هذا ما يفعله فيسبوك لإقناعك بقضاء كامل وقتك في “علاقات” افتراضية
الأسبوع الماضي، ظهرت تقارير تشير إلى النتائج المبهرة التي حققها موقع فيسبوك خلال الربع الأول من العام الحالي، حيث تضاعف ربح الموقع الصافي إلى ثلاثة أضعافه ليصل إلى 1.5 بليون دولار، بالإضافة إلى 1.65 بليون مستخدم نشط شهرياً، إلا أن المثير والملفت ليس هذه الأرقام الضخمة، إنما في الواقع رقم أصغر بكثير.
فمستخدمو فيسبوك يقضون ما معدله 50 دقيقة يومياً على منصات فيسبوك وإنستغرام وماسنجر بحسب ما ذكرته الشركة (دون حساب وقت تطبيق واتساب للمراسلات من ضمنهم). قد لا يبدو الرقم كبيراً جداً. لكن إذا علمت إن الوقت الذي ينام فيه الشخص معدله 8.8 ساعة يومياً، فهذا يعني إن ما يقضيه المستخدمون من وقت على فيسبوك 1/16 من حياتهم اليومية، وفق ما ذكره تقرير نشرته صحيفة نيويورك تايمز الأميركية، الخميس 5 مايو/آيار 2016.
وتشير الإحصاءات إلى أن الوقت الذي يقضيه المستخدمون على فيسبوك والذي يقترب من ساعة يومياً، يعتبر أطول الأنشطة الترفيهية التي يقوم بها الناس بشكل يومي، باستثناء مشاهدة التلفاز والأفلام (يصل معدلها إلى 2.8 ساعة في اليوم)، حيث يتجاوز معدل وقت القراءة اليومي (19 دقيقة) والمشاركة في الأنشطة الرياضية (17 دقيقة)، والمناسبات الاجتماعية (4 دقائق)، كما يقترب ذلك الوقت أيضاً من الوقت الذي يقضيه الناس في تناول الطعام والشراب يومياً (1.07 ساعة).
كيف يجعلك فيسبوك تقضي وقتاً أكثر على الموقع؟
وقالت كين سينا، المدير الإداري والمحلل بشركة Evercore والمسؤول عن تحليل مستخدمي الإنترنت، “عندما تفكر في الأمر بشكل جدي، ستجد أن 50 دقيقة هي وقت كبير للغاية، إنه رقم ضخم”.
وأضاف “في المعتاد، عندما تقوم منصة ما بتوسيع قاعدة مستخدميها، ينخفض معدل الوقت الذي يقضونه على تلك المنصة، لأنه يصبح هناك الكثير من المستخدمين غير النشطين”.
الغريب في الأمر أن معدل الوقت الذي يقضيه المستخدمون على فيسبوك قد ارتفع من 40 دقيقة في 2014 ليصل إلى الرقم الحالي (50 دقيقة)، حتى مع تزايد عدد المستخدمين النشطين شهرياً، وهذا يعد معدل الاستخدام فقط، حيث يقضي بعض المستخدمين الكثير من الساعات يومياً في الموقع، من بينهم حتى من يصبح عرضة للمتلازمة الشهيرة “إدمان الإنترنت”.
يقول سينا “إنهم يقومون بعمل هائل للحفاظ على تواجد المستخدمين على الموقع”.
هكذا تقتنع بإعلانات فيسبوك
يعد الوقت كأفضل مقياس للتفاعل الذي يرتبط بالأساس بفاعلية الإعلانات، كما أن الوقت يزيد من قدر التأثيرات والانطباعات التي يقوم الموقع ببيعها، والتي تؤمن له المزيد من العائدات (بلغت الزيادة 52% في الربع الأخير لتصل إلى 5.4 بليون)، كما يمكن قضاء المستخدمين المزيد من الوقت على فيسبوك، أن يعرف المزيد عن مستخدميه، وعن عاداتهم واهتماماتهم، وهو ما يحسن من الإعلانات التي تستهدف مستخدمين بعينهم، لتكون النتيجة في النهاية هي شبكة قوية وفعالة والتي سيكون من الصعب للغاية منافستها.
