تحقيقات وتقارير

السودان يحلق ويبحر عبر العالم بأجنحة مقصوصة ومستأجرة


في أول ظهور لوزير في منبر وزارة الإعلام (الحديث الأسبوعي)، شكل وزير النقل والطرق والجسور المهندس “مكاوي محمد عوض” حضوراً كبيراً وهو يأتي بجميع أركان وزارته للحديث لوسائل الإعلام المختلفة عن الواقع المعاش في ردهات الوزارة التي تحتضن إدارات: (السكة الحديد ـــ النقل الجوي “سودانير”- النقل البحري “سودان لاين” الطرق والجسور ـــ النقل النهري والنقل البري)، حيث أدار الوزير نقاشاً طاف من خلاله على المشاكل والمعوقات والخطط المستقبلية للنهوض بقطاع النقل، بجانب تطرقه للدور الذي تلعبه تلك الإدارات في دعم خزينة الدولة بالأموال، فضلاً عن الاتجاهات الجديدة التي تعمل من خلالها الوزارة على ربط السودان قارياً بدول الجوار من أجل الاستفادة من تجارة الترانزيت. هذا بجانب الكثير من المواضيع التي حفل بها المنبر الذي جاء ساخناً في أولى تجاربه.
{ “مكاوي” مولع بالسكة الحديد
بدأ وزير النقل المهندس “مكاوي محمد عوض” حديثه بقطاع السكة الحديد، حيث كان مولعاً بهذا القطاع للدرجة التي جعلته يبتدر به الحديث وذلك لمبررات عدّها منطقية لأية دولة ترمي إلى النهوض والتطور. وسرد “مكاوي” تاريخ السكة الحديد منذ بداياتها، مروراً بجميع الحقب التاريخية، وصولاً إلى ما آلت إليه الآن من تدهور مريع، رفض الوزير الخوض في أسبابه، حيث قفز مباشرة إلى فترة تقلده زمام الأمر في السكة الحديد عام 2010م، ذلك التاريخ الذي عدّه بداية الطريق في معالجة مشكلات هذا القطاع، من خلال البدء في استبدال “الفلنكات” الخرسانية، وتحدث الوزير عن الإمكانيات الموجودة الآن في السكة الحديد، ونوه إلى أن القطارات التي تعمل الآن لا تتجاوز سرعتها الـ(120) كيلومتراً في الساعة، وهي لا تواكب الطفرة الكبيرة التي حدثت في هذا القطاع في كثير من دول العالم، وأشار إلى جملة من التحديات التي تواجههم للنهوض بالسكة الحديد، وأهمها الظروف الاقتصادية. وتطرق “مكاوي” إلى عمليات الإزالة التي طالت بعض الجسور بولاية الخرطوم، مثل إزالة جسر المسلمية التي عدّها واحدة من الإشكالات التي تواجه عمليات التطوير، خاصة إذا ما رأت الوزارة استجلاب قطارات ذات سرعات عالية، تحتاج إلى طرق مفتوحة دون أي عوائق، وأشار إلى وجود حوار بينهم وسلطات الولاية في هذا الأمر وذلك من أجل إيجاد بدائل تتوافق مع خطط الولاية، وفي ذات الوقت تحقق لوزارته أهدافها المستقبلية.
{ معالجات مستقبلية
بعد أن تحدث الوزير “مكاوي محمد عوض” عن المشاكل والمعوقات التي تعترض قطاع السكة الحديد، عرج مباشرة على الخطط المستقبلية، كاشفاً عن خطة جديدة لتطوير السكة الحديد، تنتهي في العام 2029م وقال إن هذه الخطة تكلف (10) مليارات من الدولارات، وتستهدف نقل (7,5) مليون راكب في السنة ونقل (30) مليون طن من البضائع في السنة، بواقع (2,5) مليون طن خلال الشهر الواحد، وأشار إلى توقيع عقود لتمديد خطوط لإدخال القطار السريع إلى مدني وبورتسودان، وعدد من المدن الأخرى، وأكد توفر الإرادة السياسية للنهوض بقطاع السكة الحديد، بجانب التزام الدولة بتمويل الخطط الموضوعة كافة. وبشر “مكاوي” بنهضة في السكك الحديدية تضاهي النهضة التي تحققت في مجالات إمداد الكهرباء، التي وصلت إلى كل أصقاع السودان، وختم حديثه عن السكة الحديد بالقول: (لا بديل للسكة الحديد إلا السكة الحديد).
