محمود الدنعو

ترسانة الديمقراطية


في مواجهة تهديدات المرشح الرئاسي الأمريكي المثير للجدل بانسحاب الولايات المتحدة من حلف شمال الأطلسي (الناتو) تذكره الكاتبة الأوكرانية نينا جان كوفيزيتش المختصة بالديمقراطية وشؤون الحكم أن حلف الناتو ليس مجرد قوات عسكرية، بل هو (ترسانة ديمقراطية)، وبالتالي فإن إضعافه عسكرياً يعني بالضرورة إضعاف الديمقراطية في العالم، ومنذ انطلاق حملته الرئاسية ظل المرشح الجمهوري المثير للجدل يثير الكثير من التساؤلات حول فائدة حلف الناتو الذي حسب تعبيره يكلف الولايات المتحدة نفاقات مالية كبيرة، وهدد بالانسحاب من الحلف في حال وصل البيت الأبيض، وفي مقابلة مؤخراً مع صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية ذهب إلى إثارة الجدل بشأن أحد المبادئ الأساسية للحلف، وهي أن الاعتداء على أي دولة عضو في الحلف هو اعتداء على جميع الأعضاء، ولكن ترامب اشترط إرسال المساعدات العسكرية للدول التي تنفي بالتزاماتها للحلف فقط، وحتى يتم التحقق من ذلك تكون الدولة التي تعرضت للاعتداء وقعت تحت الاحتلال بالكامل.
وظل دونالد ترامب يشكك دوما في عقلانية متابعة الولايات المتحدة لالتزاماتها في إطار حلف الناتو، وأعلن الرجل مرات عديدة أن الناتو كمنظمة (بات قديما) منذ فترة بعيدة، وتعهد بوقف الدعم الأميركي لدول حلف شمال الأطلسي، التي لا تقوم بسداد حصتها في الحلف.
مع الأسف نظرة ترامب للحلف محصورة فقط في الالتزامات المالية للدول الأعضاء وجانب المساعدات العسكرية، ولكنه يجهل أن الانضمام إلى الحلف ليس فقط انضمام إلى حلف عسكري، بل حلف ديمقراطي وقيم العصر الحديث، فالدول التي انضمت للحلف بعد انهيار الاتحاد السوفيتي القديم مثل بولندا وجمهورية التشيك والمجر حتى تنال العضوية انتظرت عشر سنوات كاملة من أجل إجراء إصلاحات سياسية واقتصادية وتشريعية وعسكرية حتى تصبح مؤهلة للعضوية قد يكون موضوع الإصلاحات العسكرية هو الأبرز، ولكن البعد السياسي مهم ولابد من إصلاحات سياسية تتواءم مع قيم العالم الغربي.
وكل دولة في العالم تتقدم إلى طلب العضوية في الحلف تدخل مفاوضات مع الدول الأعضاء بشأن خطة العمل للدول الأعضاء التي تنص على إصلاحات محددة يجب إنجازها قبل التفاوض حول التحديث العسكري، وفي خطة العمل يصف الفصل الأول معايير الحكم الديمقراطي وسيادة القانون وحقوق الإنسان واقتصاد السوق والسيطرة المدنية على القوات المسلحة كمطلوبات أساسية. ويقول المتحدث الأسبق باسم الحلف السيد مارك ليتي: “الديمقراطية هي القيمة الأساسية لحلف شمال الأطلسي”. ويضيف: “إن الحلف وجد أصلاً للدفاع عن القيم الديمقراطية”.
الرسالة التي يرغب ترامب في إيصالها بشأن الحلف ليست صادرة عن رجل أعمال ذكي وإنما فاقد للعمق، وعلى استعداد للمخاطرة بالأمن والاستقرار والديمقراطية في العالم من أجل الزخم الانتخابي.