عدادات في (السماء)..وأغنيات في (الواطة).!
هاتفني أمس الأول أحد القراء وهو يحكي لي بانزعاج عن قصته مع أحد الفنانين الشباب، وذلك عندما اتصل بمدير أعماله بغرض التعاقد معه على إحياء حفل زواج شقيقته، حيث تفاجأ بمدير أعمال ذلك الفنان الشاب يطلب مبلغاً فلكياً، الأمر الذي دفعه وبدوره ليطلب منه تخفيض المبلغ، ليتفاجأ بمدير أعمال ذلك الفنان يرد عليه وبطريقة استعلائية: (يازول والله إنت مفروض تقول الحمد لله إنو لقيت الأستاذ فاضي)، ليغلق محدثي الهاتف في وجه مدير أعمال ذلك الفنان الشاب، قبل أن يختتم محادثته معي بعبارة: (يا أستاذ…الواحد لو بدفع لي فنان زي دا عشرين مليون…حيدي محمد الأمين كم).؟؟؟
وسؤال محدثي أعلاه مشروع، في ظل انقلاب الصورة، وتحول الكثير من الفنانين الشباب اليوم إلى (مجموعة تجار) يفاصلون في بيع الأحاسيس، ويسعون وبشكل كبير_خلال السنوات الأخيرة_ لمحو ملامح شخصية الفنان السوداني القديمة والتي كانت تقوم على التواضع وترتكز على الوعي والفهم لرسالية الفن بعيداً عن (قوانين العدادات) والتي باتت تحكم الساحة الفنية اليوم.
سؤال…أين هو (الفن) الذي يقدمه الفنانون الشباب حالياً والذي يستحق مثل هذه المبالغ الفلكية التي يضعونها مقابل إطلالتهم علي مسارح الحفلات الخاصة.؟..وهل تستحق اغنيات بعضهم (التيلماتشية) مجرد السماح لها بالتجوال داخل الصالة وملامسة (ذوق) المعازيم..؟..وهو سؤال بالطبع لن يجيب عليه الفنانون الشباب، ليس لأنهم لايمتلكون إجابة، ولكن لأنهم مشغولون بـ(تحصيل العدادات).
بصراحة، موضوع الأسعار الفلكية التي يضعها الكثير من الفنانين-وخاصة الشباب- هو موضوع لابد أن يطرح للنقاش، ولابد من أن يتم ايجاد حلول له، وذلك لأسباب عديدة في مقدمتها أن الفن ليس (بضاعة)، وثانيها أن المواطن السوداني مؤخراً يمر بحالة (انعدام وزن اقتصادي) حقيقي، ذلك الشيء الذي يبدو أن الغالبية العظمى من الفنانين لايفهمونه-أو يفهمونه ولكنهم يتجاهلون-.
نعم، قد نتفق أن الفنان نفسه مواطن سوداني وله الكثير من الاحتياجات التي لن تتوفر لديه إلا عبر (تلقيط العدادات)، وأنا لا أطالب عبر هذه المساحة بتجريدهم من تلك الحقوق، ولكنني أطالب بالقليل من (الإحساس) بمعاناة الناس، تلك الصفة التي- ولغرابة الأشياء- باتت تتوفر للجميع ماعدا (الفنانين)، وذلك أمر يحتاج كذلك لدراسة عاجلة.
قبيل سنوات قال الفنان كمال ترباس (مفاخراً) بأن (عداده مابنطو الككو)، تلك العبارة التي أثارت إستياء الكثيرين وأنا منهم، فعندما (ينطق) فنان كبير بمثل تلك العبارات (الغير مسؤولة)، من حق الصغار أن يفعلوا أكثر من ذلك، وأن يتحدث مديرو أعمالهم مع الجمهور بتلك الصورة (المستفزة) والخالية تماماً من أي (ذوق)…(وبعدين يا أخوي تعال اسألك…إنت فنانك المافاضي نهائي دا بوب مارلي ولا شنو)..؟
جدعة:
الفنان بدون (إحساس) لا يساوي ثمن ربطة العنق التي يرتديها، والفنان الذي يتجاوز (حب) الجمهور ويركز مع (جيبه) من الأفضل أن يبحث عن مهنة أخرى لاعلاقة لها بالإحاسيس ولا المشاعر ولا العواطف.
شربكة أخيرة:
طبعاً بكرة عادي…ممكن الفنانين يقولوا ليك دندش دا (حاسدنا) في قروشنا دي.!!!
الحمد لله الذي بنعمته تتم النعم وبالغفلة تحل النِّقم ، نحن لا نلوم من يسمونهم فنانين بقدر لومنا على من جعل من الحبة قُبّة، والحديث في هذه الموضوع كغيره من مدّاحين وفطور العريس وزفة العروس ، أشياء نتعمد في إظارها ثم سرعان ما نشرع في إِبطالها حتى أصبحنا في منتصف الطريق الطويل غير قادرين على العودة ولا نستطيع الوصول، نحن نعيب على أولياء الأمور أولاً ثم أئمة المساجد وحتى أساتذة الأساس ، حيث الواجب عليهم النصح والإرشاد للصواب وعدم الإنشغال بسفاسف الأمور، خاصة ونعيش في أزمة إقتصادية حقيقية يعاني منها كل بيت سوداني، لماذا لا يركز الأئمة في خطبهم كل جمعة لإرشاد الناس لفعل الخيرات وترك المنكرات، التي يعاقب عليها الإنسان في الدنيا والآخرة والدنيا لم تُخلق عبثاً ، وكلكم راغٍ ومسئولٌ عن رعيته من ولي الأمر إلى المدرّس .. (أفحسبتم أنما خلقناكم عبثاُ وأنّكم إلينا لا تُرجعون) ، كيف نباهي بالحفلات والقاعات والسهرات والزفات إرضاءاً للناس في غضب ربّ الناس ؟؟ * كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِييينِ* لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ* ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِييينِ* ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ* هل استدركنا معنى اليقييين التي كررت في هذه السورة يعني رأي العين وليس خيال كما يتصورها بعض الناس أنها مجرد أحلام ولا شيء في القبور ،، كأنما الناس نيام فقط .. والله لو كل راعٍ رعا بيته صاح لما وصلنا إلى ما وصلنا إليه من حال ..