فيديوهات يوتيوب تخسر أمام إغراءات فيسبوك
وبتصنيف المنصات على أساس معدل الوقت الذي يقضيه المستخدمون عليه، لدى فيسبوك عدد قليل فقط من المنافسين. بحسب البيانات الصادرة مؤخراً عن موقع comScore، يعد موقع يوتيوب هو أقرب منافسي فيسبوك في متوسط الوقت الذي يقضيه المستخدمون على الموقع يومياً، حيث يقضي المستخدمون متوسط 17 دقيقة يومياً فقط، وهو ما يعد أقل بـ35 دقيقة من الرقم الذي وصل إليه فيسبوك مؤخراً.
يقضي المستخدمون أيضاً معدل تسع دقائق يومياً على موقع ياهو، ودقيقتين على موقع لينكد إن، ودقيقة واحدة على موقع تويتر، بحسب ما ذكره comScore الذي يعتمد على بيانات المستخدمين في الولايات المتحدة فقط. وليس من المستغرب أن يجد تويتر صعوبات كبرى في منافسة فيسبوك في ظل هذه الأرقام.
تعد الشريحة التي تقضي الوقت الأكبر على فيسبوك هي الشريحة من 18 إلى 34 عاماً، وهي الأكثر استهدافاً من الإعلانات.
وقال أندرو ليبسمان، نائب رئيس قسم التسويق والإحصاء في comScore “بشكل عام، يعد أكثر المستخدمين استخداماً لفيسبوك هم الشباب والصغار وصولاً إلى جيل الألفية تحديداً”.
وأضاف “ربما تقرأ عن مغادرة الشباب لفيسبوك، إلا أن الأرقام تشير إلى عكس ذلك، حيث أن المستخدمين في هذه الشريحة العمرية لديهم شهية أكبر للشبكات الاجتماعية، ويقضون الكثير من الوقت على مختلف مواقع التواصل، إلا أن الأكثر استخداماً هو فيسبوك”.
ماذا يمكنك فعله لو لم تكن على فيسبوك؟
الشعبية الكاسحة لموقع فيسبوك والشبكات الاجتماعية بشكل عام تطرح الكثير من الأسئلة مثل: ما الذي لا يفعله المستخدمون خلال الخمسين دقيقة التي يقضونها على فيسبوك؟ وهل يمكن أن يتداخل فيسبوك ويؤثر على العمل والإنتاجية، أو في حالة الصغار، هل يؤثر على المذاكرة والقراءة؟
من الصعب التوصل إلى بيانات دقيقة حول الأمر لسبب مهم، وهو أن المستخدمين يرفضون الاعتراف في الإحصاءات أنهم يستخدمون فيسبوك في أوقات يفترض بهم أن يقوموا فيها بأشياء أخرى.
تشير إحصاءات مكتب العمل الأميركي، أن الوقت الذي يقضيه المستخدمون على الشبكات الاجتماعية يتجاوز تقريباً جميع الأنشطة الأخرى نظراً لأن ذلك التواجد قد يشمل أغراض متعددة كالعمل أو قضاء وقت الفراغ، كما يقوم الناس بالتواجد على تلك المواقع حتى وسط انشغالهم بأشياء أخرى.
وكان مكتب العمل قد بدأ في جمع إحصاءات عام 2006 تتعلق بمتوسط الوقت الذي يقضيه مستخدمو الكمبيوتر في أنشطة ترفيهية، والذي ازداد من 8 دقائق في 2006 ليصل إلى 14 دقيقة في 2014 بحسب آخر الدراسات الاستقصائية، وهو ما يعتبر أقل بكثير من الوقت الذي يحظى به فيسبوك. يقضي الناس أيضاً في عملية التواصل اجتماعيا في الواقع ما معدله 40 دقيقة يومياً، وهو ما يعتبر أقل من التواصل الإلكتروني أيضاً.
