عبد الباقي الظافر

صنعت من حبيبي دكتاتوراً


قلبت صفحة التقويم التي تتوسط غرفة نومي..غداً الذكرى الأولى لزواجي..منذ بداية العام رسمت وردة على هذا التاريخ..كنت أخشى أن ينسى زوجي المناسبة فجعلت عليها هذه الوردة الحمراء..بلا سابق إنذار نزلت الدموع من عيني..افتقد إبراهيم كثيراً..أحاول دائماً أن أقدم شعوراً مضاداً..أقنعت الذين حولي بما فيهم أمي وأبي أنني أكره هذا القروي..بدأوا يشاطرونني ذات الرأي..اتفقنا جميعاً أن تقني المساحة ماكان له أن يتزوجني أنا المهندسة المعمارية وكريمة مصطفى أبوحنك رجل الأعمال الثري المتخصص في المقاولات.
لن أنسى ذلك اليوم..جئت من المكتب على إثر اتصال بأن الاستشاري سيتفقد بناية وزارة الأشغال التي تنفذها شركة أبي..كان معي عم محمد السواق وحسام المحاسب ومن المفترض أن ينتظرنا بشارع الجامعة المهندس المقيم مختار.. حين وصولنا رأيت شاباً بسيطاً يترجل من دراجة بخارية..تقدم نحو البناية ليلحق بالفريق الاستشاري..لاحظت الشاب يتقدم فريق المهندسين..حسبت في البداية أنه كبيرهم..المهندس مختار بعد أن عض على شفتيه أشار إلى صحاب الدراجة باعتباره الرقم الصعب ..أخبرني مختار أنه يستطيع التفاهم مع الجميع إلا هذا الرجل الذي لايحمل سوى دبلوماً وسيطاً في هندسة المساحة..لم يخيب التقني ظن مختار..ما ان وصلت إلى الدرج المؤدي للطابق الأول حتى طلب مني الانسحاب مؤكداً أن ملاحظاتهم ستصل إلينا في المكتب..في البداية شعرت بالحرج الذي تحول بعدها إلى غضب..أردت أن أذكره أنه يتكلم إلى نهلة مصطفى ولكني بصراحة خفت..عدت بسرعة إلى العربة.
منذ ذلك التاريخ بدأت أنصب فخي على الشاب القروي..كنت اتعمد الاتصال بزملائي وزميلاتي الذين يعملون في مشروعات حكومية..الجميع يشكون من تسلط فني المساحة..بعضهم حاول أن يرسم سيناريو أن الشاب النافذ قريب وزير الأشغال ..غيرهم أورد رواية أنه مدعوم من الحزب الحاكم ويمثل أمير التنظيم في الوزارة..تحرياتي أفادت أنه فقط شخص قوي الشخصية ويمتاز بالاستقامة..لهذا تحرص الوزارة أن تجعله عضواً في كل الفرق الاستشارية.
ابتسمت عندما اقتنع أبي بضرورة ضم المهندس الفني إبراهيم إلى المكتب الهندسي الذي أشرف عليه..رغم أن أبي عرض عليه أربعة أضعاف راتبه الحكومي وعربة صغيرة إلا أن إبراهيم تردد..كان منطقه أن تخصصه في المساحة بعيد عن عمل أبي في تشييد البنايات..أخيراً دخل إبراهيم القفص ..أصبح جزءاً من مملكتي الهندسية.
عندما تزوجت إبراهيم احتج عدد كبير من الناس..أمي كانت تركز على الفارق الطبقي وتذكرني بدراجته التي ظل محتفظاً بها..صديقاتي حاولن تذكيري ببداوته وجلافته وتوقعن تصادم الرؤى بيني وبينه..لا أحد كان ينظر لإبراهيم بعيوني.
هدية أبي يوم زواجي كانت شقة فاخرة في أعلى بيته بالمعمورة..أراد أبي أن أكون قريبة منه..أنا البنت الوحيدة..شقيقي هاجر منذ زمن طويل إلى كندا..بدأت مشكلتي منذ اليوم الأول في الشغالة..إبراهيم يفترض أن أقوم بخدمته..لا يرضى أن تعد له الشغالة وجبة الغداء..كان يعتبر الشغالة ضيفاً غير مرغوب فيه.
عدت من الشغل ذات يوم ..كان إبراهيم قد سبقني إلى البيت..قبل أن أصل كنت اهتف باسم الشغالة..لم ترد الشابة الأثيوبية..جاءني إبراهيم بصوته الهادئ ليخبرني أنه طردها..اشتعلت غضباً..قلت له أنت تتصرف وكأنك تملك كل شىء والحقيقة أنت ضيف في هذا البيت مثلك مثل هذه الشغالة..ندمت على عبارتي التي كانت مثل الطلقة من المستحيل أن تعود بعد أن خرجت إلى الهواء الطلق..عدت لاعتذر فوجدت زوجي غادر البيت على متن الدراجة البخارية.
حاولت تشويه الوردة الجميلة التي جعلتها تذكاراً ليوم زواجنا..كلما مررت قلم (الشيني) كانت الوردة تزداد بهاءاً..صرخت كالمجنونة إبراهيم حتى الصدى لم يتطوع بالرد.
اتخذت القرار..تركت سيارتي وامتطيت بص الوالي..نزلت بالقرب من منزل أسرة إبراهيم بالجريف..أمام بيت الطين كأنما كان حبيبي ينتظرني..أعد إبراهيم دراجته للانطلاق ووجدت نفسي لاشعورياً أركب من ورائه..شعرت بمتعة وأنا أقبض على خصره..أغمضت عيني وتركت له حرية القيادة..كنت بإرادتي أصنع من حبيبي دكتاتوراً.