جنوب السودان مأساة تزداد قساوةً
انسلخ، قبل خمس سنوات من اليوم، أبناء جنوب السودان عن الشمال، وأسسوا دولتهم المستقلة. ونزلوا في منتصف ليل التاسع من يوليو 2011 بالآلاف إلى شوارع الدولة الجديدة يرقصون ويغنون ويعلنون تحررهم. لكننا في استعادة لأحداث الأمس القريب نقول إنه كان يجدر بهم البقاء في منازلهم، بعد أن تبين أن تفاؤلهم لا أساس له ولا عماد.
وقد ألغت الحكومة، أخيراً، الاحتفالات بذكرى التأسيس الخامسة، عقب تجدد أعمال القتال بين القوى المتناحرة وقتل عدد من المواطنين، في مشهد ليس بجديد، قائم على أعمال عنف تنوعت بين قتل آلاف الأشخاص وتهجير قرابة المليونين، منذ تأسيس دولة جنوب السودان.
وأعلن، أخيراً، في خطوة بدت تطوراً إيجابياً، كل من رئيس جنوب السودان سلفا كير ونائبه قائد التمرد ريك مشار عن وضع حدّ لحرب أهلية دامت عامين، واستئناف العمل بموجب مبدأ تقاسم السلطة، فعاد مشار إلى منصبه كنائب للرئيس مجدداً. إلا أنه لم يكد يمضي على الإعلان شهرين حتى انهار السلام المبدئي على خلفية حادثة إطلاق نار على حاجز تفتيش بين الميليشيات.
ولا بد للمجتمع الدولي في الأشهر القليلة المقبلة من مواصلة مساعيه لإحلال الاستقرار، وعليه يجب لزاماً تمديد مهلة بقاء قوات حفظ الأمن التابعة للأمم المتحدة، والعمل إذا تبين أن عدد تلك القوات لا يكفي، على نشر المزيد من عناصر «قوة الرد السريع» الخاصة بالاتحاد الإفريقي.
ويتعين على سكان جنوب السودان، حال اتخاذ إجراءات حفظ الأمن أن يأخذوا على عاتقهم القيام بالمهمة الأصعب المتمثلة باستئصال الفساد، وبناء المؤسسات الموثوقة، وإنهاء حالة المحسوبيات، والتوقف عن تسييس الجيش.
ومن المنطقي أن يتساءل بعض المراقبين عما إذا كانت الحكومة الحالية التي حققت فشلاً ذريعاً لليوم يمكن أن توكل إليها تلك المهمات. وقد اقترح بعض المسؤولين والدبلوماسيين تفويض كل من الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي معاً إدارة البلاد لفترة انتقالية مؤقتة.
ويشير البعض إلى أن الحالة المزرية لجنوب السودان يجب أن تشكل درساً لأميركا في التدخل المدفوع «بإحساس مضلل من المثالية الأخلاقية» بدلاً من «الإدراك الواضح لمصالح الأمن القومي».
ومن المؤكد أن الجهل والضلال قد ورطا أميركا في عدد من المشكلات على امتداد السنوات سواء في العراق أو أفغانستان، حيث تقتحم الولايات المتحدة الدول الأجنبية بثقة زائدة، من دون أن تكون لديها أهداف واضحة، أو خطة مدروسة، أو استراتيجية خروج.
لقد فقد مفهوم «بناء الدولة» اعتباره هذه الأيام، ويكفي الاستماع للمرشح الجمهوري دونالد ترامب للتأكد من ذلك. إلا أنه في حين يبدو منطقياً التشكيك في المغامرات العسكرية، وإدراك العقبات التي قد تنشأ في الخارج والتنبه لمسألة إنفاق أموال دافعي الضرائب على قضايا خاسرة، فإنه سيكون بمثابة الخطأ الجسيم للولايات المتحدة أن تنسحب من دورها في التدخل البنّاء في العالم.
شكل جنوب السودان خيبة مأساوية فظيعة، لكن سواء تم التوصل إلى إصلاح الأوضاع أو لا، فإنه لا ينبغي لأميركا أن تتنكر لمساعيها في استعمال ثرواتها الضخمة لإحلال السلام، وفرض الاستقرار والنمو الاقتصادي في الدول المنكوبة حول العالم.
البيان