أمير تاج السر : فتنة العناوين
وأنا أقرأ رواية «الموت عمل شاق»، للكاتب السوري خالد خليفة، التي تتحدث عن رحلة لدفن جثة في مسقط رأس صاحبها، مع التعرض بالطبع للوضع السوري المسيطر على كل ما عداه من الأوضاع، من حرب وتشرد ودمار ولجوء، بدأت أتأمل العنوان، وبدا لي مثلا شائعا، أو قولا مأثورا متداولا، ولم يكن في الحقيقة كذلك، لكن فتنة تركيب الجملة المكونة للعنوان، وما وراءها من ظلال وإيحاءات، ترتقي بالعنوان قطعا إلى مصاف الأقوال المأثورة المتداولة. وقس على ذلك، أسماء كثير من الروايات والمجموعات الشعرية والقصصية، التي تملك أيضا فتنتها الخاصة وترتقي بالذوق الفني في تسمية الكتب.
حين يولد لدينا طفل، نجتهد كثيرا في البحث عن اسم له، منا من يحب الأسماء القديمة التي كان يحملها أبطال أو أنبياء أو علماء، ومن يحب الأسماء المستحدثة، التي ابتكرت منذ فترة قليلة وانتشرت بسرعة، وأيضا من يعود لنبش أسماء ما كانت تستخدم إلا نادرا حتى في الزمان القديم، لإعادة تفعيلها، وجعلها موضة قابلة للتداول، وقطعا كل يعتز بما سمى، بقناعته الخاصة، لكن يبقى في النهاية تذوق الاسم للذين سيستخدمونه في مناداة المسمى به في ما بعد، ولا بد من اختلاف شديد في التذوق، فهناك من يعجبه الاسم، وهناك من لا يعجبه، وهناك من يستغرب، كيف تم إطلاق اسم كهذا أصلا؟
بالنسبة للأعمال الإبداعية، يحدث الشيء نفسه، ولأن العمل الإبداعي هو وليد شغف إنساني رفيع، ومعاناة ربما تستغرق زمنا طويلا، وتفوق معاناة، إنجاب طفل، مع احتمال كسب آخر، فإن المبدع يحاول دائما أن يجعل عنوان عمله، جذابا وقابلا للرواج، وسهل التداول، وسريعا في الإيقاع بقارئه المستقبلي، بحيث يشده بمجرد أن تقع عليه العين في رف لمكتبة ما، أو معرض للكتاب، من تلك المعارض الموسمية، في كل بلد تقريبا. هناك كتاب ينجحون، وكتاب لا ينجحون، ويصرون بحسب تذوقهم، بأنهم نجحوا بالفعل في صناعة نص متكامل من عنوانه حتى خاتمته. وبعض المبدعين يغوصون في تفاصيل صناعة النشر حتى، فيمدون دور النشر بلوحات أعجبتهم، ووجدوا أنها تصلح لتوضع على أغلفة كتبهم، وكثيرا جدا ما تخفق تلك اللوحات، في نقل الشحنة المطلوبة، للذي يتأمل الغلاف، ويقلبه قبل شراء الكتاب، بينما تنجح بعض تلك اللوحات أحيانا، وغالبا ما تكون فيها لوحة لفنان معروف، لا بأس من أن تكون موجودة في المكتبة، حتى لو لم تتم قراءة الكتاب، أو تصميم متفرد للغلاف، يجعل وجوده وسط الكتب، إضافة فنية مبهرة.
وفي طوافي على مواقع القراءة، كانوا يعلقون على كتاب له تصميم فريد فعلا، ومتميز، وانتبهت إلى أن كثيرا من المعلقين على ذلك الكتاب الإبداعي، ذكروا بأنهم اشتروه انبهارا بتصميمه، ثم بدأوا ينبهرون بالمادة التي داخله في ما بعد، أي أن العتبة الأولى للدخول إلى عالم الكاتب صاحب ذلك الكتاب، كانت تصميما لم يكن هو من وضعه، ولا حتى تم إشراكه في الرأي حوله حين وضع.
لقد ذكرت مرة، أن عناوين الكتب في غاية الأهمية، وذكرت أن المسألة ليست اسما غريبا قد يكون فظا ويأتي بنتائج عكسية حين يطرح الكتاب، إنما اسم رقيق، سهل، ينساب مع نظرة القارئ، حين تسقط عليه، ويبدأ في طرق الذهن، باثا إيحاءات كثيرة، سيحبها القارئ وسيتذوقها بخياله حتما، قبل أن يعرف أي شيء عن الكتاب، ذلك بالطبع حين يتناغم الاسم مع الغلاف، في ما أسميه، فخا متكاملا للجذب، ستأتي نتائجه سريعا.
