عبد الباقي الظافر

هنالك أخبار جيدة من الخضر.!


كان يوم من ألف ساعة للمزارع عمر الخضر..جاءت الشاحنات بحصاد وفير من الطماطم ..عند أبواب مصنع كريمة تلقى الرجل أخباراً سيئة للغاية ..المصنع لم يبدأ الانتاج وكل السعة التخزينية ممتلئة.. راجع الخضر بسرعة كل الخيارات بما فيها الوصول للخرطوم ..بتضريبات سريعة ودقيقة وجد من الأفضل أن يفرغ بضاعته في جوف الصحراء، وهكذا فعل مع أطنان الطماطم الجيدة..هذا الرجل حاول أن يكون سباقاً في استثمار عودة مصنع كريمة لتعليب الفواكه..عبر دراسة جدوى بسيطة تأكد لهذا الرجل إن بإمكانه أن يضاعف رأس ماله في موسم زراعي لا تتعدى أيامه المائة يوم..استأجر الفلاح الذكي مئات الأفدنة من كسالى المزارعين..في الأيام الماضية تلقى أخباراً جيدة ..المصنع عاود الشراء من المزارعين بأسعار مجزية..كل ما ضاع من المزارع عبارة عن انتاج فدان واحد..هذا الرجل سيصبح مليارديراً بنهاية هذا الموسم الشتوي.
قبل سنوات كان ذات الخضر يزرع مابين ثلاثة إلى اربعة فدادين..يجتهد في تنويع المحاصيل خوفاً من غدر السوق.. جديد هذا العام أن مصنع كريمة الذي أسسه الرئيس الراحل عبود في عام ١٩٦٢ عاد للإنتاج بشراكة مع مجموعة القحطاني السعودية..المصنع الذي تبلغ كفاءته الإنتاجية أربعمائة طن في اليوم قدم حزمة من المساعدات المهمة للمزارعين..وفر لهم أجود التقاوي وأفضل المبيدات وماتيسر من تمويل ..الأهم من ذلك استعداده للشراء بسعر مجزي من المزارعين..الشراكة الناجحة تشمل الخضر والفواكه ..حيث إن هنالك خطوط لإنتاج مركزات الفواكه وشرائح البطاطس المجففة..كل ذلك يمضي بيسر إلى السوق العالمي .. عبر هذه الآلية يجتهد المزارع دون خوف من كساد الأسعار الذي يجعله يبيع البصل بما حصل.
فكرة دخول القطاع الخاص الأجنبي في مجال التصنيع الزراعي مهمة للغاية..شراكة مصنع كريمة تصحيح للأوضاع الشائهة في الاستثمار العربي..أغلب الشركات العربية تكتفي بزراعة الآلاف من الأفدنة بالبرسيم..ثم تجففه وترسله كعلف للخيول والهجن في الخليج ..كل ذلك من مياه جوفية ناضبة..لا تجني بلادنا من ذلك سوى هدر لموارد الأجيال القادمة وحفنة من العملات الصعبة التي تتدفق في أوقات التجهيز للزراعة فقط.
نموذج الشراكة الثلاثية بين مجموعة القحطاني السعودية وحكومة الولاية الشمالية وشركة جياد الزراعية تمثل نموذجاً للنجاح ..الشراكة اختارت المكان المناسب للاستثمار المناسب..خاصة إذا ما علمنا أن لذات الشركة السعودية اهتمامات بالاستثمار في الثروة السمكية في بحيرة سد مروي..هؤلاء التجار اختاروا المكان المناسب حيث تتوافر الأرض الخصبة والمناخ الملائم والماء المتدفق .
على النقيض من ذلك ارتكبت الحكومة حماقات في مجال الاستثمار في ذات المنطقة ..من المال العام أسست وزارة السدود مشروع عالمي لإنتاج الدواجن في منطقة كورتي..يتم ترحيل الانتاج لنحو أربعمائة كيلو ليصل مناطق الاستهلاك الكبير في الخرطوم.. وأفدح من ذلك إنشاء مستشفى دولي في مروي..ذاك المستشفى فشل في استقطاب الأطباء فكيف له أن يجذب المرضى..ولكنهم كانوا يتعلمون الحلاقة في رؤوس اليتامى من أبناء شعبنا.
في تقديري..مطلوب من الحكومة الاهتمام بتجربة النجاح هذه.. على السيد النائب الأول لرئيس الجمهورية القائم على مشاريع الإصلاح استدعاء المواطن الخضر لتقليده وسام الانتاج ..هذه الخطوة تلفت الأنظار لقصص نجاح وسط الإحباط المتصاعد.
بصراحة.. مطلوب من الحكومة أن تتعلم أن أكثر المشاريع بركة أقلهن رسمية.. وابن حلال يدخل مشروع الجزيرة بفكرة ذكية كتلك التي أنتجتها شراكة القحطاني في كريمة.