إعفاء والي
عقب مفاصلة رمضان الشهيرة والتي نتج عنها حل البرلمان أقدم الشيخ حسن الترابي على خطوة درامية ..الترابي ذهب إلى البرلمان في ذات توقيته الراتب..رجل الشرطة الذي يحرس الأبواب تباطأ قليلاً وعربة الشيخ تقف أمام البوابة الرئيسية.. حينما تأكد للحارس أن الشيخ العنيد بذات نفسه داخل العربة مضى إلى اتجاه السائق ليخبره أن هنالك تعليمات تقضي بمنع أي سيارة من دخول مبان المجلس الوطني.. تلاميذ الشيخ وضعوا في حساباتهم أن معلمهم ربما يتحداهم ويعقد جلسة تاريخية تسحب البساط من تحت أقدامهم فأحكموا إغلاق الأبواب.
أمس الأول ضجت الأسافير بخبر إعفاء محمد حامد البلة من منصبه كوالٍ لنهر النيل..الصحف حتى العاشرة مساء كانت مترددة إن كان الخبر صحيحاً أم ضرباً من التأويل ..لكن لاحقاً اتضح أن (ود البلة ) أصبح يحمل لقب والي سابق بعد أن استدعاه الرئيس للخرطوم وعقد معه اجتماعاً استغرق ثلاث دقائق شكره فيه على فترة العام التي قضاها في دامر المجذوب..منذ لحظة مغادرة ( ود البلة ) للمنصب بدات حملة التنبؤات بالخليفة الجديدة الذي من المتوقع أن يكون من (بحر أبيض) وذلك تطبيقاً للمحاصصة في حكم الولايات.
في ذات يوم إعفاء والي نهر النيل حملت الانتباهة خبراً يفيد أن اللجنة البرلمانية المكلفة بالنظر في المادة (٢٥) من قانون مفوضية مكافحة الفساد قد وافقت على ملاحظات رئاسة الجمهورية..وكانت الرئاسة قد أعادت القانون إلى البرلمان مقترحة تعديل المادة التي ترفع الحصانات في كل التحقيقات التي تجريها المفوضية.. الملاحظة الأولى أن القانون خرج من وزارة العدل ثم مر على مجلس الوزراء ثم أخيراً إلى قبة البرلمان.. في كل ذلك المشوار الطويل كان القانون يحمل رؤية ألا حصانة لمفسد..الملاحظة الثانية أن البرلمان أبدى تعنتاً حول إلغاء هذه المادة وقد نقلت الزميلة المجهر صورة مقطعية لمخاطبات بين قبة البرلمان ورئاسة الجمهورية..لكن في نهاية المطاف استسلم البرلمان ورفع الراية البيضاء.. وشهد شاهد من أهل البرلمان.. النائب المستقل محمد طاهر عسيل اعترف بأنهم قاعدين (ساكت) قبل أن ينتهره رئيس البرلمان طالباً منه الصمت.
نعود لحادثة إعفاء محمد حامد البلة التي جاءت مفاجأة ..لم نسمع بأن المجلس التشريعي بنهر النيل قد استدعى الوالي أو اقترح سحب الثقه منه.. كما لم يحاط الرأي العام علماً بأن المكتب القيادي في نهر النيل قد منح الوالي درجة الرسوب في تقييم الأداء ..صحيح أن (ود البلة ) لم يصنع نجاحاً يلفت الأنظار خلال عام من الزمان..لكنه في ذلك يستوى مع والي الخرطوم وكسلا وغيرهم..لكن وارد الأنباء يؤكد أن مراكز قوى بالخرطوم أطاحت بالوالي الذي حاول أن يحرك معتمد شندي فمضى الوالي إلى حال سبيله وبقي المعتمد المسنود في منصبه.
كل النماذج المذكورة أعراض لمرض مزمن في البنيان السياسي في السودان..أحزابنا وحكوماتنا ومعظم مؤسسات المجتمع المدني ينتهي القرار بين يدي رجل قابض..كل الأجهزة المساعدة لا تفعل شيئاً سوى تمرير القرارات التي تتنزل من أعلى..من هنا تأتي كل الكوارث..يصعب اختيار بديل لجمال الوالي في إدارة المريخ..يستقيل الرجل فتذهب وفود الوسطاء راجية منه القبول بالتشريف وفق شروطه.
بصراحة.. ما دام هذا هو مسلكنا لن تتقدم بلادنا إلا بالقدر الذي يجعلها تتحرك إلى الوراء بسرعة السير على الهاوية..ألم يكن من الأفضل توجيه الوالي بالاستقالة بدلاً من الطرد المذل من المنصب العام.