{ الطرق والجسور
دلف الوزير بعد الانتهاء من الحديث حول السكة الحديد إلى قطاع الطرق والجسور، وأشار في مطلع حديثه إلى وجود (8) آلاف كيلومتر مسفلتة من الطرق بالبلاد، هذا بجانب الطرق غير المسفلتة التي لم يحصها، وقال إن جميع أجزاء البلاد صارت مربوطة بشبكة طرق من جميع الاتجاهات، وتطرق إلى عدد من الطرق الداخلية التي يجري العمل فيها الآن، من بينها طريق (أم درمان- بارا –الأبيض)، بطول (322) كيلومتر. وأشار إلى أنه بنهاية شهر يونيو القادم سيصل الطريق إلى منطقة حمرة الشيخ، وقال إن طريق (أم درمان- بارا- الأبيض) يختصر أكثر من (360) كيلومتراً، وهو بهذا الوصف يقرب المسافة مع ولايات دارفور المربوطة أصلاً بطرق مع دولة تشاد، التي تربط السودان بدول غرب ووسط أفريقيا، وتطرق الوزير بالحديث إلى طريق (النهود- الضعين– نيالا) الذي قال إنه يختصر حوالي (400) كيلومتر لولايات دارفور الذي من المتوقع أن يربط السودان بدولة أفريقيا الوسطى، عبر طريق (نيالا- رهيد البردي- أم دافوق)، وقال إن هناك (23) طريقاً يجري العمل على تشييدها عبر (23) شركة خاصة. ونوه الوزير إلى أن تلك الطرق حال اكتمالها ستجعل من السودان دولة مهمة في القارة الأفريقية وفي العالم، من خلال حركة تجارة الترانزيت التي ستوفر على البلاد أموالاً كبيرة تساعد في نهضتها، وقال إنه حصل على موافقة من رئاسة الجمهورية لإعفاء الأسفلت من الجمارك، مشيراً إلى أن خطتهم في المستقبل تتضمن استجلاب أسفلت بكميات كبيرة وتوزيعه للشركات العاملة في مجال الطرق، عبر محطات توزيع، مثل محطات الوقود.
{ الموانئ البحرية
أفصح الوزير “مكاوي محمد عوض” عن خطط كبيرة للنهوض بقطاع الموانئ من خلال استجلابهم لبيوتات خبرة لتقييم الوضع الراهن من أجل بداية قوية تحقق الطفرة المنشودة، وقال إن وزارته أعدت إستراتيجية مرتبطة بقانون خاص للموانئ، تم تقديمه لمجلس الوزراء، وذلك للخروج من قانون الهيئات والمؤسسات لعام 2003م الذي عدّه معيقاً لتطور الموانئ، وأشار إلى أن منطقة البحر الأحمر تعدّ نهاية طريق الحرير، الذي تعمل فيه دولة الصين، هذا بجانب أنها بداية لطريق الحجاج الذي كان في السابق يربط السودان بغرب أفريقيا، وأكد أنه حال تحققت تلك الخطط سترتفع تجارة الترانزيت في منطقة البحر الأحمر من (30) إلى (40%)، مما يجعلها محط أنظار العالم.
