الحاجة إلى سلوك جديد لا عاصمة جديدة
ترهلت الخرطوم، وغدت بالنسبة للبلاد ككل مثل كرش المرأة الحامل، ناتئة بارزة تخفي كل معالم جسدها.. الخرطوم ليست مدينة ولكنهم مجموعة مركبة من المدن والقرى والأحياء والفرقان، والقبائل والمعتمدين ورجالات الإدارة الأهلية.
كل ولاة الخرطوم ومعتمديها وحكامها اجتهدوا جداً في تقديم الخدمات وتطوير البنية التحتية، لا استثناء في هذه القاعدة، ولكن كل هذا لن يظهر إلى يوم الدين.
فالأمر يشبه محاولة تغيير طعم برميل مياه عبر إضافة ملعقة سكر.
لن يشعر المواطن في سوبا بأي خدمات كبرى تطال (الحارة مية) غربي أم درمان، ولن يدرك سكان دردوق النعيم المقيم الذي يعيش فيه أهالي طيبة الحسناب أو مدينة الرشيد أو الفتيح العقليين “هذا إذا توفر لهذه المناطق نعيم مقيم” فـ “كل في فلك يسبحون”.
حتى يخيل إليك أن مناطق بحري تتبع لنهر النيل، ومناطق سوبا أولى بالجزيرة منها بالخرطوم، وجبل أولياء هي بنت النيل الأبيض لا بنت العاصمة.
ترهل الخرطوم
ذهبت إلى عزاء صديق يوم الجمعة الماضية في بحري (يوم عطلة وفي شهر رمضان)، وبعد أن عدت إلى منزلي، لاحظت أنني أمضيت أكثر من ثلاث ساعات فقط لأذهب وأعود دون أن أمكث طويلاً في بيت العزاء.
وهذا الوقت (أكثر من ثلاث ساعات) كاف ليوصلك إلى أي مناسبة في مدينة مدني أو شندي، فانظر إلى ترهل الخرطوم وتخلّف بنيتها التحتية.
الحسابات التي تضعها حكومة الخرطوم لتقديم الخدمة لمواطنيها تتغير يوميا مثل البورصة.
عدد السكان يتغير، والأماكن تتغير، والمعالم تتبدل، والسبب هو أن هناك مواطناً خرطومياً محتملاً كما قال الأستاذ حسين خوجلي.
فأي رب أسرة أو ابن أسرة في دارفور أو كردفان أو الجزيرة أو الشمالية أو بورتسودان يفكر يومياً في أن يتخذ من الخرطوم مكاناً ومستقراً.
إنسان بلا أرض
الخرطوم هي الولاية الوحيدة التي تزخر بالإنسان وتفتقر إلى الأرض، فالأفواه مفتوحة والأيادي مغلولة.
فلا زراعة، ولا أنعام أو ثروة حيوانية، ولا ثروة سمكية، ولا زراعة آلية، ولا أراضٍ لطق الهشاب، ولا مناجم للتعدين والتنقيب.
ولا حقول لزراعة القمح والقطن المحور وغير المحور، ولا شواهد بترولية تلوح في فلواتها، ولا ثروة بستانية، ولا حياة برية.
ومن المفارقات أن اجتهاد الوالي لتقديم خدمات مميزة في الخرطوم هو المشكلة أحياناً وليس الحل دائماً.
فما الذي يغري المواطن في هيا ودورديب وصقع الجمل ولبدو وأم دباكر للبقاء حيث هو إذا كانت الخرطوم بها من الخدمات ما لا يوجد معشاره في ولايته!!
ما الذي يضير ولاية الخرطوم لو دفعت نقداً أو بشيك معتمد مبالغ مالية للولايات المحاذية لها مثل الجزيرة ونهر النيل والنيل الأبيض وشمال كردفان.
على أن تضطلع هذه الولايات بتحسين الخدمات في المناطق السكنية المتاخمة للخرطوم، حتى تشكل هذه المناطق (عاصمة ظل، أو مدينة ظل) يمكن أن تحد كثيراً من التدفق اليومي نحو الخرطوم.
هذا الحل أسهل كثيراً من التفكير في خرطوم جديدة أو عاصمة أخرى غير التي فيها نحن الآن.
الخرطوم فضحت شخصيتنا
فضحتنا الخرطوم كعاصمة، لأنها أظهرت الشخصية السودانية على طبيعتها إذا تعلق الأمر بالنظام والصف وفي محطة المواصلات وعند ركوب الحافلة ولدى انتظار الخدمة، وإذا كان الموضوع له صلة أيضاً بالتخلص من النفايات والأوساخ، أو التعامل مع الشارع العام.