اسم مثل: شغف، أو نهار دامس، أو غيبوبة تثرثر، مثلا، أسماء سهلة، وفي الوقت نفسه، موحية بشدة للذي سوف يراها للمرة الأولى عناوين لكتب مرصوصة، وحتى لو لم يكن الكاتب معروفا، سيشد عنوانه، بينما عناوين عادية جدا ومباشرة مثل: أخي الداعشي، أو فتح الله السباك، أو قصة حب، لا تبدو موحية بقدر ما هي مباشرة، وتشرح القصص قبل أن تتم قراءتها.
في إحدى المرات، سألتني قارئة، عن رأيي الشخصي في طول العناوين، وقصرها، بمعنى هل العنوان القصير المكون من كلمة واحدة، أو كلمتين على الأكثر، أفضل أم ذلك الطويل المكون من كلمات عدة، إضافة لعنوان فرعي آخر؟ وقد وجدت كلا الطريقتين، عند الكتاب العرب والأجانب؟
رأيي الشخصي، أن الأمر خاضع لعوامل كثيرة، منها طريقة الكاتب في طرحه لموضوعه، وإن كان بحاجة لاختصار العنوان، أم مطه، حتى يستوعب القارئ شيئا، أو يلم بفكرة سريعة، على الأقل، والأمر يحتمل الخطأ والصواب كما ذكرت، ولطالما قرأت عناوين طويلة، تمنيت لو اختصرت، وعناوين قصيرة، تمنيت لو تمت إضافة كلمة أخرى لها، وقرأت عناوين بدت لي كانت في مكانها الصحيح، مثل عنوان: «المئوي الذي قفز من النافذة واختفى»، للسويدي يوهان يانسون، عنوان طويل حقا، فقط كان لا بد من كتابته هكذا من أجل أن يعطي انطباعا أخاذا، فلن تكون الحياة التي عاشها رجل حتى بلغ المئة، سهلة، وسريعة، ليحتويها عنوان سريع، وقد قلت لعدد ممن حضروا ورشة للكتابة، وأشاروا لطول عنوان تلك الرواية، إنهم لن يجدوا عنوانا آخر لها، سوى هذا العنوان. وهناك رواية أجنبية اسمها: «لحظة»، نسيت اسم كاتبها، لكن عنوانها كان مهما فعلا، فما هي تلك اللحظة؟ وماذا حدث فيها؟ هذا ما سيحدث القارئ به نفسه وهو يشاهد اللحظة، منقوشة على الغلاف.
«الموت عمل شاق» لخالد خليفة، أعود لأقول بأنه عنوان فاتن حقا، وينساب مع القصة فعلا، ولعلنا نتذكر أن الموت السوري، أضحى بالفعل عملا شاقا، حين يحدث في الأرض بفعل مسببات الموت كلها، من رصاص وقنابل وألغام، وحصار، ويحدث في البحر بسبب الغرق، ويحدث في أوروبا بسبب متاهات اللجوء التي يضيع في داخلها اللاجئون عموما.
الموت عمل شاق، والحياة شاقة، وكتابة النصوص عمل متكامل، من الفكرة حتى آخر سطر في العمل، مرورا بالعنوان والغلاف، ثم تأتي مرحلة القراءة التي هي اختبار كبير، فيه علامات يضعها المجهول.
كاتب سوداني
اليوم التركيز على كثرة الشمار اكثر من التركيز على عقول القاريء
لا يبرح عقلي عبارة يتغنى بها البعثيون ” بعث الموت شيء مستطاع …موت البعث شيء مستحيل ”
عندما قرأتها أول مرة أحسست بكم من الغثاثة فيها ، وظلت تلك الغثاثة تكبر ، بكبر أحداث عالمنا العربي
فبعث العراق مات بموت قادته ….وبعث سوريا ارتكب جرائم تشبه جرائم التتار والمغول
فما الذي تبقى ليتغنوا به ؟
وبعث السودان لا أحسبه من اأحزاب ذات وزن يعتد به
فيا أيها البعثيون …ويا أيها البعث قد مت وشبعت موتا …وموتك لم يكن شيئا مستحيلا ، بل فات حد الاستطاعة
أما بعث الموت فهو بيد خالق هذا الكون
فوداعا أيها السلاح …أقصد أيها البعث…..