عبد الباقي الظافر

أولادنا..!!


في ذاك المساء وقعت عين رجل الأعمال على صبي صغير يقف على باب مزرعة مجاورة..استغرب الشيخ من وجود طفل في ذاك المكان المجهول..عاطفة الأبوة جعلته يتحسس الأمر.. ببعض الخوف كان الطفل يسرد حكايته ..اسمى جادالله جئت للعمل هنا نيابة عن أخي الذي سافر للبلد في مهمة قصيرة..تركت المدرسة من سنة سابعة بسبب الظروف..الرجل الخير ينتشل الصبي ويضيفه لأسرته الصغيرة..جادو يتصدر دفعته في المدرسة ويرنو لدراسة الطب في المستقبل..كل ما وجده قليل من الاهتمام وكثير من الحنان.. ربما يغير هذا الصبي وجه التاريخ يوماً..
قبل أعوام قليلة كشفت إحدى الصحف وأظنها التيار عن مأساة في أسواق الخرطوم ..المحليات النهمة بدأت استغلال الأطفال الفقراء ..كل محلية وضعت رسوماً على عربات الدفع اليدوي..لا يهم أن كنت تملك (الدرداقة) او تستأجرها .. من المهم جداً أن تدفع اليومية بنهاية كل يوم وإلا منعت من العمل..عوائد مجهودات هؤلاء الأطفال تذهب كحوافز لأفندية كسالى يجلسون في المكاتب المكيفة يحتسون شاي ( اللبتون ) الفاخر.
معتمد الخرطوم بحري اللواء حسن إدريس يستحق رفع القبعات..هذا الرجل قام قبل أشهر بمبادرة رائعة ..ألغى المعتمد رسوم إيجار (الدرداقة ) مقابل أن يسلك الأطفال دروب التعليم..بالأمس تحققت وعود المعتمد وتم افتتاح مدرسة حلم النيل .. نحو (٢٢٠ ) تلميذاً سيعودون لمقاعد الدراسة المجانية..مبادرة المعتمد استفادت منها النسوة اللائي يمارسن مهنة بيع الأطعمة في الأسواق ..هؤلاء الشامخات سيتمكن من إرسال أبنائهن إلى المدارس في أوقات تتناسب مع مواعيد عملهن.
مبادرة أخرى قدمها معتمد الخرطوم الفريق أحمد أبوشنب لم تلقَ حظها من الاهتمام..المعتمد تعهد بإعداد وجبة إفطار مجاني لكل التلاميذ إلا من أبى..المعتمد أكد أنه سيمول مشروعه الإنساني من عائدات العقارات الملحقة بالمدارس الحكومية ..معظم تلك العقارات كانت منهوبة ..بل إن بعض المدارس تحولت إلى مساكن شعبية..المعتمد أيضاً بين يديه مبادرة لتقديم التعليم الإلكتروني لكل الطلاب فوق السنة الرابعة..الحلم بدأ يتحقق بوصول بعض المعدات الإلكترونية من دولة اليابان.
في تقديري أن جهود معتمد بحري ورفيقه معتمد الخرطوم تصب في اتجاه إستراتيجي جديد ينظر للأطفال باعتبارهم اصولا عامة..منذ أزمان بعيدة كانت الحكومة وأيضاً المجتمع ينظر للأطفال باعتبارهم بضاعة تخص أصحابها .. الأطفال فاقدو السند هم مجرد (أولاد حرام) تلاحقهم الوصمة مدى حياتهم.. الطفل المشرد تقع مسؤوليته على أب جاهل بواجباته.. حتى الأطفال الذين يتسولون الناس وغيرهم في فصول الدراسة لا يجدون أكثر من الانتهار .. ألطفنا يتصدق عليهم بعبارة (الله كريم) .. تحت بصر المجتمع وربما تشجيعه تنامت ظاهرة إيجار الأطفال ك ( عدة شغل) تساعد المتسولات في استدرار عطف الناس.
بصراحة.. أي طفل هو ثروة قومية..إذا تاه بسبب إهمال المجتمع وضل الطريق ربما يتحول إلى قنبلة موقوتة تهدد السلم الاجتماعي..تخيلوا سيناريو طفل المزرعة إذا لم تمسسه يد حانية.