تحقيقات وتقارير

فتح ملف إزالة حديقة الشهداء(1)

حديقة خضراء ذات موقع وجمال وجاذبية حملت اسم شهداء بلادي تجاور القصر الجمهوري من ناحيته الجنوبية الغربية، مساحتها حوالي 7 آلاف متر مربع.. ولأنها كذلك فهي ذات موقع استراتيجي تميزت به عن الأخريات، فحظيت بقلوب شتى تأوي إليها يوميا بحثا عن خضرة وهواء ووجه حسن وملاذ آمن في وقت أفرغت فيه الخرطوم تماما من جمالياتها وزهورها ومائها العذب، وباتت غابات الأسمنت وهياكل المباني تزاحم كل ما هو مخضرا وفسيحا حتى غدت الخرطوم مدينة بلا محاسن وبلا فسحات يتقاسمها عامة الشعب.. تلك هي محاولة لرسم صورة مستوحاه من حديقة الشهداء قبالة القصر الجمهوري والموصوفة «دلعا» «بدرة القصر» والتي تتبع شرعا وقانونا لهيئة أوقاف ولاية الخرطوم حسبما قالت أوراقها الرسمية بعد أن خصصتها الحكومة كحديقة لهيئة الأوقاف منذ يناير 2005م. أصل الحكاية الحكاية هي أن حديقة الشهداء كانت قد أخضعت لعطاء عام بتاريخ 15/2/2016 حيث تقدمت عدة جهات، فكانت من نصيب اللواء نصر الدين محمد أحمد، بحكم أن صاحب القيمة الأكبر للإيجار الشهري بواقع 35 ألف جنيه. وعلى هذا الأساس جرت عملية التعاقدات والتسليم والتسلم بين المستأجر السابق والمستأجر الجديد، وكان ذلك بتاريخ 17/2/2016 وهذه هي أول عملية يتم فيها إيجار هذه الحديقة من خلال العطاءات، بعدها تسلمت هيئة الأوقاف قيمة إيجار الحديقة للفترة من مارس 2016 وحتى فبراير 2017 بشيكات على بنك أم درمان الوطني بقيمة إجمالية قدرها 420 ألف جنيه . مخاطبة الأوقاف ولاحقا قامت الإدارة الجديدة للحديقة بمخاطبة الأوقاف للسماح لها بإضافة بعض المباني والمنشآت والتحسينات، وهي قاعتان، الأولى كبيرة تسع 450 شخصا، والثانية تسع 250 شخصا، بالإضافة إلى مبان إدارية وثلاثة مكاتب وبوفيه و16 حماما ومظلة بمساحة 400 متر، فتمت الموافقة على هذه المنشآت الجديدة من قبل الأوقاف عبر إدارتها الهندسية وبخطاب رسمي، وذلك بعد زيارة رسمية للحديقة من قبل التيم الهندسي التابع للأوقاف وإبداء بعض الملاحظات . ثم بعد ذلك جاءت توصية مدير الإدارة الهندسية بأوقاف ولاية الخرطوم بتشييد الملحقات وتوجيه جهات الاختصاص بإكمال الإجراءات الإدارية والقانونية بحسب شروط العطاء فيما يختص بالملحقات، وتسلمت إدارة الحديقة خطابا رسميا في الخصوص موقع باسم محمد فضل الله من الإدارة الهندسية بأوقاف ولاية الخرطوم. ومن ثم اكتملت عملية التشييد للإضافات الجديدة بكلفة قدرها 800 ألف جنيه بحسب إفادات المسؤول الإداري للحديقة الأستاذ علي عثمان محمد خير للصحيفة، فتمت الموافقة على هذا المبلغ واعتماده من قبل هيئة الأوقاف وذلك بعد إضافة تكاليف المبنى الإداري، ومضت كل الأمور بشكل طبيعي إلى هذا الحد، وطيلة هذه الفترة لم تستلم فيها إدارة الحديقة كما قالت أي إشعار بالإزالة من أية جهة. بداية السيناريو في يوم الجمعة الثانية من شهر رمضان الماضي، تفاجأت إدارة الحديقة بزيارة مباغتة من السيد معتمد الخرطوم الفريق أبو شنب وأركان حربه وممثلين لوزارة التخطيط العمراني وآخرين لم تتبين هويتهم لإدارة الحديقة، فتجول الزوار داخل الحديقة ثم طرح أبو شنب عدة تساؤلات.. من شاكلة لمن تتبع هذه الحديقة؟ فتمت إحاطته بأنها تتبع لهيئة الأوقاف، وأنها مستأجرة الآن للسيد نصر الدين محمد أحمد عبر عطاء عام، وذلك طبقا لرواية الأستاذ علي عثمان المدير الإداري للحديقة في إفاداته لـ”الانتباهة”.. يوم الإزالة في 13 يوليو الماضي وفي تمام الساعة الثانية عشرة ظهرا، وبينما كانت الحديقة في هدوئها وسكونها، فجأة نهض كل من كان بداخلها من طلاب جامعات ودراسات عليا وموظفين اعتادوا قضاء أوقات طويلة داخل هذه الحديقة، فنهضوا جميعا مفجوعين ومذعورين بعد أن اقتحمت آليات الإزالة الحديقة وحطمت السور الغربي وشرعت في الهدم والتكسير.. تحرسها في سبيل تنفيذ مهمتها عربات نظامية ووكيل نيابة رفض أن يبرز لهم هويته أو اسمه ولا حتى أمر الإزالة على حد إفادة المدير الإداري بالحديقة وهو علي عثمان.. وذكر أيضا أن هذه القوة لم تمنحهم فرصة إخراج بعض الممتلكات والأثاثات من دواليب وملفات وأشياء أخرى من تحت الحطام. عنف وتخريب بالحديقة كانت عملية الإزالة تتم بشكل عنيف وعشوائي كما قالت الإدارة.. قاعة كبرى بسعة 450 شخصا وأخرى صغرى بسعة 250 شخصا أحيلت في دقائق معدودة إلى حطام وأكوام من الحديد والزنك والطوب، وحتى الكافتيريا القديمة التي يبلغ عمرها عشرات السنين تم هدمها، ولم تسلم مكونات الصرف الصحي و”الكيبولات ” و”الميني هولات” من التخريب. ويقول الأستاذ علي عثمان إن هذه القوة كادت أن تهدم المطعم الرئيس الجديد لولا اتصال هاتفي من طرف آخر مع وكيل النيابة توقفت بعده عملية الإزالة، ولكن لا أحد يعلم الجهة التي تقف خلف عملية التكسير، ولاحقا استدرك المسؤول الإداري بالحديقة أن الشخص الذي يقود عملية الإزالة اسمه المهندس عمر إسماعيل أبلغهم بأنه المسؤول عن إزالة مخالفات الشوارع، ولكن يبدو أن كل رجاءات إدارة الحديقة للمهندس عمر إسماعيل قائد هذه العملية المنفذة لأمر الإزالة بوقف عمليات التكسير لم تجد، ورفض تماما رغم إبلاغهم أن هذه الحديقة تتبع لهيئة أوقاف ولاية الخرطوم ..تلك هي رواية المسؤول الإداري للحديقة السيد علي عثمان.. حاولنا رصدها هنا بكل مهنية وموضوعية. إفادات قائد عملية الإزالة “الانتباهة” حرصت على الاتصال بالشخص الذي كان يقود “تيم” عملية الإزالة، وهو المهندس عمر إسماعيل ونقلت إليه احتجاجات واستهجان أصحاب الحديقة للكيفية التي تمت بها عملية الإزالة، فاستهل حديثه قائلا: في الحقيقة أنا حضرت إلى الحديقة وسلمت الإدارة الموجودة إنذارا مكتوبا، ووعدنا بتسليم صورة من هذا الإنذار، وهي معلومة كانت قد نفتها إدارة الحديقة بشدة. وذكر المهندس عمر أن الإزالة تمت على خلفية زيارة رسمية كان قد قام بها السيد معتمد الخرطوم الفريق أحمد عثمان أبو شنب إلى حديقة الشهداء، يرافقه فيها وزير التخطيط العمراني ومدير مخالفات المباني بولاية الخرطوم وآخرون، وهم