رأي ومقالات

ورحل “سعد الدين” بعد خطوبة (ود الشواطين)

عماد الحلاوى
جمعتني مهنة المتاعب و(الدنيا) مع الصحفي والشاعر المبدع الرحل “سعد الدين إبراهيم” عندما استعان بي للعمل معه في تأسيس جريدة (دنيا) التي كان يرأس تحريرها.. وبقي الود بيننا متصلاً حتى رحيله.
يوم احتفال (المجهر) بعيدها الرابع علقت له على (سهرة الخميس) التي يعرضها عبر زاويته كل (خميس) ليطلع عليها القارىء صباحاً.. وقلت له إنها تحمل موضوعات عدة لو فككت لأصبحت صفحة كاملة الدسم، واتفقنا (سراً) أن نجعلها مبادرة مفاجأة لرمضان.
ووزعنا بيننا الأفكار… ودُهشت حقاً بقدرة الرجل الإبداعية وحبه للعمل عندما أرسل لي كل ما يليه.. وكانت (صفحتي) بنكهة الحلو مر لرمضان… وهذه نموذج لتلك الصفحات الرمضانية…
(إنا لله وإنا إليه راجعون)…. عماد الحلاوي

مدخل:-
تستمر صفحتي.. ولما كانت على كيفي اخترت اليوم من دفاتري حكايات وقصص وموضوعات أحببتها.. فأصبحت عزيزة عليّ.. عموماً أوصي بقراءتها على مهل.. وحبذا لو كان القارئ راقداً وخالفاً كرعيه منتظراً كباية شاي أو قهوة.. فتصبح صفحتي تكملة الكيف!!

(ود الشواطين) يعلن خطوبته
(1)
كان يوماً مشهوداً أول أمس حين أطل (ود الشواطين) بعد غيبة.. إذ كان في رحلة إلى (البلد) وسافر وعاد بالقطار.. سألته: أين كنت؟ قال سافرت إلى (البلد) وعدت.. وحكا لي بعض تفاصيل الرحلة قال: قررت السفر بالقطار لأن الشعراء جننوا (القطار) في الأغاني… فأراد أن يختبر رومانسية القطار.. قلت له: وهل وجدت هذه الرومانسية، قال لي مبتسماً: تصور أنا حبيت وانجرحت في القطار.. قلت له حبيت عرفناها انجرحت كيف؟ قال لي: يبدو أنني سأتزوج البت دي؟ قلت: إلتقيت بها في القطار وتريد أن تتزوجها.. فقال: نعم لكن الحكاية طويلة؟
وفكرت في أن الحكاية ستطول، وقبل أن أطلب إعداد الشاي سألته: ماذا تشرب؟ فقال: القهوة أصلكن جايبنها سوي لينا شاي؟ ضحكت وقلت جميل: قهوة وشاي.
(2)
قال “ود الشواطين”: يا سيدي الامانتي ليك: وانحنه راجعين من البلد كنا في قمرة القطار خمسة.. شاب وسيم ومتقندف.. لانو لابس بدلة في السخانة دي.. وحاجة كبيرة معاها الحاج زوجها وبت.. هي عاد جنس بت.. نضيفه تقول مستحمية هسع.. ندية تقول بتآكل ورد.. عيونا شباكين فاتحين على الجنة عديل.. ابتسامتها بحر يغرقك.. ضحكتا غنية عالمية.. لونا يقول للكاكاو: زح بعيد.. أقول ليك شنو؟ بت طلعت من حجوة قول فاطنة السمحة قول تاجوج المحلق.
قلت له: حيلك حيلك بقيت شاعر هسع دي ما قصيدة عديل؟ قال قصيدة؟!.. في زول بكتب قصيدة في قصيدة.. قلت له: أها وبعدين.
قال: يا سيدي الامانتي ليك أنا شايف الشاب المتقندف بعمل في حركات كده داير يقدم أوراق اعتمادو.. لكن تم إقصاؤه بي حركة واحدة.. قلت كيف؟ قال: لما الواطة (فللت) أنا كنت جمب غماز النور ولعتو!! بقوا نورين.. نورا ونور القمرة.. يا زول قول النور قطع.. بعد شوية سمعنا صوت (قبله) وسمعنا صوت كف من أبو كديس ترااح.. قام النور جا… صاحبك المتقندف جضومو حمرت من الكف الصاموتي هي عاد ما صفعة أريتها صفعة عدوك.. كده يا زول حبيبتي اتفرغت لي بدون منافس: قلت: طوالي بقت حبيبتك؟ قال ما بناء على ما سيكون!! قلت له: أها وكان.. قال لي: وهو يرشف آخر ما في فنجان القهوة: كان… كان يا صاحبي كان.
