إبطال خطر القرار 2265 بالحقائق والمرونة
في كل تحليلاتنا الأخيرة عن القرارات والبيانات الأممية التي صدرت منذ فبراير 2016 حتى الآن، اعتمدنا الطريقة التحليلية العلمية الهندسية بافتراض أسوأ الاحتمالات وتسليط الضوء عليها، خاصة ما بين سطورها على أن نقوم بتحديد خطوات لإبطال مفعولها، وبذلك تكون الاحتمالات الأقل خطورة تلقائياً ميسورة التعامل معها، وهذا ما سنفعله في هذا المقال.. قلنا في مقالاتنا عن القرار 2265 والبيانات الصادرة بعده مباشرة من الاتحاد الوروبي والترويكا (أمريكا وانجلترا والنرويج)، ثم بيان الخارجية الأمريكية السالب عن استفتاء دارفور قلنا إن أسوأ احتمال هو استعمال مجلس الأمن للمادة (42) من الفصل السابع التي تتيح لأية دولة أو دول التدخل العسكري براً وبحراً أو جواً لفرض واقع جديد، يؤثر ويمس الأمن القومي للسودان..
نبدأ بأربع ملاحظات الأولى أن مؤسسات الدولة فيما يبدو لم تتخذ خطوات استباقية وتحركات دبلوماسية كافية ولازمة لتفادي صدور القرار 2265 أو تقليل حدته، تفادياً لما يشكله من تهديد مؤثر على أمن وسلامة السودان.
الملاحظة الثانية هي تعارض التقارير من الحقائق على أرض الواقع والمرسلة من منسوبي الأمم المتحدة مع تقارير الاجهزة الحكومية المعنية في دارفور، وهذا بالطبع لا يساعد على تخفيف حدة القرارات الأممية.. والملاحظة الثالثة هي أن تقارير وقرارات مجلس الأمن والسلم الأفريقي التي تُرفع لمجلس الأمن الدولي حول السودان سلبية، تجعل من الصعوبة بمكان تفادي انعكاساتها على قرارات مجلس الأمن الدولي، وتصبح مقاومة بعض فقرات القرارات كأنها معارضة لمواقف افريقية.
الملاحظة الرابعة أن الدول الكبرى التي يعتمد عليها السودان في إبطال وتعطيل القرارات السالبة عليه، لم تقم بذلك الدور باستعمال حق النقض والاعتراض- (الفيتو)- بل أنها في بعض القرارات صوتت بالموافقة وفي أخرى اكتفت بالامتناع عن التصويت- مثال لذلك القرار 1591 الصادر في مارس 2005 الذي يشير ويندد باستعمال الحكومة للضربات الجوية، إضافة الى عدم تجريد الجنجويد وحلها، كما سبق والتزمت الحكومة.. مما دعا مجلس الأمن في هذا القرار الى تكوين لجنة مراقبة وإشراف على تحركات قوات الحكومة والأسلحة والمعدات العسكرية، وأخذ إذن مسبق من اللجنة لهذه التحركات.. صدر القرار بموافقة 12 عضواً وامتناع ثلاث دول هي الجزائر والصين وروسيا- ثم القرار 1593 الصادر تحت الفصل السابع في 31 مارس 2005 -(أي بعد أربعة أيام فقط من القرار 1591)، وهو أخطر قرار إذ أحال قضية دارفور الى المحكمة الجنائية الدولية، أجيز القرار بأغلبية 11 دولة وامتناع أربع دول هي الجزائر، والبرازيل، والصين، وأمريكا (روسيا صوتت مع القرار).
صدر القرار 1769 تحت الفصل السابع في 31 يوليو 2007 بتكوين القوة المختلطة المعروفة باليوناميد (UNAMID) وقوامها حوالي 20 ألف جندي، وفي البند (24) من القرار تم تحديد كيفية إنهاء مهام اليوناميد، وليس فيها حق للسودان لتحديد نهاية عمل القوة، صدر القرار بالاجماع دون اعتراض أو امتناع من روسيا أو الصين- وأخيراً القرار 2265 الذي نحن بصدده في 10 فبراير 2016 وبالاجماع أيضاً دون اعتراض أو امتناع من روسيا أو الصين.
