قيمة الإنسان ..!!
:: الأسبوع الفائت، أدت النيابة والشرطة دورهما كما يجب في بعض أسواق الخرطوم..وبعد حملات التفتيش على المطاعم والكافتريات، قدموا متهماً بأحد أسواق شرق النيل إلى محكمة الحاج يوسف بتهمة بيع مياه غازية منتهية الصلاحية..وبعد الإعتراف، حكمت عليه المحكمة بغرامة (1.500 جنيه)، أي ما يقارب المائة دولار، ثم إبادة المعروضات .. (1.500 جنيه)، عقاب لمدان جريمته قد تقتل نفساً أو ترهقها بالمرض ..!!
:: مثل هذا العقاب لا يشجع النيابة والشرطة على آداء واجبهما كما يجب، ولا يشجع المستهلك على طرق أبواب العدالة والحقوق، بل يشجع ذوي النفوس المريضة على تسويق الموت والمرض .. القوانين الهزيلة من مهددات أمن الدول وسلامة المجتمعات، ولايزال قانون حماية المستهلك من أضعف قوانين البلاد باعتراف كل السلطات، بما فيها البرلمان .. وقبل عام، كأنما إكتشف هذا البرلمان (الذرة)، قال للناس : ا( لسودان أصبح مُكباً للسلع غير المطابقة للمواصفة، وهذا الأمر يُفقد البلاد أموالاً طائلة، ويتسبب في ضرر المستهلك مالياً وصحياً)
:: وبعد إكتشافها لتلك (الذرة)، قرر وضع مسودة لقانون حماية المستهلك أمام النواب، لتصبح قانوناً يحمي المواطن خلال ( أسبوع)..مضى الأسبوع، ثم الشهر، ثم العام، وإلى يومنا هذا، لم تدخل مسودة القانون إلى قاعة البرلمان .. بالقطاع الخاص (مراكز قوى)، وبأجهزة الدولة ( مراكز قوى)، وتحالف هذه المراكز وتلك هو ما يحبس هذه المسودة ويمنعها بحيث تكون ( قانوناً صارماً).. من أهم مبادئ القانون الحبيس حق تعويض المستهلك ثم عقوبات (رادعة جداً)، ولذلك ليس بمدهش بأن يظل حبيساً..!!
:: ولهذا القانون الحبيس ( فيلم وثائقي).. قبل ( 11 سنة)، في العام 2005، أصدر مولانا على محمد عثمان يس – وزير العدل الأسبق – قراراً بتشكيل لجنة برئاسة الدكتور عبد القادر محمد أحمد، مدير المواصفات والمقاييس الأسبق، لوضع مسودة تصلح بأن تكون قانوناً مركزياً لحماية أهل السودان من الهلاك .. عقدت لجنة عبد القادر سلسلة من الإجتماعات، وكتبت المسودة المطلوبة، ثم سلمتها في حينها – أي قبل 11 سنة – لإدارة التشريع بوزارة العدل، لصياغتها وإيداعها لمجلس الوزارء..!!
:: وإستلمت تلك الإدارة العدلية المسودة من لجنة عبد القادر، وبدلاً عن صياغتها وتسليمها لمجلس الوزراء، (غطست حجرها)..أي لم تغادر مسودة قانون حماية المستهلك محطة إدارة التشريع بوزارة العدل، ليبقى السودان – وإلى يومنا هذا – بلا أي قانون مركزي يحمي حقوق المضطهد المسمى – مجازاً – بالمواطن.. وترقبت ولايات السودان أن تلد تلك المسودة قانونا لتستلهم من نصوصه قوانينها الولائية.. وطال الترقب عاماً تلو الآخر حتى بلغ عمر الترقب أعواماً.. وبعد أعوام الإنتظار ، أعدت ولاية الخرطوم قانونها ثم ولايات أخرى..!!
:: و ما أن رأى قانون الخرطوم نور التنفيذ في (العام 2012)، سارعت وزارة العدل بتشكيل لجنة أخرى لتضع مسودة أخرى بحيث تكون قانونا مركزيا.. ولم تسأل الوزارة ذاتها، ولم تسألها أية جهة أخرى : أين مسودة العام 2005 ؟.. ليس مهماً، فالتسويف في قضايا المواطن ليس من الممنوعات، فالمساءلة هي الممنوعة .. فالمهم، لجنة أخرى لإعداد مسودة أخرى، وإجتمعت اللجنة مرة وأخرى ثم ( تجمدت)..أي بعد إجتماع التعارف، ثم إجتماع آخر، لم تجتمع اللجنة .. ولهذا يتم تسويق الموت والمرض في الأسواق، وتكون قيمة حياة وصحة المواطن غرامة قدرها ( مائة دولار)..!!