(3)
قال وهو يصب كوب الشاي: يازول أول ما وصلنا الخرطوم بي قلب قوي عزمتها في أقرب حديقة.. قلت وافقت: قال: آي وافقت بعد ما قلت ليها أحكي ليك قصة الكف الحقيقية… يعني زي ما تقول خليت كديسة حب الاستطلاع تناوشا.. قلت في فضول: أها وبعدين.
أها في الحديقة حكيت ليها الحكاية الحقيقية.. قلت ليها لما غاظني الولد ده قمت براحة طفيت النور.. وقبلت يدي.. وطاخ أديت الراجل كف.. شنو ليك.. البت دي قعدت تضحك لمن انشرقت.. وقالت لي: وأنا قلت: ده مجنون يقبل الحاجة الكبيرة دي!! ثم استدركت: أيوة عشان كده قالت لي: عفارم عليك انتي بت أبوك جد.. ثم واصلت الضحك.
قلت له: وما زعلت منك؟ قال: تزعل يا زول انبسطت شديد مش كده وبس حصلت حاجة خلتني أحبها جد جد.. عملت شنو؟ في الحديقة أشرت لي بت وولد قاعدين مع بعض في (خلطة) جد.. بيسمع ليها ساكت.. قالت لي: دي بت جيرانا.. أخوها (عباس) لو شافا مع (شوقي) ده بضبحا عديل.. لانو محذرو ومحذرا.. قلت لها: انتي بتعرفيها: قالت حق المعرفة… يا زول أنا عيني الشريرة أكلتني.. قلت ده مقلب عينه.. قلت ليها: يلا اتخارجي انتظريني برة.. واتحركت للبت والولد.. نادتني: تعال يا مجنون داير تعمل شنو؟ قلت ليها انتظريني برة وبسرعة وبدون ما يشوفوك بعدين بكلمك.
(4)
اتجه (ود الشواطين) إلى العاشقين وقال لهما: شنو يا أخوانا “عباس” مش قال الحكاية دي غلط انتبه العاشقان وقبل أن يتوفها بكلمة.. قال أنا “عباس” مكلفني بي مراقبتكن هسع أدق ليهو يجي يطين عيشتكم.. أخذا يترجيانه فقبل بعد أن قبض ثمن السكوت كل ما يحمل الشاب من نقود وكل ما تحمل الشابة من نقود بيد ان ود الشواطين (قلبو حن) وترك لها حق المواصلات.
واصل (ود الشواطين): حكيت لحبيبتي المقلب وضحكت من فشفاشا، وقالت: كر علي يا بنات أمي، قلت له: لا حول هذه شريرة مثلك؟ فقال شريرة شنو؟ دي بت صاح.. أقول ليك نفعت معاي.. سألته: لكن ألم تعترض.. قال: طبعاً اعترضت لكن بدون حماس شديد.
قلت له: والله دي حكاية.. وخطيت خطوات في الموضوع.. قال لي: أيوة.. خطبتها عديل مشيت البيت.. لكن مشكلتي أهلها وافقوا وقالوا أديهم فرصة يسألوا مني.. وأنا خايف يسألوا واحد حاسد يقوم يخرب عليّ.
قلت له: لكن يا (ود الشواطين) إنت مفروض تتزوج ملاك عشان تعمل معادلة، قال لي: تصدق وتأمن يا فردة انو اسمها “ملاك”.
