عبد الباقي الظافر

دماء في ليلة الزفاف ..!!


كانت لحظات عصيبة على أفراد أسرتي.. كنت على يقين أن أسماء ماتت فقد كانت آخر صرخاتها على صدري بعدها مضت إلى سكون غريب..حتى الدم المندفع من صدرها بدأ يقل اندفاعه..كان يشغلني وأشقاء أسماء تقرير الطبيب الشرعي .. كنت على ثقة أن أسماء بريئة وشريفة وأن هنالك خطأ ما.. قلت لنفسي وأنا أحاول أن استحضر وجه العريس ليس هنالك جريمة ثمنها إزهاق النفس .. طغى علي شعور بأنني أنا القاتل ..أنا من فرطت في بنت خالتي ..قطعاً لن أكون فظّاً غليظ القلب إن كنت أنا في موقف زوجها خالد مكاوي.. تحت ذلك الشعور انهمرت دموعي ارتفع صوت نحيبي حتى لفت الأنظار ..بدأت ذاكرتي تستيقظ.
أخبرتني أسماء بأن هناك عريساً تقدم لها و سوف يأتي بأهله يوم الخميس ..فرحت شعرت أن إحساسي بعقدة الذنب قد انتهى.. منذ أن ماتت أمي بت فرداً في أسرة خالتي محاسن ..منذ أن صارت أسماء أنثى كانت تتعامل معي برقة..تهتم بملابسي ..تغضب أن تعاركت مع أحد أشقائها ..الأسوأ من ذلك أن الأسرة الكبيرة كانت تتوقع مني الارتباط بواحدة من بنات خالتي ..الظفر بعريس أمر ليس يسير..لكننى لم أكن أرى في بنات خالتي سوى بعض من شقيقاتي اللائي لم تلدهن أمي..عطفاً على هذا الإحساس الأخوي سألت أسماء عن العريس المرتقب ..لا تعرف عنه الكثير سوى أنه شقيق أحد زميلاتها في الجامعة.. يبدو أنه لم يكمل الجامعة فهاجر إلى السعودية ..قالت لى أسماء أنه متدين ولا يصافح النساء لكنه ميسور الحال ويملك بيتاً في حي أركويت بالخرطوم.
نظرت لخالتي محاسن استفسرها عن رأيها في الزيجة القادمة فقالت لي بنبرة لا تنم عن الفرح في مثل هذه المواقف “ما خلاص يا أحمد يا ولدي سومة قرت الجامعة و اتخرجت و عملت الإلزامية تاني شنو غير العرس ؟..حاولت أن ألاحق خالتي ببعض المكر قلت لها “يعني موافقة يا حاجة ؟ ” لم ترد علي و دخلت المطبخ لتواصل عملها ..و يبدو أن دواخلها كانت تحمل شيئاً لم أتمكن من معرفته إلا بعد فوات الأوان..نظرت إلى أسماء فوجدتها تنظر إلى الأرض و لم ترفع رأسها أبداً و قلت ليها “خلاص على بركة الله ربنا يسوي الفيهو خير” .
كنت اعتبر بمثابة الأخ الأكبر لأبناء خالتي فلقد تربيت معهم في ذات الحوش ..كانت سانحة طيبة لرد الجميل وقيادة الأسرة التي توفي ربها قبل أربع سنوات..تمت الخطبة بعد أن حضر خالد و أهله ..تم عقد القران في ذات الجلسة بعد أن أفتى أحدهم أن خير البر عاجله.. لم استطع أن أحدد مشاعري بهذه المناسبة التي كانت فرحتنا الأولى في الحوش ..كنت أحس بنوع من القلق و عدم الارتياح لخالد مكاوي الذي لم أتمكن من هضمه أبداً.. الشيء الذي دعاني للبحث عنه و جمع معلومات عن طريق أصدقائه و زملائه في العمل و ناس حلته. .كل ما توصلت إليه لا يدعو للقلق أو الخوف ..معظم الناس يصفه بأنه متدين وقليل الكلام ..رغم ذلك لازال يساورني هذا التوجس .
بعد أيام قليلة اكتملت مراسم الزواج على أكمل وجه ..فلقد بذلنا كل ما بوسعنا أنا و أسعد ( شقيق أسماء ) و صديقه أمجد و بعض أصدقائهم حتى خرج العرس بأجمل و أبهى صورة ..صحوت متأخراً صباح العرس و لما دخلت البيت وجدت العروسين يستعدان للذهاب لشقتهما .. رأيت لأول مرة في حياتي أسماء في صورة أنثى جميلة و رقيقة و كأنها ملاك لم انتبه أبداً في يوم من الأيام لهذا الجانب الأنثوي لديها سوى اليوم ..كاد قلبي أن يخرج من بين الضلوع..بعد أن تناولنا الإفطار الذي لم أتذوقه أخذتهم بعربتي إلى الشقة .
مرت علي أقسى وأصعب ساعات حياتي .. لم تغب أسماء عن خاطري أبداً..لم تجد نفسي فيها راحة و كل ما أراه هو طيف أسماء .. حينما أخذت حقيبتها لأدخلها الشقة ردّني العريس ببعض القسوة.. اختلست نظرة أخيرة إلى أسماء .. كانت عيناها تحمل لي كل عتاب الدنيا و كأني بها تقول لي لو أنك التفت إلي و إلى عيني لوجدتها تحمل لك كل حب الدنيا. . لماذا اعتبرتني أختك و لم ترَ فيني حبيبتك التي طالما سهرت ترعى حبك و تسقيه بدمائها ..قطع حبل أفكاري صوت العريس يغلق باب الشقة ببعض العنف .
بعد نحو ثلاث ساعات كان صوت الهاتف يرن .. أهملته في البداية ولكن شعرت أن صوت استغاثة أسماء يسري.. حينما فتحت الخط جاءني صوتها ” احمد ألحقني سريع” ..لم أشعر بعدها إلا و أنا عند مدخل الشقة.. و قابلتني اسماء في ملابسها الداخلية هي تجرجر أرجلها عبر درجات السلم .. ارتمت على حضني ..كانت الدماء تغطي ملابسها ..سحبتها إلى عربتي ..تهت حتى عن عنوان مشفى المدينة ..كانت أسماء تتكلم بكلمات غير واضحة من بينها ” لا تصدقوا المجنون قل لهم أنا شريفة”.
في هذه اللحظة خرجت دكتورة رانيا.. انتقتني من بين الآخرين رغم حزني وولعي ..في مكتب صغير أخبرتني أن العروس ماتت منذ ساعتين .. كنت أعرف ذلك ولكنني انتظر المزيد.. ارتحت عندنا أخبرتني أن شقيقتكم قتلت ظلماً ..ظن العريس أنها غير عذراء ولكن الحقيقة أنها لها بكارة مطاطية..لم أدعها تكمل الكلام خرجت فرحاً إلى حيث أهلي..حضنت خالتي وأخي أسعد..عرفوا ماذا أقصد وكانت خالتي تردد الحمد لله.
*عايد الجعلي
•من المحرر
شكرًا الأخ عايد على هذه المساهمة التي رأينا أنها تستحق الاحتفاء.