محمود الدنعو

حراسة القيم المشتركة


ربما سعى الرئيس الأمريكي باراك أوباما إلى التهدئة بعد فوران ثورة الغضب على تجاوزات الشرطة الأمريكية بحق المواطنين السود في أمريكا عندما قال من العاصمة البولندية وارسو، في آخر مشاركة له في قمة حلف الناتو، إن أمريكا “ليست منقسمة إلى الحد الذي يراه البعض”، مشيرا إلى أنه لا يعتقد أن البلاد تنزلق إلى الاستقطاب الذي حدث في الستينيات من القرن الماضي. وتابع أوباما: “بقدر ما كان إزهاق أرواح أناس هذا الأسبوع أمراً قاسياً وعصيباً ومحبطاً، إلا أننا وضعنا أساساً للبناء عليه”.
إذن هي محاولة من الرئيس أوباما لتهدئة حالة الاحتقان بعد الهجوم على رجال الشرطة في دالاس على خلفية مقتل مواطنين سود على يد الشرطة في مينيسوتا ولويزيانا، ولكن الأمر يتطلب أكثر من محاولات التهدئة، فلابد من معالجة جذرية لهذه الظاهرة لأن إيقاظ فتنة التفرقة العنصرية في الولايات المتحدة لا تعني فشل إدارة الرئيس أوباما وحسب أو الشعب الأمريكي، بل فشل العالم أجمع في حراسة القيم المشتركة مثل الحرية والعدالة والديمقراطية التي يسهر الجميع على صيانتها مهما اختلفت بهم الجغرافيا والتاريخ واللغة والدين، وبالتالي حماية هذه القيم واجب على الجميع، ويجدر بنا عدم الوقوف متفرجين أو شامتين على الولايات المتحدة، وهي تنزلق رويداً رويداً في أتون العودة إلى الصراع العنصري البغيض إذا سلمنا بأن أمريكا ليست منقسمة إلى الحد الذي يراه البعض على حد تعبير أوباما، إلا أنه لا أوباما ولا غيره لا يستطيع الجدال بأن هذه الحوادث لم تهز أمريكا أو تقرع أجراس الخطر، أو لم تؤثر في القيم التي طالما تباهت بها الإدارات المختلفة في الولايات المتحدة، وشنت تحت راياتها الحروب وجهزت الغزوات لفرضها وحمايتها في مختلف بقاع العالم، هذه القيم تتعرض لأقوى اختبار للصمود داخل المجتمع الأمريكي نفسه الذي يعد نموذجاً للتعايش بين الناس من كل جنس ولون، من نفذ هجوم دالاس كان جنديا في الجيش الأمريكي في أفغانستان، بحجة حراسة القيم نفسها التي تهدر حالياً في بلد يعد جنة العدالة والديمقراطية واحترام التنوع.
ولكن كما أشار الرئيس باراك أوباما في خطابه الوداعي لقمة الناتو، فإن هؤلاء يجب أن لا يمثلوا المجتمع الأمريكي ولا المجتمع الدولي الحريص على هذه القيم. وقال أوباما: “الشخص المعتوه الذي نفذ هذه الهجمات في دالاس لا يمثل الأمريكيين من أصل أفريقي، ولا مطلق الرصاص في شارلستون يمثل الأمريكيين البيض، وكذلك من أطلق النار في أورلاندو أو سان دييغو لا يمثل المسلمين الأمريكيين”.
حادثة دالاس هزت أمريكا ونبهت العالم إلى خطر قادم لابد من إعادة التفكير في السياسات التي من شأنها إثارة التفرقة والبغضاء بين الناس غض النظر عن جنسياتهم وألوانهم وأديانهم.