عبد الباقي الظافر

بيوت سيئة السمعة .!


في فبراير ٢٠٠٥ وقعت الواقعة ..مباني معامل جامعة الرباط استوت على الأرض..قتل مواطن وأصيب آخرون .. تقرير اللحنة الفنية أكد أن المهندس المصمم ارتكب أخطاء فادحة..تحمل المسؤولية الأدبية وقتها وزير الداخلية اللواء عبد الرحيم محمد حسين ودفع باستقالته لرئيس الجمهورية..في ذلك التاريخ اكتشف السودانيون أن دورهم ليست آمنة وأن الأقدار التي كانت رحيمة بهم ربما تقلب لهم ظهر المجن ونبتلى بالزلازل والأعاصير.
القصة تبدأ من مكان آخر ..حينما دخل الصحفي إلى ذاك المتجر المشهور لفت نظره لوحة كبيرة وجميلة تحمل الآية الكريمة ( وَيْل للمطففين )..التاجر ذو اللحية البيضاء بدأ يشرح لزميلنا معاوية عبد الرازق أنهم يبيعون طن الحديد بالعدد..وحتى لا يتحملون أي مسؤولية فإنهم يخطرون البائع أولاً.. لكن ما أخفاه التاجر أو بالأحرى ما لم يوضحه أن الطن لا يساوي طناً مما يحسبه بعض المطففين بأسواق الخرطوم.. الفكرة تقوم على شراء سيخ غير مطابق للمواصفات بالوزن من المصانع.. وبما أن العقل الجمعي يعتقد أن الطن به عدد معروف من السيخ .. هنا تحدث الخدعة الكبرى.. بمعنى إذا أعدت الوزن ستجد أنك اشتريت طناً إلا قليلاً.
بالأمس كشفت نيابة المستهلك أن ٩٠٪‏ من مصانع الحديد لا تلتزم بالمواصفة.. معهد أبحاث البناء بجامعة الخرطوم أكد أن معظم العينات الواردة بها مخالفات في سمك الحديد وأن المخالفة تصل أحياناً إلى ٢٥٪‏ من الحجم المتعارف عليه علمياً.. بعض منتجي الحديد حاولوا تحميل موزعي الحديد المسؤولية بمنطق أن ( السوق عاوز كدا).. هنالك تعقيدات في المواصفة التي يجب اعتمادها هذا ما أشار إليه أحد الخبراء المتخصصين أثناء مخاطبته لورشة حديد التسليح التي عقدت مؤخراً بهيئة المواصفات
عبر آلية حديد التسليح غير المطابق للمواصفات تحدث عدداً من الكوارث.. اختلال في السعر يمنح المصانع التي لا تتقيد بالمواصفة ميزة إيجابية ..ليس هنالك وسيلة سهلة للتعرف على العينة الجيدة من الحديد.. حتى المصانع المخالفة للمواصفة تجد حماية من الدولة حينما لا يفصح عن قائمة المصانع سيئة السمعة.. بل إن هنالك أنواعاً من الحديد بالأسواق مجهولة المصدر
وتكمن المخاطر في أن السودانيين اتجهوا لبناء منازل عابرة للأجيال .. البنايات المتعددة الطوابق إن حدث سيناريو الانهيار سيكون عدد الضحايا كبيراً،.وهذا يعني أن الثمن الباهظ ربما يدفعه ابنك أو حفيدك.. رغم ذلك لا توجد توعية كافية بمخاطر أن تسكن في منازل أوهن من بيوت العنكبوت.. مسؤولية الحكومة ومنظمات المجتمع المدني توعية الناس وتسهيل الوصول إلى البضاعة الجيدة وإن ارتفع ثمنها..لأن المقابل هو الموت تحت الأنقاض.. الأهم من ذلك تفعيل القانون الذي يعاقب من يبيع الموت للمواطنين
بصراحة.. بالإمكان أن نتسامح في لبن مغشوش بالماء..أو خبز يقل في الميزان.. ولكن الحديد والأسمنت والدواء هنا يجب أن يكون الخط الأحمر واضحاً..للأسف الآن لا تستطيع أن تتأكد أن بيتك الذي يأويك ليس من بين تلك البيوت سيئة السمعة.