رأي ومقالات

ملوك الماس الدموي..تجارة الموت من تل ابيب الى افريقيا

إنعام عامر على غير المألوف في العديد من المدن.. ربما بدت درجة الرقابة بمدينة «انتويرب» البلجيكية عالية كثيراً مثلما تبدو ملامح ثرائها الماسي القادم من افريقيا… وفي تل أبيب وفي العديد من العواصم الماسية ربما بدت بعض شوارعها شبه قلعة إلكترونية مجهزة بمئات الكاميرات بغرض المراقبة، بينما تنصب أجهزة الإنذار بشكل لافت هناك، هذا ما يجمع عليه زوار عواصم الماس. إلا أنهم يجمعون ايضاً أن ما يلفت حقًا هو منظر تجار الماس اليهود، وبعضهم من طائفة «الحاسيديم» تحديداً، وهي طائفة عرفت بتجارة المعادن النفيسة من بينها الماس.. الملف برمته ما زال ملطخاً بالدماء الإفريقية. بينما أباطرة الماس هناك نافذون في كل شيء داخل البيت الأبيض والكونغرس والايباك، حسب تقارير شبه رسمية، ما يجعل تقاطعات السياسة والمصالح هنا واضحة بشكل لافت. إشعال الحرب بدا واقع الملف مختلفاً تماماً.. وعند الإشارة الى الفيلم الأمريكي ماس الدماء «Blood Diamond» لمخرجه ادوارد زويك، تتغير ملامح الملف عمدًا.. وترسم ملامح أخرى.. تشير فيها أصابع الاتهام الى الأفارقة أنفسهم بعدما تم تصويرهم في إطار القاتل والمقتول.. إفريقيان يتشاجران حول الماس الوردي النادر، ويقود هذا الى إشعال الحرب والصراع.. الخ. ملخص ومدلول قصة الفيلم الأمريكي، وصورة أخرى تقبض فيها يد سمراء على قطعة من الماس.. هو ذات السيناريو الذي تتبناه منظمة العفو الدولية فرع الولايات المتحدة الأمريكية التي أشادت بالفيلم وأدانت الأفارقة دون أن تدين سواهم. نجمة إفريقيا بريقها الأخاذ استطاع خطف أنظار ملوك تجارة الماس، أطلقوا على تلك القطعة النادرة اسم «نجمة افريقيا»، التي تعتبر أكبر ماسة في العالم وتزن «3024» قيراطاً، وقد قطعت الى «9» قطع كبيرة الحجم و«96» قطعاً صغيرة.. نجمة إفريقيا لم تخطف أبصار تجار الماس الصهاينة وحدها، فهناك أنواع جيدة من «الألماس» في جوف صخور القارة السمراء منها «الألماس الإفريقي الخام»، و«الألماس الأسود الخرز»، وما يسمى «جميلة الشمبانيا»، والماس «الأزرق»، و«الأبيض»، لم يبد هذا غريباً إذ تستحوذ إفريقيا على حصة عالية من الإنتاج العالمي للماس. بيد أن ذلك كان كافياً أن يجلب لها اللعنة.. ويكفي أن دولة جنوب إفريقيا يوجد بها «66» منجماً للماس الخام يساوي «24%» من احتياطي العالم، إضافة الى مناجم الماس في بتسوانا، أنجولا، ناميبيا والكنغو وغيرها من الدول الإفريقية. بيد أن أخطر ما في هذه التجارة هو مسألة الماس مقابل السلاح. الأمر الذي أدى الى تأجيج العديد من الصراعات والحروب الأهلية في القارة. خاصة في سيرالون وإفريقيا الوسطى والكنغو. أساطير وخرافات ارتبطت مناجم الماس في إفريقيا بالأساطير والخرافات، ومن بينها ان تلك الأحجار التي تلمع في الليل شيطانية يجب ألا يقترب منها أحد… هكذا ربما بدت ملامح سرقة