الغرق .. في (السبب التافه)!!
حكيت لكم قصتي في الثمانينات من القرن الماضي.. عندما كنت في دورة تدريبية في هندسة الكمبيوتر بمدينة مونتريال بكندا.. بعد نهاية الأسبوع الأول أجرى مدربنا اختباراً عملياً.. طلب مني الدخول إلى المعمل وإصلاح عطل في جهاز الكمبيوتر.. لم أتردد بدأت توصيل أجهزة الكشف والقياس المتقدمة إلى لوحات الكمبيوتر لتحديد العطل.. فأمسك بيدي المدرب وقال لي (القانون رقم واحد.. دائماً أبحث أولاً عن السبب التافه!!) وأشار إلى شريحة إليكترونية تعمد وضعها بصورة خاطئة في وسط اللوحة..
نظرية (البحث أولاً عن السبب التافه).. تصلح تماماً لإصلاح أعطال السياسة في السودان .. ومثال لها العطب الكائن الآن في حكاية التوقيع على (خارطة الطريق) الأفريقية.. ومطالبة المعارضة بـ(ملحق).. ورفض الحكومة الصارم لذلك.
بالبحث عن (السبب التافه).. يسهل جداً رؤية العطب.. قرأت أكثر من عشر مرات (الملحق) الذي طلبته قوى نداء السودان.. لاحظت أنه اتفق في المضمون مع (خارطة الطريق) لكنه افترع مساراً جديداً أطلق عليه (المؤتمر التحضيري) يبدو في شكله العام كأنه إعادة للحوار الوطني من نقطة البداية.. نقطة استنباط أجندة الحوار..
لكن بتفهم السبب الـ (Trivial) الذي دعا قوى نداء السودان لابتكار (الملحق) يمكن تجاوز هذا العطل بكل سهولة..
قوى “نداء السودان” في حاجة ماسة لحيثيات تبرر رفض الصعود إلى قطار الحوار من البداية .. ثم محاولة اللحاق به قبيل المحطة الأخيرة ..ولا ضير ولا حرج في ذلك.. فهو مطلب مشروع بل وسهل.. أقول لكم كيف!
قبل حوالى أسبوع وفي دعوة إفطار رمضاني في بيت البروفيسور البخاري الجعلي.. قال لنا الشيخ إبراهيم السنوسي أن الحوار الوطني أفضى إلى حوالى (900) توصية.. كلها تقريباً لا خلاف عليها سوى (3).. وطبعاً تعرفون ماهي هذه الثلاثة (المعصلجة)!!
بعبارة أخرى.. أن المتحاورين في قاعة الصداقة لأكثر من أربعة أشهر وعشرة.. أنفقوا طاقة هائلة في (المتفق) عليه بالضرورة.. وخلصوا في النهاية إلى (المختلف عليه) بالضرورة..
على هذا؛ فإن المؤتمر التحضيري المقترح بواسطة (ملحق خارطة الطريق) لن يخرج بعيداً عن (الثلاثة المختلف عليها) وحواليها ندندن.. ومهما ظهر شكله وكأنه بداية جديدة للحوار وعودة إلى عشرة عشرة 2015.. فإنه بكل يقين يمثل مساراً سريعاً Fast Track لإلحاق الملحقين بالحوار الوطني..
بل وأكثر من ذلك؛ لو طلبت قوى نداء السودان استمرار مسار المؤتمر التحضيري مستقلاً عن الحوار الوطني بصورة كاملة فلا ضير.. فالأمر عملياً لا يعدو كونه مجرد عملية تجزئة Segmentation تلتقي في نهاية المطاف عند هدف أو ناتج واحد.
ليس من الحكمة حكاية إصرار الحكومة على مبدأ (ولا شولة) التي قالها د. أمين حسن عمر في سياق رده على مطالب بعض الحركات الدارفورية فتح التفاوض حول اتفاقية الدوحة..
فليكن.. (ملحقاً) و (مؤتمراً تحضيرياً).. بل ومؤتمر حوار مواز كامل الدسم.. طالما أن خلاصة كل هذه المسارات يجب أن تلتقي في هدف واحد..
الحكومه كان تعلن رفضها لخارطة الطريق كان المعارضه على طول وقعت تجى الحكومه بعدها توقع ولا خلاف ولا يحزنون