المعادلة ليست الغذاء مقابل السلام.!
لم تكن مفاجأة سارة للأديب مبارك أردول حينما أصبح الصباح..صاحب رواية الريال المقدود كان يؤانس أحد الرفاق في محادثة هاتفية طويلة..أردول المتحدث باسم الحركة الشعبية يحكي ويحكي عن تكتيكات وحركات حركته..يصنف مبارك أردول ذو الخلفية السلفية حلفاء الحركة لرفيق مؤقت يجمع أهل اليمين بدءاً من الإمام الصادق ومروراً بقادة المؤتمر السوداني وينتهي الصف عند الدكتور جبريل ابراهيم..ورفاق دائمين تعول عليهم الحركة هم أقصى اليسار من الرافضين لفكرة مسالمة حكومة الإنقاذ ..والرفيق الذي ناجاه أردول يسكب على قارعة الأسافير كل تفاصيل تلك المحادثة ذات الدلالات..هنا يتضح السبب الذي دفع الحركة الشعبية في التوقيع على خارطة الطريق التي أعدتها الوساطة الأفريقية بعد طول امتناع.
أمس الأول كان إبراهيم محمود حامد رئيس الوفد المفاوض لحكومة السودان يصرح أن حكومته لن تسمح بتكرار تجربة شريان الحياة التي وصفها بانها أطالت الحرب..الشيخ محمود كان يشير إلى العملية الإنسانية التي أشرفت عليها الأمم المتحدة إبان الحرب الأهلية في جنوب السودان وذاك قبل الانفصال..شريان الحياة كانت تجلب الغذاء من أبواب متفرقة ..هذا مكن الحركة الشعبية من الاستفادة من بعض الغذاء في تشوين جنودها .
ولكن خبر له دلالته حملته صحف البارحة ..اتفاق بين برنامج الغذاء العالمي وحكومة السودان ..الاتفاق يجعل السودان مركزاً لتقديم المساعدات الغذائية الطارئة لكل القارة الأفريقية..وخبر آخر بصحيفة السوداني يتحدث فيه العميد شرطة محمد البدري عن إبادتهم كمية من المواد الغذائية جاءت بصحبة ركاب طائرة قادمة من جوبا..وذلك تنفيذا لقرار وزير الصحة الذي اتخذ عقب تفشي وباء الكوليرا في جنوب السودان .
الحركة الشعبية وعبر مهارة سياسية عالية قامت بربط أجندة وقف العدائيات بانسياب المساعدات الإنسانية..حيث طالبت بالسماح بعودة المنظمات التي طردتها الخرطوم في أوقات سابقة ..كما طالبت بأن تأتي المساعدات من مسارات داخلية وخارجية ..بررت الطلب حتى لا يتم استخدام الغذاء كسلاح ..حددت الحركة مدن جوبا وأصوصا في أثيوبيا وقاعدة معروفة في كينيا كنقاط خارجية .
نجحت الحركة الشعبية في جر الحكومة إلى الميدان الذي تريد..مفردة العمل الإنساني لها رنين في المجتمع الدولي ..ولحكومتنا ملف متضخم في التجاوزات ..بالطبع من حق حكومتنا أن تمارس حقوقها السيادية في استقبال الإغاثة الموجهة لشعبها في مناطق الأزمات ..لكن التلويح باعتبار الغذاء عاملاً يمدد أو يقصر آجال الحروب يوحي بأن الحكومة تحاول منع الغذاء عن خصومها أو المواطنين الذين يقطنون تلك النواحي وذلك حتى يضطر هؤلاء للجنوح نحو السلم بسبب الجوع .
في تقديري..أن على الخطاب الحكومي ان يكون حساساً عند التعرض لمسألة المساعدات الإنسانية..هنالك منطق أن السودان الآن بات مركزا لغوث الدول الأخرى وفق إقرار برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة..وأن السودان الآن يقوم بهذا الدور في جنوب السودان ..من باب الحساب الاقتصادي من الأفضل أن تكون الاغاثة من داخل السودان ..أيضاً التزام الحكومة بمسؤوليتها عن صحة كل السودانيين بمن فيهم حملة السلاح يجعلها حريصة في تطبيق المواصفة المعيارية الوطنية التي تحدد صلاحية الغذاء..مثل هذا الخطاب الإنساني ينزع الثوب الذي يغطي أجندة الحركة الشعبية حول ملف المساعدات الإنسانية.
بصراحة.. إذا توقفت الحرب تماماً أو على أقل تقدير تم الالتزام بوقف تام لإطلاق النار ستصدر المناطق المتأثرة بالحرب الغذاء للدول المجاورة.