عبد الباقي الظافر

هذا الرجل عملة نادرة..!!


يتكرر هذا المشهد أمام بوابة جامعة الخرطوم الرئيسة .. رجل كهل يبرز بطاقته بأدب وانضباط لرجل الحراسة .. الحارس يتجاهل البطاقة الممدودة ليصافح صاحبها مردداً بحميمية “أهلًا يابروف”..نعم هذا بروفسور عبد الملك محمد عبد الرحمن مدير جامعة الخرطوم الأسبق وأبرز أساتذة الفيزياء..وإذا رأيت ذات الرجل يمضي ليركب المواصلات العامة فاعلم أن سيارته المتهالكة قد أصابتها نائبة.. ولأن الرجل حساس وشفاف يختار هذا الخيار .
ولكن عبدالملك أيضاً أحد نوابغ السودان .. ذكاؤه جعل إحدى جامعات لندن تختطفه حتى قبل أن يكمل البكلاريوس..في المملكة المتحدة أكمل عبدالملك دراساته الجامعية والعليا وعاد إلى معبده العلمي بجامعة الخرطوم ليعمل سنوات طويلة .. غادر الرجل دوحته في إجازة توفيق أوضاع قضاها بجامعة الملك سعود بالمملكة العربية السعودية..تسنم الرجل عدداً من المواقع الإدارية بجامعة الخرطوم مثل عمادة كلية العلوم وعمادة المكتبات قبل أن يصبح نائباً لمدير الجامعة ثم مديراً للجامعة ..في عهده تم إرساء المؤسسية واهتم اهتماماً كبيراً بشؤون الطلاب.
في ذات ليلة نظمنا ندوة بقاعة الشارقة بجامعة الخرطوم حول الاعتداء على مصنع الشفاء ..في تلك الندوة كان من ضمن المتحدثين الأستاذ عبد الباسط سبدرات والدكتور لام أكول والراحل غازي سليمان.. وكعادته في التمرد الحميم خرج غازي سليمان عن النص وهاجم بضراوة حكومة الإنقاذ..لم يحتمل الهجوم الشيخ الراحل حاج نور وهجم على المنصة بعصاة كان يحملها يريد أن يرد بهذا الاحتجاج الصاخب على حديث غازي سليمان.. وكنت وقتها رئيس الجلسة.. حدث هرج ومرج وأمسك سبدرات ب ( المايك) مسدداً بعض الكلمات الجارحة في حق الرجل المنسحب.. فطلب البروفسور عبد الملك فرصة وكان وقتها نائباً لمدير الجامعة وتصدى لأهل السلطة مؤكداً أن غازي سليمان كان ضيفاً على جامعة الخرطوم وأن من حقه أن يدلي برأيه .. أغضب تعقيب عبد الملك الوزير سبدرات.
بعد مفاصلة رمضان كنت أعمل بعمادة الطلاب بجامعة الخرطوم.. في ذات ليلة باردة هجمت علي قوة وقادتني أسيراً .. بعد الإفراج عني كان البروفسور عبدالملك محمد عبد الرحمن مدير الجامعة أول ضيف يزورني بالمنزل..جاء في صحبة صديقه شمبول أشهر مسجل بجامعة الخرطوم ..زيارة رجل مغضوب عليه كانت مكلفة في ذلك الوقت ولكن الرجل الشجاع لا يحسب حساب لغضب السلطان وبطانته .
قبل أيام تعرض البروفسور عبدالملك لاعتداء من بعض الطلاب أثناء الاحتجاجات الطلابية..وأغلب الظن أن من فعلوا تلك الفعلة الشنيعة والمستهجنة ليسوا من عارفي فضل الرجل ومقامه العلمي.. بل إن الاستنكار جاء من طلاب كلية العلوم الذين سطروا رسالة اعتذار رقيقة بحق أستاذهم وأستاذ الأجيال .
في تقديري..أن الأستاذ عبد الملك يستحق تكريماً يليق بما قدمه لجامعة الخرطوم.. تكريم يؤكد أن أبناء وبنات بلدي أوفياء لكل من نذر عمره لخدمة العلم .. يا حبذا لو جاءت المبادرة من عموم الناس وتكونت لجنة قومية لتقول شكراً بروفسور عبدالملك.
لهذا الرجل عبارة مازلت أحفظها “ الجامعة الذكية تكرم نفسها حينما تختار من تكرمه”.. حينما نكرم مثل هذا الرجل فنحن نكرم في شخصه قيماً كثيرة أدناها نكران الذات.