عبد الباقي الظافر

البحر أمامكم…!!


كوكو شاب طموح كان يبحث دائماً عن أمل كامن في المجهول..هبط من أعالي الجبال ميمماً وجهه صوب الخرطوم .. المدينة المزدحمة لم تسع خيال الشاب الباحث عن دنيا أفضل وغد مشرق.. ركب البحر في طريقه إلى فرنسا..كتبت له النجاة فيما لقي آخرون حتفهم..هنالك كان يرنو إلى السودان الجديد وقلبه مازال متعلقاً بالوطن القديم..رتب حقائب السفر وودع أصدقاء الغربة..سيحقق كوكو أمنيته الأخيرة بالزواج من حبيبته التي تنتظره..قبل أن يصل محطة الفرح كان الشاب كوكو واحداً من ثلاثة سودانيين ابتلعهم البحر في حادثة سقوط الطائرة المصرية.
بالأمس حملت الزميلة الصيحة خبر غرق عشرات السودانيين في البحر الأبيض المتوسط ..أولادنا كانوا من ضمن سبعمائة مهاجر يطرقون أبواب أوربا سراً..بعض من هؤلاء تطفو جثثهم على سطح المياه المالحة..فيما آخرون سيتسقرون في بُطُون الحيتان..حتى سعداء الحظ الذين تلتقطهم قوارب النجاة ويصلون بسلام إلى الشاطئ الإيطالي سيجدون أنهم اجتازوا الامتحان الأول..أغلب الفارين يحبذون بريطانيا حيث الحياة أيسر وتوفيق الأوضاع أسرع..لكن الوصول إلى محطة فكتوريا بوسط لندن ربما يكون ثمنه فادحاً..قبل أشهر كانت جثة الشاب المهندس حسام الزبير خير شاهد على صعوبة المشوار..ذاك الشاب السوداني تمكن من الهرب من الشرطة الفرنسية وانغمس في قطاع بضائع ولكنه وصل جثة مجهولة الهوية.
ولكن لماذا ضاقت البلاد بأهلها..الهجرة إلى أي مكان بما في ذلك إسرائيل بات الأمل الوحيد لكل شاب سوداني..كل خريج جامعي يجد أمامه صفاً طويلاً من الباحثين عن عمل أي عمل..شابات في عمر الزهور في انتظار ابن الحلال الذي ربما لا يطرق الباب أبداً..في مثل هذه الأوضاع يسود الإحباط..تتساوى الحياة والموت..الهروب يتخذ أشكالاً مختلفة..بعض الشباب يختار التطرّف ..اخرون يتجهون الى المخدرات في سبيل الهروب إلى عالم افتراضي..البعض الآخر يهيم في الطرقات ويجلس في النواصي في انتظار لحظة حظ.
ولكن هنالك قلة أكثر حظاً..هؤلاء يصعدون ب(الأسانسير) إلى المناصب لأن القفز بالزانة فيه بعض الخطورة..هنالك حيث لا عين رأت ولا أذن سمعت..ما تبقي من شركات ناجحة في دنيا (البزنس) تجند أبناء الكبار..الصغار يكونون همزة وصل يتم استثمارهم في الأيام الصعبة..السوق لم يعد يخضع للتنافس العادي كما في السابق..شركات الحكومة التي تختفي في ثياب مختلفة وتحظى بحماية أفرغت السوق من القوى التقليدية.
في تقديري..أن في مثل هذا المناخ المحبط يمكن توقع الانفجار العظيم..إن حدث ذلك ستعم الفوضى ويصعب رقع الوطن..لهذا مطلوب تحرك عاجل يعيد العافية لقلب الوطن..مثل هذا المشروع يحتاج للتراضي السياسي ومن قبل ذلك التوافق على خارطة طريق لاتستثني أحداً.. إن لم يحدث ذلك فالطامة الكبرى قادمة لا محالة.
بصراحة..كل شاب يختار البحر ويجعله أمامه لا شعورياً افترض أن الوطن هو ذلك المكان الذي يتغنى له حسن خليفة العطبراوي .. وحينما يصبح الوطن طارداً فعلى حكامنا وكافة الناشطين في المشهد أن يتحسسوا أفعالهم..هذا الوطن كان جميلاً للغاية.