__________
لو عندك دم
ساءني جداً أن يشكو بنك الدم من نضوب معينه.. ورجاءات تدعو إلى التبرع بالدم لأن هذا المنتج لا يصنع ولا يمكن أن يحصل عليه إلا عبر التطوع .. والغريب في الأمر أن كل الدراسات تشير إلى أن التبرع بالدم ظاهرة صحية.. وينبغي أن يتبرع الفرد كل ستة أشهر مرة بدمه.. حقيقة نظرة الإنسان السوداني إلى الدم تكونت من بيئة تعلي من الدم.. تجد ذلك في ثقافتنا فنقد مقذع أن تقول (فلان ماعندو دم) أو أن تصف إنساناً بأن دمه ثقيل وعكسه خفيف الدم.. وقد يعني الدم عموم البدن يلوح ذلك في هتاف (بالروح بالدم نفديك يا….).. وفي السبعينيات حين تجابهك فتاة بكلمة (دم) تعني هجاء شديد.. وقد تعني تمني الموت إذا كانت جملة تقول (دم يدمك عقرب تسمك) وفي الغناء هنالك دمع الدم.. ويا هم رووك دمي .. والريد امتزج بالدم.. وحبك في دماي.. لكل أولئك وغيره.. كان الدم من الأشياء المقدسة.. وعلى النطاق الشخصي أني في المرحله الثانوية تبرعت (لقريبتي) بالدم وكان ذلك في بدايات السبعينيات.. إلى أن ماتت قبل سنة كانت تذكر لي بإمتنان واقعة تبرعي بالدم وتحكيها مفاخرة بي للجميع.. وذات مرة كنا أنا و”عوض وراق” في مستشفى الدايات كانت زوجاتنا في حالة وضوع.. وكان بقربنا أحد الأعراب وطلبوا منه أن يتبرع لزوجته.. وحين قالوا له مرتك ح تموت لو ما اديتا دم.. فقال: ما تموت ماكتلة ربها.. ولما ناقشناه كانت فكرته إن التبرع بالدم هو تصفية دماء.. وأن ذلك سيؤثر على صحته وهو أقرب إلى الانتحار.. ولإفهامه لم نمانع من أن نتبرع بالدم وتبرعنا فعلاً ولم يحدث لنا شئ ولا ندري إن اقتنع أم لا.. هذا الفهم الخاطئ لكيمياء الدم والتبرع به يحتاج إلى عمل ثقافي متصل مثلما يفعلون الآن في مشروع “سليمة” وزاد الطين بلة إعلانات التبرع بالدم.. فتصف المتبرع بأنه (بطل) مما يشي بأنه أمر صعب وهو تضحية جسيمة.. في حين المطلوب أن تصل رسالة أن التبرع بالدم أمر عادي وصحي.. وتعداد فوائده التي أولها أنك تختبر دمك وتعرف خلوك من بعض الأمراض أو أصابتك بها.. وكاجتهاد مني أزعم بأن التبرع بالدم ينشط الدورة الدموية ويجعلها أكثر حيوية.. عموماً أرى أنها سُبة بل جريمة خاصة بالنسبة للشباب.. الطريف أنني حين فكرت في هذه الفكرة بصوت مسموع.. علقت زوجتي هو الشباب يلقوا الدم وين.. بي البوش وموية الفول.. لم تحبطني عبارتها فالشباب من الضفة التي لا تقتات بالبوش وموية الفول عليها أن تتقدم للتبرع بالدم.. وبعيداً عن المزاح.. إنها فعلاً عملية تستحق الاهتمام.. كيف يحتاج بنك الدم ألى متبرعين ولا يجد؟ إنه سؤال عجيب.. ينبغي أن نجد إجابته في مئات بل ألوف يتجهون إلى بنك الدم ويتبرعون.
.__________.
وعندنا حديقة في دارنا
وقائع هذه القصة جرت وتم تدوينها 1980 و2014 تبدأ في نزيف الأيام.. ونحن نفرح بزيادة في العمر هي نقصان منه.. في ذات التوقيت كتبت.. في أجواء الجامعة آنذاك.. هذا للمعلومية ولمن يهمه الأمر.. وحتى لمن لا يهمه الأمر.
(1)
وعندنا حديقة في دارنا.. ولدينا طفل يتمرجح في مرجيحة الحديقة.. سنضحك حتى الثمالة في تلك الحديقة.. نغني.. سأغني لك.. وسيكون صوتي جميلاً.. عندنا حديقة في دارنا ولنا شقشقة العصافير فيها.. لنا عدوٌ ونحن حفاة على عشبها المبتل بالندى.. زوجان في مقتبل العمر.. أنا ممشوق القامة فارع، وأنت حمامة بيضاء نافرة.. يا حمامتي، ابنِ عشك الواعد بين رموشي.. داخل مسامي، في أوردتي وشراييني.. ودعيني أحلم بأنه عندنا حديقة في دارنا!
