عبد الباقي الظافر

واتساب..!

ارتبكت رندا الأعرج حينما التقت أعينها بدكتور تسليم البدوي..كانت المرة الأولى التي تتمعن فيها وجه الطبيب الشاب .. اللحية الدائرية تخفي وجهاً صبوحاً يميل للوسامة..حاولت أن تتجاوز لحظة الارتباك وتستعيد رباطة الجأش التي تميزت به كصحفية ومقدمة برامج تلفزيونية..كانت رندا تملك دائماً زمام المبادرة إلا في هذا اللقاء.. من لم تقهره بثقافتها تنال منه بجمالها الوقور..كادت أن تبلغ منتصف الثلاثينات دون أن توافق على طلبات الزواج ..تضحك حينما يسألها أصدقاؤهاالمقربون، وترد لا أريد أن أدخل القفص بطوعي.. لم يتردد دكتور البدوي ودخل في موضوع اللقاء مباشرة..أريدك زوجة على سنة الله ورسوله.
ابتسمت رندا دون أن تتمكن من إكمال ابتسامتها..تحسست بعصبية القلم الذي بين أصبعيها..بدات الجمل تخرج مبتورة..إنتهي إيضاحها بأنه متزوج وله أبناء..ثم أضافت حتى لا تغلق الباب “أنا لم أعرفك جيداً..كل نقاشنا دار خلال مجموعة المعرفة في الواتساب”.. ابتسم تسليم البدوي ثم قال “ أشعر انني أعرفك منذ سنوات طويلة”.. كنا نتحاور بصراحة ..نعبر عن ما بدواخلنا دون خوف من الآخر ..بعد عدة شهور من الحوار اليومي شعرت أن صورتك النمطية في ذهني لم تكن دقيقة..بصراحة كانت مشوهة..كنت أظنك مجرد شابة تائهة عن طريق الحق مغرر عليها من قبل الشيوعيين ولكنني اكتشفت غير ذلك.
أحنت رندا الأعرج من هامتها قليلاً ثم أعادت تمكين طرحتها المتحركة على خصلات شعرها المتمردة..لم تدر هل تلوم زميلها عاطف السماني أم تثني عليه..هذا الشاب المبادر قدم مقترحاً لمجموعة من الشخصيات العامة للاشتراك في (قروب واتساب) اسماه المعرفة..الشرط الوحيد أن تتداخل عبر اسم حركي من رقم تلفون غير معروف بين الناس..بدا عاطف السماني يطرح رؤوس مواضيع ثم يجعلها تتحرك مثل كرة الثلج بين المتداخلين..كانت البدايات عسيرة ونقاط الخلاف متسعة..يوم عقب يوم بدأ أعضاء المجموعة يشعرون بالألفة وتسري المودة بينهم.
بعد مائة يوم طلب منهم إزاحة الأقنعة والالتقاء في منزل شيخ الفاضل عووضة الصوفي المتصالح مع كل الأطياف السياسية.. مازالت رندا تتذكر تفاصيل ذلك اللقاء..حينما جالست دكتور تسليم على ذات المنضدة ..كادت أن تغادرها مسرعة..ردها صوت عاطف السماني الذي طالب الضيوف بربط الأحزمة على المقاعد والالتزام بتصاريف القدر..كانت كلما حاولت أن تختلس النظر إلى جليسها يأتيها تاريخه الحركي ..رئاسته لاتحاد طلاب جامعة الخرطوم..سفره إلى البوسنة مجاهداً ..خروجه على الإنقاذ مُغاضِبا .
في ذلك اللقاء تحاشى تسليم النظر المباشر الى وجه امرأة في غاية السفور والجمال.. بعد قليل شعر الضيوف بالارتياح ..سأل تسليم جارته رندا لماذا اختارت لقب طائر السمان..قبل أن تجيب عاجلها بسؤال إن كانت قد رأت طائر السمان في الطبيعة ..حينما ابتسمت وردت بلا، كان الدكتور تسليم يتبرع ومن هاتفه الجوال يبرز صورة لطائر لم يكن يراه جميلاً..بعبارة تحمل جرعة رومانسية مصحوبة بخجل علق تسليم “ ظلمتي نفسك يا رندا “.
من ذاك اللقاء اتفق المجتمعون أن يتداخلوا باسمائهم بعد أن زالت الحواجز الوهمية..عند كل صباح كان دكتور تسليم يستيقظ مبكراً ليتفقد زميلته رندا الأعرج.. في كل مرة يجد مفاجاة ..من خلال الونسة على الخاص أدرك أن رندا منذ صباها تصلي الصبح حاضراً وتقرا نصف جزء من القرآن..اكتشفت رندا وجها آخر لزميلها جراح العظام غطته رمال السياسة المتحركة.. كان تسليم يرسل لها بيوتاً من الشعر في غاية الرومانسية ينسبها إلى شاعر مجهول ..إلا أنها لاحقاً اكتشفت أن تسليم ليس طبيباً فذاً فقط إنما شاعر مجيد.
انتهى لقاء حدائق الأوزون ..وقفت رندا منتصبة ثم مدت يدها نحو الطبيب الذي لا يصافح أبداً..استسلم تسليم ومد يده، التقت الأعين وتسمرت الأيادي برهة، ثم لاحت ابتسامة على الشفاه ..قبل أن تخرج رندا من حصار العيون قالت لفتاها “سا ستخير في هذه الليلة وأوافيك برأي بعد صلاة الفجر بإذن الله”.