الماس الإفريقي بهذه الطريقة وبطرق إشعال الحروب الأهلية وتوريد السلاح مقابل نهب المعدن النفيس الذي أصبح ملطخاً بدماء الأفارقة… ربما لدرجة ان أصبح الزبائن الذين يرتادون العديد من محاله المنتشرة في العواصم الغربية،لا يندهشون حال قراءتهم لعبارات، «ماس أخلاقي» أو «خالي من النزاعات» بعدما يتم وضعها على ديباجة تلك المصنوعات. ويكاد لوبي الماس ينجح في إلصاق تجارة الماس الدموي بالأفارقة دون سواهم عبر انتاج أفلام توحي بذلك، رغم نجاح تجار عبر منظومة صهيونية قديمة في نهب الثروات الإفريقية تحت سمع وبصر المؤسسات الدولية وإزكاء الحروب الأهلية والنزاعات في مناطق حزام الماس في إفريقيا في ذات الوقت ما أدى الى تحايل الشركات المصنعة للألماس بوضع ديباجات على مصنوعاتها بغية تسويقها. أشهر التجار وأشهر تجار الماس اليهود الذين تربطهم علاقة قوية بالمنظمة اليهوية الايباك هم «جاكوب باندا» رئيس نادي تجار الماس في الولايات المتحدة، و«روني فريدمان» رئيس جمعية مصنعي ومستوردي الماس، وديفيد إبراهام نائب رئيس نادي الماس في نيويورك. وتشير سيرتهم الى نفوذهم الكبير لدى دوائر صنع القرار في البيت الأبيض والكونجرس والبنتاجون، ما يضع النقاط فوق الحروف حول الحماية الكبيرة التي يتمتع بها ملف الماس وطرق جلبة وعلاقته بصراع الموارد والصراع السياسي معاً. اتهام رسمي الأمم المتحدة اتهمت رسمياً الدولة الصهيونية بسرقة الألماس الإفريقي والتورط في تجارة «الماس الدموية» عبر مد حركات التمرد الإفريقية بالسلاح مقابل الماس في مناجم العديد من الدول الإفريقية، ومع هذا لا يقاضي أحد تجار الماس الصهاينة ويتهمهم بارتكاب جرائم حرب. إلى ان اتهمت لجنة الخبراء التابعة للأمم المتحدة إسرائيل في العام 2009 رسمياً بالتورّط في تصدير الماس بطريقة غير قانونية من إفريقيا، وتحدث تقرير صادر عن اللجنة عن علاقة مباشرة لإسرائيل بتجارة الماس الدموي في دول إفريقية عديدة، بينها ساحل العاج وسيراليون. وتعتبر صناعة الماس المسروق من إفريقيا دعامة رئيسة للاقتصاد الإسرائيلي، وعند مضاهاتها بدول أخرى فإنه لا توجد دولة في العالم يعتمد اقتصادها على الماس مثل إسرائيل التي توجد فيها صناعة ماس نشطة وبورصة للماس، والخطير في الملف أن الماس لدى تل إبيب هو عنصر خطير في تبرير المجازر ضد مسلمي إفريقيا الوسطى أكبر الدول الإفريقية إنتاجاً، وتأجيجها للعديد من النزاعات في حزام الماس في إفريقيا. الصادرات بالأرقام وحسب الموقع الرسمي لوزارة الخارجية الإسرائيلية على الإنترنت، بلغت صادرات الألماس الإسرائيلي عام 2006 نحو 13 مليار دولار، وتعد الولايات المتحدة أكبر مستورديها «63%»، ولكن انخفضت صادرات الألماس المصقول الإسرائيلي إلى 7.2 مليار دولار في عام 2011، ثم 5.56 مليار دولار عام 2012. وتقوم إسرائيل حالياً بإنتاج معظم الماس الصغير المصقول والمستخدم في ترصيع الجواهر في العالم، كما