عبد الباقي الظافر

أسواق نمر ..أكثر من سؤال..!!


* قبل سنوات استيقظت الخرطوم بدهشة على مجمع سكني شامخ يحمل اسم الفريق شرطة هاشم الحسين..الدهشة أن الرجل المخلد ذكراه مازال قابضاً على منصب مدير عام الشرطة..بمعنى أنه كتب اسمه بنفسه في سجل الخالدين ..الحقيقة أن الرجل أيضاً لم ينس رفاقه السابقين من مديري الشرطة، فأطلق أسمائهم على بنايات متفرقة..والحقيقة أيضاً أن القائمة لم تشمل وزير الداخلية وقتها الأستاذ إبراهيم محمود الذي أصبح لاحقاً مساعداً لرئيس الجمهورية، ونائباً لرئيس حزب المؤتمر الوطني .
* تخليد الأسماء في ولاية الخرطوم ليس أمراً يسيراً..هنالك لجنة عليا يرأسها البروفسور يوسف فضل المدير الأسبق لجامعة الخرطوم منوط بها تسمية شوارع الخرطوم الكبرى.. اللجنة تعتمد منهجاً صارماً أبطأ من عملها كثيراً.. من بين الضوابط التي تكبح جماح الأنفس ألا تخلد إلا ذكرى الأموات الذين لم يعد بيدهم القلم ليكتبوا أنفسهم سعداء بين الناس..على هذا هنالك أسماء كبيرة ومشهود لها بالعطاء لن تنال من التكريم شيئاً إلا أن يتوفاها الله.
* قبل عام أو أكثر زرت أسواق جاكسون بغرب الخرطوم ..لفت نظري سوق مرتب يحمل اسم أسواق نمر..وقتها كان اللواء عمر نمر يشغل منصب معتمد الخرطوم..حاولت الاستفسار من أصحاب المحلات عن سر التسمية، لكنهم كانوا لا يعلمون أو يعلمون ولكنهم يفضلون الصمت من أجل الحفاظ على الأرزاق.. بالأمس زرت معتمد الخرطوم مستفسرًا عن بعض القضايا وسألته ذات السؤال ولكن الفريق أبوشنب لاذ أيضاً بالصمت .
* حينما عدت لمكتبي وجدت الصحف تحمل أخباراً أن رجل أعمال واحد حاز على ألف متجر من متاجر محلية الخرطوم ..وأن ذاك الثري يحوز على أراض واسعة على ضفاف أطول نهر في العالم.. الثري الذي لا نعلمه يقوم بتأجير هذه المتاجر والمساحات الواسعة على بائعات الشاي ومتوسطي الدخول..بالطبع من بين تلك المتاجر التي حملت اسم نمر..هنا يصبح السؤال كيف سمح المعتمد السابق باستغلال اسمه تجاريا ..أم أن في الأمر ترويج وتخليد لذكرى معتمد الخرطوم.
* أما السؤال الأكبر كيف يملك مواطن واحد أكثر من ألف متجر في المحلية الأولى في السودان ..إذا كان ذلك حدث في عهد نمر أو المعتمدين السابقين، فالأمر يقتضي تحقيقاً سريعاً ..بلد نصف اَهله من الفقراء الذين يستحقون الزكاة يتم فيه ممارسة هذا النوع من الاحتكار..بعض هذه الأسواق بنيت في قلب الشوارع وعلى (منهولات) الصرف الصحي..كيف تسمح محلية الخرطوم وولاية الخرطوم بمثل هذه ( الخرمجة).
إلا أن السؤال المهم وربما الأكثر إحراجاً من هو هذا الرجل الذي يمتلك أكثر من ألف متجر بمحلية الخرطوم..وكيف تمت ترسية العطاء الكبير تحت جنح الليل ..هل هذا الرجل مواطن عادي من غمار المواطنين ..أم رجل مسنود بالنفوذ السياسي ..الإجابة على هذه الاسئلة مهمة جداً، خاصة بعد أن أعلن رئيس الجمهورية نهاية عهد التمكين السياسي والاقتصادي . * في تقديري ..إن الفريق أحمد علي أبو شنب الذي كسب أكثر من خمسين موقعة خلال متحرك عسكري واحد ربما يخسر معركة أسواق نمر.. أبوشنب أزاح الغطاء عن المسكوت عنه لهذا سيدفع الثمن غالياً.. لن يتمكن أبوشنب من تسليك الشوارع من الأسواق المسيئة للنظام..ولن يستطيع فك احتكار الأثرياء المحميين من الكبار..عاجلاً أو آجلاً سيغادر أبو شنب كما غادر سلفه مبارك الكودة بسبب ذات الأسواق.
* بصراحة.. كل الذين يحتجون على صدارة بلدنا لقائمة الدول الأكثر فسادا يجدون تبريراً لهذه الممارسات غير المنطقية ..عدم قدرتنا على الرؤية تجعلنا عراة ونحن نحسب أننا في كامل الزينة والاحتشام .