فضحتنا الخرطوم لأننا عندما نهم بركوب الحافلة – في حالة الندرة- فإن جملة من الرذائل تتجمع في هذا المشهد، ثمة من يصطنع محاولة الركوب ليحشر يده في جيب الرجال وشنط النساء يبتغي (نشلة) يتكفل الزحام بإخفاء صاحبها، ويتكفل صاحبها بإخفاء مبلغ السرقة في لمح البصر.
وأصحاب نفوس دنيئة يجدون (لذة) في الاحتكاك بالنساء والشابات، لا يبتغون من الزحمة مقعداً في الحافلة، وليس لديهم محطة يقصدونها، أول محطة هي آخر محطة بالنسبة لهم، يزاحم أحدهم بغرض (المتعة)، حتى إذا انجلت الزحمة عن وجوده داخل الحافلة، وهمّ السائق بالتحرك، أشار إلى (الكمساري) أنه يرغب في النزول.
وآخرون ليست لديهم رغبة في (متعة) أو(نشلة)، ولكنهم يستعرضون كل عضلاتهم، في مزاحمة الضعفاء من النساء والشابات والعصف بهن من أمام الباب، أو قذف الشنطة التي يستخدمنها (المسكينات) في محاولة حجز مقعد لهن، وهو مشهد بدوي يرفض الانصياع إلى النظام والذوق السليم.
قبل أن ترى أديس أبابا مترو الأنفاق زرتها عدة مرات، كنت أرفق سؤالي بدهشة عن سر صفوف طويلة جدا وملتوية تتراءى أمامي، فيقال لي إن هذا الصف الطويل ينتظر البص.
وإذا ما جاء الحبيب المنتظر، فإن النظام هو سيد الموقف، يصعد إلى البص الأسبق في الانتظار، ولا مكان لأصحاب الرغبات الرخيصة أو الفتوة، هذا ليمارس خسته وذاك ليمارس سطوته.
طريقة استقلال الحافلة في أديس أبابا تدلك على أن سكان العاصمة الإثيوبية متحضرون، رغم أننا نرى الإثيوبيين عندنا هنا في السودان في حالات إنسانية ضعيفة تغرينا بأن نحدث أنفسنا أننا الأفضل.
فضحتنا الخرطوم ونحن بدلاً من أن نميط الأذى عن الشارع الذي يقع أمام منزلنا، فإننا نعمد إلى وضع حجارة عليه أو وضع الإطارات المهترئة حتى لا تمر العربات بالقرب من جدار منزلنا أو من السور.
والسبب هو أن المرور المتكرر للعربات بالقرب منها سوف يشقق جدران المنزل أو السور، نحن نريد أن نسكن قرب الشارع لأن هذه ميزة، لكننا لا نريد أن يكون الشارع بالقرب منا.
فضحتنا الخرطوم ونحن نعمد إلى كسر الإسفلت لتصريف مياه الخريف، في مشهد يمد لسانه إلى المهندس الذي رصف الطريق كيفما اتفق (إسفلت مراق على ظهر الأرض والسلام).
ويمد لسانه إلى الذين يكسرون الإسفلت بدلا من أن يوظفوا هذا الجهد لحفر المصارف التي دفنتها الأوساخ والقاذروات والنفايات، فبئست المفارقة الممعنة في الغرابة، وهي أننا نحفر الشارع ونردم المصرف.
فضحتنا الخرطوم، وبعضنا لا يجد حرجاً ولا بأساً رغم أن لقبه (مقنع الكاشفات)، هذا المقنع لا يرى عليه من تثريب، إذا ما قضى حاجته في أقرب مكان تقع عليه عينه، وتقع عليه أعين الناس أيضاً.. المهم أقرب مكان: فور نزوله من العربة، أو عند أدنى منحنى في الأرض، أو إلى جانب جدار مكتوب عليه بخط كبير (ممنوع التبول يا حمار).
مالك محمد طه
نائب رئيس تحرير الرأي العام
شبكة الشروق
للاسف هذه ليست عاصمه … العاصمه هي واجهة دوله .. الخرطوم لا تصلح الا ان تكون واجهة اكبر مخيم للاجيئن و النازحين في العلم .. نعم اكبر مخيم.
كثيرا من الدول اجبرت لانشاء عواصم جديدة وقبل ان يصل حال عواصمها ما وصلت اليه الخرطوم الان فمثلا الباكستان انشات العاصمة اسلام اباد بدلا عن كراتشي و كذلك الحال فالهند انشات نيو دلهي عاصمة لها بدلا عن دلهي التي صارت كالحرطوم و كذلك جنوب افريقيا و الامثله كثيرة .. نقول اما ان الاوان بانشاء عاصمة جديده للسودان .. و اقول و اقترح اركويت في شرق السودان بالرغم من بعدها الجغرافي .. اي شخص ذهب لاركويت سوف يوافقني الراي .. ما زال مطار و قصر الحاكم الانجليزي العام شاهدا علي ان تلسودان كان يحكم 6 شهور في السنه من اركويت