برغم ذلك، لم يتغير معدل وقت الأنشطة الترفيهية كثيراً عبر الثماني سنوات في إحصاء مكتب العمل، حيث انخفض وقت القراءة فقط من 22 دقيقة إلى 19 دقيقة، في حين ازدادت معدلات مشاهدة التلفاز من 2.57 ساعة إلى 2.8 ساعة، في حين انخفض معدل وقت العمل من 3.4 ساعة إلى 3.25 ساعة (الرقم منخفض لأن الإحصاء شمل الكثير من صغار السن والمتقاعدين، وكلاهما لا يعمل).
ربما تكون أرقام مكتب العمل واسعة بشكل أكبر من اللازم بما يصعب قراءة التحولات الهامة بين المجموعات العمرية المختلفة، إلا أن تقرير لـ ComScore أشار إلى أن مشاهدة التلفاز قد انخفضت بنسبة 2% العام الماضي، كما أشارت إلى أن المشاهدين الأصغر سناً قد شرعوا في التخلي عن مشاهدة برامج البث الحي التقليدية على التلفاز.
التلفزيون يتراجع أمام الشبكات الاجتماعية
في الشريحة العمرية بين 18 إلى 34 عاماً، يقضي الشباب 47% من وقت المشاهدة أمام التلفاز، و40% أخرى أمام هواتفهم. وفي الشريحة العمرية الأكبر من 55 عاماً، يقضي الناس 70% من وقت المشاهدة المتاح أمام التلفاز، بحسب comScore. يعني ذلك الأمر أنه بالنسبة للشباب والمراهقين، المزيد من الوقت على وسائل التواصل الاجتماعي سيأتي مستقبلاً على حساب التلفاز التقليدي.
وذكر ليبسمان أنه يشك في أن تكون الشبكات الاجتماعية سبباً في تراجع الإنتاجية أو انخفاض المستوى التعليمي، حيث يقول إن البيانات والأرقام تشير إلى أن الناس يقضون ما معدله من 6 إلى 7 دقائق فقط يومياً على الشبكات الاجتماعية على أجهزة العمل، ويقول “أنا لا أظن أن فيسبوك يؤثر على عملهم، أغلب الناس يقوم باستخدامه في وقت الراحة أو في المصعد، أو أثناء التنقل أو الانتظار، وهذا هو سبب نسب التفاعل المرتفعة على الموقع”.
هذه هي حيل فيسبوك لكسب المزيد من الوقت
حالياً، ينشغل فيسبوك بتطوير المزيد من الطرق لزيادة الوقت الذي يقضيه المستخدمون بين صفحات الموقع، مثل تطوير الصفحة الرئيسية وظهور الأخبار، حيث يسعى الموقع إلى أن يجد كل مستخدم ما يحتاجه وما يهتم به بشكل مباشر، بناءً على حساب الوقت الذي يقضيه المستخدمون في قراءة المنشورات المختلفة.
بالنسبة للأشخاص الذين يفضلون متابعة مقاطع الفيديو، ستظهر المزيد من تلك المقاطع في بداية تصفحهم. وكلما زاد الوقت الذي يقضيه المستخدم على فيسبوك، ازدادت المعلومات التي يقوم بمنحها للموقع عن أنفسهم، وهو ما سيزيد من الكفاءة التي يتمكن بها فيسبوك من الوصول لهدفه.
جيسي بيكر، المتحدثة باسم فيسبوك، قالت “الوقت الذي يقضيه المستخدمون على موقعنا هو مقياس جيد جداً لقياس إذا ما كنا نقدم قيمة مضافة لهم أم لا. كلما قدمنا للناس ما يحتاجون، ازداد معدل استخدامهم”.
بالتأكيد، هناك حد أقصى لمعدل الوقت الذي يمكن أن يقضيه المستخدمون على فيسبوك، لأن اليوم لا يحتوي سوى على عدد محدد من الساعات، إلا أن سينا يقول “أنا لا أشعر أن هناك حداً معيناً، الجميع يرغب في أن يقضي المستخدمون يومهم الكامل على منصتهم، كما كان البعض سابقاً يشاهدون التلفاز طوال الوقت، ويبدو أن فيسبوك في وضعية جيدة حالياً لأن أغلب مستخدميه هم مستخدمون نشطون”.
هافغنتون بوست