(2)
لماذا تنادينها في هذه اللحظة بالذات يا (قمر حسن علي)؟.. ستقول لها: إننا سنقوم برحلة وسنطلب منها أن تطوف معك (المدرج) لتجمعا اشتراك الرحلة.. آه منك يا ثعلب.. تستمتع بمصاحبتها.. ستطرب من عضم شيطانك حتى نخاعك الشوكي.. ستقدل أمام الزملاء.. في زهو وخيلاء فأنت تسير (الحجل بالرجل) مع (ثريا الصديق)، ولتعلم يا (قمر حسن علي) أنها قالت لي عندما ناديتها ستكون لدينا حديقة في دارنا.. أيقظتنا من الحلم الجميل يا هادم الأحلام ومفرق العشاق.. أتدري ماذا قالت عندما ناديتها: (ده شنو الثقيل ده؟).. حلمت مع (ثريا الصديق) ووصلنا من الحلم حتى أنه.. صار عندنا حديقة في دارنا!
(3)
(ثريا الصديق).. رائعة.. أكتب لها الأغاني.. أقرأها عليها فتطرب.. أكتب كثيراً عن عينيها، حاولت مرة أن أرسمها.. أضحك عندما أتذكر هذا:
(اليوما ديك كنت زهجان جداً.. مشيت البيت بدري.. (جعفر) أداني حبر شيني وورق عشان أعمل الجريدة الحائطية بتاعتنا.. كانت الورقة ناصعة.. وكان البياض يشكل في حد ذاتو لوحة.. وفرحت بدون سبب.. وتفاءلت بالشعور ده.. قعدت في البيت في (التربيزة) الكبيرة.. التربيزة الكبيرة دي عزيزة علينا جداً، أمي قالت لما عرست أبوي لقت عندو التربيزة دي.. والحكمة كانت في حالتا دي.. أصلو ما تغيرت.. أبوي قال: شالها من أمو لما عرس.. وهو من ما قام لقاها في حالتا دي.
قعدت على التربيزة وبديت أخطط عشان أعمل الجريدة الحائطية بتاعتنا.. قبل ما ابتدي جات ذكرة الجامعة طوالي اتذكرت (ثريا) قمت قلت: ما أرسمها؟ وفعلاً بديت أرسم (كملت الحبر كلو) القزازتين ومليت الورقة.. المهم رسمت ورسمت تعرفوا اللوحة طلعت شنو؟ أبداً بس ورقة بيضاء بقت سوداء.. سوداء جداً (جعفر) لغاية هسه زعلان مني والجريدة لي هسه ما طلعت!
(4)
حقيقة إن “ثريا” قالت لي: ستكون عندنا حديقة في دارنا، ولكن كانت تحكي لي بصفتي صديقاً وزميلاً.. لم تضعني في الصورة على الإطلاق.. كنا نتحدث عن الحياة وعن مرحلة الشباب وعن المستقبل، وأخذت تحكي عن أحلامها.. ومنذ أن بدأت الحكي أحلم معها.. حتى أنني بدأت أسمع باعتباري المقصود الذي تشير إليه بزوج المستقبل.. كنت أندس في حلمها الذي تحكيه ذات التعاطف الذي يحدث لك عندما تتخيل نفسك بطل الرواية التي تقرأها أو الفيلم الذي تشاهده.. كان في حلمها طفلاً ولكن المرجيحة من تأليفي.. عموماً عندما كانت تحكي كانت تقول: سنفعل أنا وزوجي (كذا) وأنا بقدرة قادر أسمع بدلاً عن زوجي (مجدي).. اسمي.
(5)
كنت مع (ثريا) وكنت أحلم بأن أكون معها.. وكانت تحلم بأن تكون معه استرسلت في حلمي حتى تخيلت أنها قالت لـ(قمر حسن علي) ما ذكرته، هي لم تقل له (ثقيل) مطلقاً.. بل تهللت أساريرها.. أكرهه بسبب إشاعة رائجة في الجامعة بأنه يحبها وأنها تحبه، ونكاية بي تقول الإشاعة أنها: (بتموت فيه) ـ وقد يكون هو المقصود بكلمة (زوجي) في حلمها الذي كانت تحكيه.. قمت من مقعدي وأنا سعيد بحلمي المزعوم مع “ثريا”.

المجهر

‫2 تعليقات