور بينما يصف برطم شركة “كومون” بأنها الشركة الحقيقية الحاكمة للمطار
كما يتراءى فإن بعض الجهات المسؤولة في المطار ربما تشوش حتى على أعضاء لجنة النقل بالبرلمان، أو تحاول أن تُصعب من عملية المساءلة والإجابات المطلوبة؛ وعلى كل، فهنا أكثر من جهة مسؤولة؛ هناك إدارة يديرها مسؤول مكلف، وتعاونها عدد من الشركات ذكرت أسماء بعضها عرضا، لكن تستحوذ “كومون” بنصيب الأسد من منافذ التشغيل، ماتزال، رغم قرار بالحل صدر من رئيس الجمهورية المشير عمر البشير. السمت الغالب لكل المتداخلين في هذه الحلبة يوحي بتوتر ما. أعضاء لجنة النقل بالبرلمان كانوا أكثر قلقا على الأجسام الخارجية التي تقدم الخدمة في المطار.
زهاء الخمس ساعات أمضيناها بين قاعات صالات الوصول والمغادرة، بين كل حلقة وأخرى بإمكان عشرات الإخفاقات أن تقفز إلى ذهنك، الإدارة نفسها أظهرت شجاعة بالحديث عن القصور، ودمغها عضو لجنة النقل أبو القاسم برطم بأنها تحمل “صفرا كبيرا”. للحقيقة فإن كل المتحدثين في المطار كانوا غير راضين تماما عما يقدمونه من عمل وخدمة، وعدم الرضا مفاده أن بيئة العمل التقنية والفنية غير مؤهلة، لكن وفوق كل ذلك فإن جيوب الجباية تمتلئ لآخرها في كل يوم من النوافذ المتعددة للدفع، وبالمقابل فإن السؤال الكبير الذي ظل يدلق حبره على أرض المطار “أين تذهب هذه الاموال؟”.
تقاطع سلطات
لم تنج مؤسسة “حساسة” مثل مطار الخرطوم من داء تداخل الاختصاصات وتقاطع السلطات، لا مبالغة إن قلت حتى تقاطع المصالح، وبما أنه أيضا إدارة جبائية فإنه يتبع بالصلة المباشرة ماليا لوزارة المالية وبنك السودان، وهذا ما يفقده حق التصرف حتى الآن مثلما قال مديره المكلف إبراهيم الطاهر، لا مبالغة أيضا إذا ما قلنا إن للمطار ميزة تدفع مؤسسات الدولة للتنافس عليه، أو نيل نصيب كيكتها منه، لكن وعلى سعة الدخل الذي يتوفر له، فإن عضو لجنة النقل حسن نمر أشار لإدارة المطار أن كل الشاشات التعريفية في المطار معطلة بما فيها تلك التي تحمل معلومات السفريات، ويضطر وكلاء شركات طيران لمناداة المسافرين المتأخرين لتكملة إجراءات سفرهم عبر مكبرات صوت، فيما تتكفل بعض الفتيات بعناء البحث في باحات صالات المغادرة عن المسافرين.
المصاعب والتحديات
لخص مدير شركة مطار الخرطوم إبراهيم الطاهر في ما أسماها بالمصاعب والتحديات في تحقيق الأنشطة المتعددة في المطار وتغيير نمط عمل الموظفين من الحكومي المحض إلى التجاري، لكنه أشار بصورة أساسية إلى ضعف التفويض المالي الممنوح لإدارته للتصرف في عمليات التأهيل والصيانة، ولفت أيضا لضيق مساحات المطار الحالي، وضعف السعة الاستيعابية له، وبمثلما ما اسلفنا فإنه أشار بشكل خاص لتداخل الاختصاصات وعدها معيقا للعمل.
شرح مفصل
أكثر ما برهن على عملية الفوضى في مطار الخرطوم المشادة العنيفة التي شهدتها اللجنة أثناء طوافها في صالة المغادرة.. بالأحرى هي اعتمال لما أشرنا اليه سابقا بـ”تداخل سلطات”، فسعادة العقيد عيسى قيدوم موسى الذي يتبع لشرطة الجوازات بدا صريحا للآخر في نقل إفاداته للجنة، وهي تبحث عن مكامن الخلل بالمطار وصالاته.. قيدوم أشار إلى أن الأجهزة التي تعمل عليها إدارته مهترئة، ولفت إلى أن الصالة ليست بها غرفة مهيأة للإبعاد والحجز خاصة للأجانب.. قيدوم أشار أيضا إلى أن غرفة الإبعاد مغلقة منذ زمن.. صراحة ضابط الشرطة أثارت أحد الحضور ممن يتبعون لإحدى الجهات العاملة في المطار فقاطعه في الحديث، إلا أن قيدوم واصل شرحه المفصل لأعضاء اللجنة.