الذين نبهونا لوجود مخالفات بحديقة الشهداء الغربية . لم يحضر أحد وبعد شهر من تسليم الإنذار، لم يحضر إلينا أحد، فأصدرنا قرار الإزالة ولم نكن نعلم أن هذه الحديقة تتبع لهيئة أوقاف ولاية الخرطوم، فيما تؤكد إفادات المسؤولين بإدارة الحديقة أنهم أبلغوا قائد هذه العملية وهو المهندس عمر إسماعيل بأن الحديقة تتبع لأوقاف الخرطوم، ولكنه رفض وقف عملية الإزالة. ويواصل المهندس عمر إسماعيل إفاداته للصحيفة: بعد أسبوع اتصل بنا الأخ موسى معاطي وهو مدير لأوقاف ولاية الخرطوم، وأبلغنا بأن هذه الحديقة تتبع لهم، وقلنا له: “لماذا لم تحضروا إلينا منذ أن وضعنا العلامات الحمراء قبل شهرين و13 يوما.!؟ نظرية المصالح والمطامع أما الإشارة المهمة التي ذكرها قائد عملية الإزالة، أنه كان ينبغي من هيئة الأوقاف أن تملك كل المستندات والوثائق التي تثبت ملكيتها للحديقة وتضعها في الإدارة حتى يتم إبرازها لأية جهة تطلبها، ولو أننا كنا نعلم بتبعية الحديقة للأوقاف لما قمنا بإزالتها.. ونفى عمر بشدة أن تكون الإزالة تمت بطريقة عشوائية أو فيها عنف أو استفزازات.. أخطر ما قاله إنهم لا يستبعدون أن تكون هناك جهات تقف خلف عملية الإزالة، وكل شيء وارد، حد قوله . وحرصا منها، سعت الصحيفة لاستجلاء كافة الحقائق من كل الأطراف، فذهبت إلى أصحاب الحق، فالتقت بالأستاذ موسى معاطي مدير الأوقاف بولاية الخرطوم، فتحدث حديثا كثيرا لكنه ليس للإعلام ولا للنشر لحاجة في نفسه كما قال.. أما السيد عصام محمد أحمد رئيس قطاع الأوقاف بالخرطوم، فقال إنه ممنوع من الحديث للإعلام بأمر من المدير العام رغم أنه رد على كل الاتهامات المثارة ضده، ولكن في النهاية أبلغنا بأن حديثه هذا ليس للنشر.. ولكننا وأثناء بحثنا عن الحقيقة، حصلنا على مستند خطير يحكي قصة استغلال النفوذ والسلطان في الاستثمار الخاص. «التشريعي» يتدخل كان المأمول أن تتوافق الجهتان المالك والمستأجر للحديقة حتى يجبر الضرر ومعرفة الجهة التي وقفت خلف عملية الإزالة.. أما المستأجر وهو السيد نصر الدين محمد أحمد، قال للصحيفة إنه كان ينتظر استجابة أو تحركا من هيئة الأوقاف لتقديم شكوى مشتركة للجهات الرسمية، إلا أنه كما أشار في إفاداته: أحس بالتراخي من الأوقاف، فقرر أن يواجه قضيته لوحده حتى تُسترد له كامل حقوقه، فتقدم خلال اليومين الماضيين بشكوى رسمية عبر مستشاره القانوني الأستاذ زهير الشيخ عثمان إلى رئيس المجلس التشريعي بولاية الخرطوم وإلى السيد وزير التخطيط العمراني بالولاية. حيث كشفت الشكوى حقيقة التجاوزات في تطبيق القانون. نواصل.. الحلقة القادمة.. ما هي أولى الخطوات التي اتخذها المجلس؟ هل صحيح أنه تم تشكيل لجنة تحقيق مع وزير التخطيط؟ ما هي حقيقة الاتهامات لرئيس قطاع أوقاف الخرطوم!؟ من هم الطامعون في الحديقة؟ ما هي حقيقة المستأجر السابق.. ومن هو الذي كان يستأجر بالباطن؟ لماذا تراخت هيئة الأوقاف لجبر الضرر لصالح المستأجر؟ أما “الوثيقة الخطرة”.. فهي بين يدي الصحيفة!!

الانتباهة