أنها مسؤولة عن صقل 40% من الماس من جميع الأشكال والأحجام، ما يجعلها أهم مركز عالمي لصقل الألماس من حيث الإنتاج والتسويق على حد سواء. رغم أنها لا تنتج الخام منه بل تجلبه من افريقيا. ومن بين الدول التي تسعى إسرائيل الى سرقة الماس منها، ليبيريا التي وقع معها المعهد الإسرائيلي للماس في نوفمبر 2007 على اتفاق بإرسال خبرائه لمساعدتها على البحث عن الماس، وساحل العاج حيث تورطت إسرائيل فيما يسمى تجارة الماس الدموي في ساحل العاج، خلاف 7 دول إفريقية يوجد بها الماس هي ليبيريا وساحل العاج وغينيا وزائير وسيراليون وإفريقيا الوسطى وتنزانيا وأيضا جنوب السودان، حيث المعادن الكثيفة وجنوب دارفور وهو الجديد بعد انفصال الجنوب. جهود دولية جهود دولية حثيثة سعت الى تجريم ومنع تجارة الماس الدموي، فمنذ العام 2003 تبنت نحو «60» دولة اتفاقية أممية عرفت باسم «كيمبرلي»، بهدف الحد من تمويل تجارة الماس للحروب والصراعات الداخلية، والهدف هو ضمان شفافية الإنتاج وتتبع مصادر الماس المعروض للبيع بحيث يكون من مصدر مسموح به لا يدعم إنتاج وتأجيج الصراعات والحروب الأهلية. واستناداً الى تقارير رسمية وشبه رسمية، أعلنت منظمات بارزة تعمل في مجال مكافحة الفساد عن فشل مشروع «كمبيرلي» الهادف إلى وقف استغلال الماس لتمويل الحروب الأهلية في أفريقيا، بسبب خلافات داخل المنظمة بين مجموعات الضغط ولوبي الماس الذي يضم مليارديرات إسرائيليين لهم نفوذ داخل الكونجرس الأمريكي. مثلما فشلت جهود مجلس الأمن الدولي في إصدار عدة قرارات في نهاية التسعينات على خلفية هذه الصراعات لغرض تقييد استيراد الماس الخام من مناطق النزاعات في أفريقيا، إلا ان تلك القرارات اصطدمت بالرفض الإسرائيلي وتم الالتفاف عليها من خلال وسطاء محليين هم أصلاً جنرالات أفارقة يتاجرون في الماس لمصلحة التجار الإسرائيليين الكبار الذين يسيطرون على نحو 36 مليار دولار، هي حجم التجارة العالمية للماس.. الماس وتهويد القدس ويلعب ماس النزاعات دوراً رئيساً في بناء المستوطنات في القدس في إطار عملية تهويد المدينة، واستناداً الى دوريات أجنبية وإسرائيلية ومنظمات عربية في الأمم المتحدة، فأن مليونيرات الماس الصهاينة، وجنرالات في الجيش الإسرائيلي وتجار سلاح، يقومون بتمويل عشرات المستوطنات العربية وتهويد القدس ومن بينهم مالك شركة «دي بيرز» و«ليف ليفييف» وهو إسرائيلي من أصل روسي يمتلك مجموعة باسمه تسيطر على الماس الروسي وكما أنشأ شركة تحمل اسم «الروزا»، وتعد إمبراطورية «ليفييف» اليوم من أكبر الشركات لقطع وصقل الماس في العالم، ولديه مصانع في أرمينيا وأوكرانيا والهند وإسرائيل. وينفق سنوياً 30 مليون دولار لإنشاء مدارس ومعاهد للطلبة اليهود خاصة من أوزبكستان وطاجيكيستان، كما أنشأ عام 2003 مدرسة لليهود في ألمانيا. ويعترف بأنه يجند ثروته الهائلة لجمع شمل اليهود وإعادتهم لأراضيهم وتراثهم.

الانتباهة