ابو عركي ..المتحدث الرسمي بأحلام الغبش
ثابتاً في خضم المتغيرات, صادقا في زمن الزيف, قريباً لاحلام (الغبش), بعيداً عن الانكسار, منتمياً للوعي والحق والثورة عاشقاً للجمال منتصباً شامخاً ملتزماً
كان ومازال وسيظل ابوعركي البخيت هو المتحدث الرسمي باحلام الشارع والمنحاز لحراكه والمحرك لسكونه. وما ان تاتي سيرة الاستاذ ابوعركي البخيت يخطر ببالي بيت شعر لدرويش يقول فيه :
إنني مندوب جرح لا يساوم
علمتني ضربة الجلاد ان أمشي علي جرحي
وأمشي ثم امشي واقاوم .
والحديث عن عركي المغني والموسيقار والملحن أمر متروك للنقاد والكتاب الأكثر دراية مني بتجربته
لكن عركي الذي انا بصدد تناوله هو ذلك الفنان الملتزم بخطه والذي لم ينحن يوما للعاصفة
عركي الذي إختار مكانه وأحترق حيث انتهي علي قول “ابكر ادم اسماعيل”,
فمنذ 27 عاما ظل عركي متسقاً مع ذاته منتمياً لهموم شعبه مخلصاً لمبادئه قابضاً علي جمر قضيته.
وأن يُحارب فنان في فنه ومعيشته لاكثر من ربع قرن من الزمان ويصمد في وجه كل الذي ياتي من السلطه حيناً
وحيناً مِن من هم حوله ذلك امر في غاية الصعوبة ولا يقدر علي إحتماله إلا رجل في غاية التماسك والصلابة,
فموقف عركي الناصع من السلطه ليس هو وحده ما يجب ان نتوقف عنده بل الثمن الذي دفعه عركي لذلك
هو ما يستحق التوقف عنده والحرب الخفية والمعلنة التي خاضها الرجل ضد نظام حاول ويحاول ان يكسره بكل ما يملك من جبروت .
وربما نعرف جميعا لماذا يقاطع عركي الاعلإم ولكن ربما لا يعرف البعض ماذا يعني ان يقاطع فنان الاجهزة الاعلامية لأكثر من ربع قرن من الزمان.
فالاجهزة الاعلامية تمثل مصدر دخل اساسي للفنانيين وتسجيل الأغنيات أو السهرات تعد احدي أهم مصادر الدخل لأي فنان محترف
بجانب الحفلات التي هي الاخري حُورب عركي من اقامتها وظلت السلطات الامنية تتلاعب بتصاديق حفلاته تلغيها أو تسمح بها حسب هواها وما تقتضيه سياستها الخاصة .
فــ أن يختار فنان موقفا يكلفه أن يُحارب في معيشته ويختار أن يتغيب عن أجهزة الإعلام ويصعب عليه حتي أن يلتقي جمهوره ثم ينصرف عنه من حوله “اغلبهم وأقربهم إليه” ليطبعوا مع السلطة بشكل او باخر ويجد نفسه وحيدا كما غني
جاييك معاي حزن المغارب ونار سقوط ناسا كتار
لكني ثابت في المدي وواقف انا
ودايس علي الابر المسممة بالكلام
علمني قدر الناس اشوف
واتحدي نار كل المصايب والظلام .
وأكاد ان اجزم ان عركي عندما صدح “باخر المواني” لم يك يتوقع ان ياتي يوما يجد فيه نفسه واقفاً (براه) بعد (سقوط ناساً كتار)
لكنها الاقدار اوكما قال صديقه الراحل حميد فـ عركي وقدره ” قدر قدر ” .
اننا مدينون لعركي بكل برهة صمتنا فيها وهو يتحدث, إنكسرنا فيها وهو يناضل, أُحبطنا فيها وهو يملأ سماء الخرطوم أملاً وحباً ووعياً وثورة
وإن عركي اليوم هو ممثلنا امام روح مصطفي سيد احمد ومحجوب شريف وحميد وجون قرنق ومحمود محمد طه وعبد الخالق محجوب ورفاقه وكل شهداء الحرية
هو من يمكن ان يقول لهم ناموا في خلدكم فانا مازلت علي هذه الحياة أغني وأناضل .
ان عركي يستحق منا تكريما يليق بصموده وثباته ليعلم وهو بيننا أنه اكثرنا ثباتاً وصلابتاً وصموداً وأجملنا دواخل.
وعليه ان يعلم اننا نتواراي خجلا عندما نراه ( صامداً منتظراً حتى إذا الصبح أطل )
وعلينا نحن أن نقتدي بهذا الصمود وأن نكون كأي امنية في اي اغنية لعركي أن نكون زهرة أو أن كون شمعة أو أن نكون كما غني :
أي زهرة جميلة زابلة إنتو مسئولين تجاها
وأي شمعة الريح طفاها كونوا انفاسا وضياها
كل زول بحمل رسالة أمينة صادقة بعيد مداها
يعرف التاريخ بيحسب كل خطواتوا المشاها
والحدود الفاصلة هي
يبقي عندنا مسئولية
الصحيفة السودانية الالكترونية
عاطف عبدون