“أكبر الأخطاء”
أكثر ما يربك في مطار الخرطوم الجهات التشغيلية ومنافذ تقديم الخدمة، ويحتقب الركاب هنا والمسافرون ذكريات سيئة عنها، لكن فوق كل ذلك فإن العقود التي تعمل بها تظل هي أكبر الأخطاء باعتراف مدير شركة مطارات الخرطوم، ورغم أن شركة مثل “كومون” تم حلها الا أن منسوبيها يملأون صالات وقاعات مطار الخرطوم. يقول خالد إمام بعد أن عرف نفسه بـ(مدير مشروع تشغيل المطار) لكن الديباجة التي كان يحملها في قميصه تحمل مسمى (مدير الرقابة بشركة كومون)، يقول إن سلوك المواطنين يعد أحد أسباب ضعف قدرة إدارته على تقديم خدمة ممتازة، فهو يرى أن الشباب لا يكترثون لتكملة إجراءات السفر، وغيرهم أيضا يتلكأون في إكمال إجراءاتهم داخل الصالات، وكان بالامكان تكملتها خارجا.. لكن النائب البرلماني أبو القاسم برطم يرى أن الفترة الزمنية منذ إنشاء المطار في العام (1947) وحتى الآن لا تتناسب مع وضعية المطار، برطم يشير أيضا إلى أن الصورة داخل المطار سالبة للحد البعيد، فيما يتساءل عن تزامن إنشاء شركة كومون في تاريخ واحد مع شركة مطارات السودان القابضة، ويلفت إلى أن ما تقوم به شركة كومون الآن في المطار يلغي دور شركة مطار الخرطوم، ويجردها من سلطتها تماما، ويتساءل أيضا: “لماذا تنازلت عن دورها لشركة خاصة؟”، يصف برطم شركة “كومون” بأنها الشركة الحقيقية الحاكمة للمطار.
“صورة قبيحة لمطار دولي”
يثير عضو اللجنة حسن نمر سؤالا مهما في وجه مسؤولين عندما يقول: هل تقوم السلطات هنا بعملية تفتيش للعاملين أنفسهم مغبة حدوث أي تجاوزات، ولو لأصحاب المناصب العليا؟، يجيبه مدير الشركة إبراهيم الطاهر بالقول: نعم تتم عمليات تفتيش للعاملين ولأغراضهم.. ويستدل بأنه شخصيا تقوم سلطات المطار بتفتيش عربته بشكل يومي، لكن إبراهيم يقول أيضا إن كل التساؤلات يصعب الرد عليها فهو من جهة لا يرى نفسه مسؤولا عن كل ما يدور في أروقة المطار لأن هناك من هو أحق منه بالرد أو بالأحرى جهات أعلى. يعود حسن نمر لتذكير المدير بأن بعض الكاونترات لا تحمل حتى لوحات تعريف وتستعيض عنها بورقة من السهل أن تتمزق، ويمعن في حث الإدارة على إزالة أرتال من الأجهزة القديمة “سكراب” لاحظ وجودها في أماكن عديدة في زوايا وأركان الصالات بمطار الخرطوم يرى أنها تحمل صورة قبيحة لمطار دولي.
سر عظيم
في النهاية أسدى العقيد شرطة عمر عبد الله بريمة نصيحة غالية وهو يجمع أعضاء اللجنة ويطلعهم على سر عظيم، يقول بريمة إنهم يواجهون تجاوزات للقانون، بصورة دقيقة يقول أن إجراءات قانونية لا تسري في البعض، يشير لحادثة شهدها المطار أمس الأول عجزت إدارته في تنفيذ القانون حولها، وهي النصيحة الأكثر إيلاما لمن يظن أنه في بلد القانون.
الخرطوم – حسن محمد على
صحيفة اليوم التالي
كل المحاولات باءت بالفشل لاصلاح حال مطار الخرطوم، وعليه يجب الحذر كل الحذر من نقل هذه التجربة الفاشلة الروتينية القاتلة لمطار الخرطوم الجديد والذي يجب تشغيله بواسطة شركة أجنبية لا علاقة لها بالسودان والسودانيين، لأنه ثبت بمالايدع مجلا للشك أننا افشل اهل الارض في الإدارة خصوصا إدارة مصالحنا وبلدنا لأننا يغلب علينا الطمع والحقد والحسد والكسل وعدم الأمانة في وقت واحد، كل هذه الصفات يمكن للمرء ان يجدها في مؤسسة واحدة من إبتداءاً من البواب الى المدير.
مطار الخرطوم دا خلوهو..منه العوض وعليه العوض ربنا فيه، بس الناس الشغالين فيهو ديل اقفلوهم قبلهم ما ينتشروا كالوباء في المطار الجديد
لا أعتقد أن التفتيش يسري على كل العاملين في المطار، فلو كان الأمر كذلك ـ وفق هذه الحيثية ـ لما اشتكى كثير من الوافدين إلى الداخل من اختفاء بعض امتعتهم، شخصيًا فقدت ثوبا نسائيًّا قيما من شنطة (سمسونايت) عند القدوم، وأخبرت بمشرف الصالة، فتحمس وحمل الشنطة إلى الميزان ليقارن بين وزنها قبل القدوم وبعده، ثم زودني برغم هاتفه الجوال للاتصال عليه بعد التحقيق في الأمر، ولكن تبين لي أن الرقم لا يرد على الإطلاق، ففوضت الأمر إلى الله.. فإن كانت الأشياء الخاصة للعاملين تخضع للتفتيش لانكشف المخبوء، فاتقوا الله في الناس ولا تقولوا إلا الصدق.