في القرار 2265 تأكيد استمرار الحالة في السودان كمهدد للسلم والأمن الدوليين، ويشير الى وجوب التنفيذ الكامل للقرار (1591) ويحمل حكومة السودان المسؤولية الرئيسية عن حماية جميع السكان على أرضه، مع احترام سيادة القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني- يطالب القرار الحكومة بضرورة وضع حد للعنف والتجاوزات المتواصلة في دارفور، مع تأكيده على عدم حل مشكلة دارفور عسكرياً، إذ سيفرز الحل العسكري تصاعداً في العنف، وانعدام الأمن، وزيادة أعداد النازحين ومعاناتهم في ظروف إنسانية قاسية، كما حدث في الأشهر الماضية، بما في ذلك القتال الدامي بين القبائل، وأن الحل العسكري تتلازم معه أعمال عنف ضد المدنيين خاصة النساء والأطفال، وأن بعض هذه الأعمال تعد جرائم حرب أو جرائم ضد الإنسانية بموجب القانون الدولي و(هذا هو كعب أخيل الذي يمكن أن يؤتى منه السودان).. ويضيف القرار مؤكداً قلق المجلس إزاء الخطر الذي يهدد السلام والأمن في دارفور، نتيجة للنقل غير المشروع للأسلحة الخفيفة والثقيلة وتكديسها وإساءة استعمالها، ثم يمضي في تحميل الحكومة السودانية الانتهاكات المستمرة للقرار (1591) بما في ذلك قوات الدعم السريع، والجماعات المسلحة المنتسبة لها، كل ذلك دون إذن من اللجنة المنشأة بموجب القرار (1591)، ويعرب مجلس الأمن عن قلقه إزاء العراقيل المستمرة التي تضعها الحكومة على عمل فريق الخبراء.
وأخيراً والأخطر ينوه المجلس للأهمية الحاسمة لتنفيذ نظام الجزاءات على نحو فعَّال، بما في ذلك الدور الرئيسي الذي يمكن للدول المجاورة والمنظمات الاقليمية ودون الاقليمية أن تضطلع به في هذا الصدد.. لذلك كله يجب التقاط رسائل واضحة من هذا القرار متمثلة في صدور القرار بالاجماع في زمن قياسي دون مداولات، مما يدل على أن الاتفاق على صيغة صدوره بين الدول الأعضاء في المجلس قد سبق طرحه على المجلس، ولم يتم فيه أي تعديل، مما يثير تساؤلاً مشروعاً حول دور بعثة السودان في الأمم المتحدة، وقبلها دور بعثة السودان في الاتحاد الأفريقي.
بدا جلياً أن مجلس الأمن يمارس ضغطاً شديداً على الحكومة في اتجاهات مهمة أولاً احباط جهود السودان المتصاعدة في اتجاه إنهاء مهمة اليوناميد، وذلك بالتأكيد على تدهور الأوضاع واستمرار استهداف المدنيين، وضعف وصول المساعدات الإنسانية.. ثانياً الضغط على الحكومة لوقف عملياتها العسكرية في دارفور عن طريق قوات التدخل السريع، وأثرها القوي في إضعاف حركات التمرد الدارفورية.. ثالثاً الضغط على الحكومة لمواصلة الحوار بجدية، للوصول لحلول مشاكل السودان بمشاركة كافة الأطراف، وفقاً لخارطة الطريق التي وضعها مجلس السلم والأمن الأفريقي بدءاً بالمؤتمر التمهيدي بأديس أبابا لوضع ضمانات للحركات المسلحة وأحزاب المعارضة للمشاركة في الحوار.