{ بيع سودان لاين
من بين المواضيع المهمة التي وجدت حيزاً من حديث الوزير هي بيع أسطول “سودان لاين”، حيث أقر الوزير بعملية البيع بنية الدخول في شراكة إقليمية، لإنشاء شركة جديدة بديلة للناقل البحري، وتجديد أسطول “سودان لاين”، بتسع سفن جديدة، حتى يكون السودان دولة مفيدة لنفسها ولغيرها، ونوه إلى أن الشركة الجديدة تستهدف مشاركة الدول وليس الأفراد، على أن يكون للدولة نصيب من المساهمة فيها، مع عدم ممانعة الدولة في استيعاب العمالة القديمة لـ”سودان لاين” ضمن عمالة الشركة الجديدة، وقال الوزير: (كان لدينا نقل بحري ممتاز لكنه مات في يدنا)، وليس لدينا إلا باخرة واحدة. وأشار “مكاوي” إلى أن خطة وإستراتيجية الدولة هي تغيير منهج النقل البحري، عبر تجديد الأسطول. وقد تم في هذا الصدد التعاقد مع شركات صينية لبناء (9) سفن جديدة، اثنتان منها للركاب واثنتان للغاز واثنتان للبضائع، وثلاث أخرى متعددة الأغراض، مشيراً إلى الاتجاه لبناء شركة جديدة لـ”سودان لاين”، بمفهوم مختلف عما كانت عليه، وقطع بأن خطة الدولة هي أن يكون (83%) من النشاط الاقتصادي من القطاع الخاص.
{ النقل النهري بلا مواصفات
كان للنقل النهري نصيب من حديث الوزير الذي عبر عن عدم رضاه عن قطاع النقل النهري، الذي قال إن جميع المواعين العاملة فيه تفتقر لأدنى درجات المواصفات، وسرد الوزير واقعة حدثت له شخصياً جعلته يوجه إدارة النقل النهري، بضرورة إجراء إصلاحات واسعة في ذلك القطاع، وأشار الوزير إلى أن عملاً كبيراً يجري لفتح المجرى النهري (الخرطوم- بربر) و(الخرطوم– كوستي)، وشدد على أهمية إتباع المواصفات الجيدة التي تؤمن سلامة الركاب، وكشف عن أن خزان مروي لم يراع عند تشييده فتح مسار إلى النقل النهري للعبور تحت الجسر المشيد، مما يعيق حركة النقل النهري عبره، ونوه إلى ضرورة تفادي مثل هذا الأمر عند إنشاء سدود جديدة.
{ “سودانير” لا تمتلك أجنحة
من القضايا المهمة التي وجدت حظها من النقاش المستمر على وسائل الإعلام، هي شركة “سودانير” الناقل الجوي للدولة، التي اعترف الوزير أنها لا تمتلك ولو طائرة واحدة خاصة بها، وجميع الطائرات التي تعمل الآن مستأجرة، وقال الوزير إنه كانت لديهم طائرة واحدة لاحقتها الولايات المتحدة الأمريكية ومنعت الدولة التي تقوم بصيانتها من عمليات الصيانة. وأقر الوزير بوجود إشكالات حقيقية تواجه “سودانير”، من بينها عدم انضباطها في المواعيد ومعاملة الركاب بصورة سيئة وغيرها من الإشكالات الإدارية، التي قال إنهم يعملون على معالجتها. وكشف “مكاوي” عن أن “سودانير” حققت خلال العام 2015م (59) مليون دولار من الدخل، على الرغم من ظروف المقاطعة التي تمر بها. وفي ظل الإشكالات الكثيرة التي تعايشها، أكد وصول عدد من الطائرات الجديدة لنفخ الروح في “سودانير”، وقال إن إحدى الشركات الأمريكية تعمل على تزويد السودان بالطائرات عبر الصين، التي تتحاور معها الآن، متوقعاً نهاية المفاوضات خلال أسبوع من الآن. واعترف الوزير بأن أزمة “سودانير” هي طريقة إدارتها في السابق، منوهاً إلى أن جميع إدارات الشركة الآن من رحم “سودانير” نفسها، وأشار إلى أن مطار الخرطوم يستقبل يومياً (23) رحلة، وأقر بأهمية شركات القطاع الخاص العاملة في النقل الجوي، وعدّها مكملة للدولة في هذا المجال. وأشار الوزير إلى أن تكلفة إعادة صيانة الطائرات المتوقفة ليست كبيرة، وأنهم يعملون الآن على إعادتها للعمل مجدداً.

المجهر السياسي