لقد نجح مجلس الأمن الدولي في إرسال رسالة قوية باسم الشرعية الدولية لحكومة السودان، تحت الفصل السابع مع تلويح واضح بإمكانية التحرك نحو تطبيق عقوبات على السودان تحت المادة (41)، ويجوز أن يكون من بينها (وقف الصلات الاقتصادية والمواصلات الحديدية والبحرية والجوية والاتصالات، وقفاً جزئياً أو كلياً وقطع العلاقات الدولية)، وبعدها المادة (42) التي تجوِّز التدخل العسكري المباشر لفرض واقع جديد في السودان.
مقترحات التفاعل الإيجابي مع القرارات والمخططات الدولية لإبطال مفعولها تتمثل في:
أولاً: تقوية الإعلام الرسمي والأهلي لإبراز الصورة الحقيقية عن الأوضاع الآن في دارفور، خاصة عواصم الولايات، والتركيز المقارن بين تطور البنيات التحتية الآن وقبل عشر سنوات.
ثانياً: تأكيد أن القوات الخاصة موجودة في كل العالم خاصة أمريكا التي توجد بها قوات الانتشار السريع (Rapid Deployment Forces-RDF) التابعة للجيش الأمريكي، وقوات الأسلحة المتقدمة والتكتيات الخاصة (Special Weapon and Tactics Troops (SWATT) المعروفة بـ(سوات) التابعة للشرطة.
ثالثاً: التركيز الاعلامي على أن أعداداً كبيرة من مواطني دارفور منخرطون في النشاط الاقتصادي الكبير والصغير في العاصمة، وأن منهم أعداداً مقدرة تتمتع بثراء يفوق مواطني أماكن أخرى في السودان، وهم منصهرون في مجتمع العاصمة المتعدد الأصول والسحنات، وأيضاً تسليط الضوء على أن عدداً مقدراً من مواطني دارفور مشاركون في الحكم المركزي في رئاسة الجمهورية ومجلس الوزراء، ومناصب عليا في الخدمة المدنية، في تناسب منطقي وعادل مع تعداد سكان ولايات دارفور.
رابعاً: مصالحة الغالبية العظمى من مواطني السودان وذلك بضبط الأسعار وتوفير السلع والخدمات الضرورية من صحة، وتعليم، وماء، وكهرباء، ومواصلات بأسعار في مقدورهم، وذلك عبر برامج علمية وعملية عاجلة وفورية، وأخرى آجلة- العاجلة تتم بالطلب والالحاح على الدول الصديقة بتقديم دعم عاجل- كما حدث لمصر من السعودية والإمارات لتقوية الجنيه السوداني وتوفير السلع الضرورية والخدمات الأساسية، والآجل وضع برامج وتشجيع الاستثمار في إعادة تأهيل مشروع الجزيرة، وصناعة النسيج والزيوت، والجلود، واللحوم البيضاء والحمراء واستغلال أراضي زراعية جديدة، واستخراج المعادن والبترول، وتأهيل الخطوط الجوية والبحرية، والسكة الحديد، وبرامج تستهدف الحكومات ورجال الأعمال في الصين ودول شرق آسيا ودول الخليج.
خامساً: التمهيد للحوار الوطني الشامل ببسط الحريات كاملة، ومنح الضمانات الكافية للمعارضة المسلحة والمدنية في الخارج، ثم الانخراط الجاد في الحوار الذي دعا له الاتحاد الأفريقي، وخلق علاقة متميزة معه لكسب المجتمع الدولي، والتعامل بكل مرونة وحكمة مع المعارضة، خاصة وأن اليد العليا الآن للحكومة في كافة الجبهات.
تقرير :عمر البكري أبو حراز
صحيفة آخر لحظة
يجب الاستعانة بالله عز وجل وطرد القوى الأممية من أبيي ومن دارفور بقوة السلاح بعد إنذارهم أسبوعا لمغادرة البلاد. بعدها تأذن الحكومة للشعب وللقوات النظامية باعتقالهم ومحاكمتهم.