كيف غيرّ “سناب تشات” مفهوم الخصوصية في الخليج؟
شكَّل “سناب تشات” ثورة في عالم التطبيقات الحديثة. فالتطبيق الذي يتيح لك عشر ثوانٍ فقط لالتقاط الفيديو والصور، تمكَّن في فترةٍ وجيزة من السيطرة على نسبة لافتة من حضور المستخدمين في الخليج على التطبيقات الاجتماعية الحديثة.
لم يتوقف التطبيق عند مفهوم “مشاركة اللحظة” فقط، بل تجاوزها إلى “صنع اللحظة” ذاتها، فأصبح لا يستغنى عن حضوره في حياة الكثيرين، وخاصة الذين صنعوا شهرتهم عبر هذا التطبيق، فجذبوا عدداً كبيراً من المتابعين، يتجاوز المليون أحياناً، وقدموا أنفسهم كمشاهير يصنعون الرأي العام، ويتمتعون بقاعدة شعبية واسعة حازوا على ثقتها!
وتخطى “سناب تشات” مستخدميه من الفئات الشعبية، ليصل إلى كثير من المثقفين والأكاديميين الذين يقضي بعضهم على التطبيق وقتاً أكثر من ما يقضيه على التطبيقات الأخرى المعتادة. إذ استطاع التطبيق الذي انطلق لأول مرة في 2011 السيطرة على حركة الحياة السَّحابية تقريباً، واكتسح جميع طبقات المجتمع وفئاته؛ فلم يعد غريباً أن تجد طفلاً يتابع أصدقاءه وأقاربه عن طريق التطبيق، إلى جانب شخصيته المفضلة من المشاهير، بل ستجد أن من بين المشاهير من هم تحت سن الثامنة عشرة ويشغلون مساحة ملفتة من الشعبية والمتابعة.
يعاير البعض التطبيق بأنه يملك “ذاكرة سَمَكية”، فهو لا يحتفظ باليوميات التي ترفعها عليه أكثر من 24 ساعة فقط، وهذا عمر قصير جداً مقارنة ببقية التطبيقات.
“اليوتيوبر” السعودي الشهير، عمر حسين، عنون أحد يومياته المنشورة على اليوتيوب بـ”سناب تشات يدمّر حياتكم”، وعبَّر حسين عن أن الجيل الذي عرف “فيسبوك” وتعامل معه قادر على استعراض ذكرياته القديمة، إذ يحتفظ الموقع بذاكرة طويلة تسمح لك باسترجاع صورة لك قبل عشر سنوات مثلاً، بينما فكرة “التوثيق” ليست متاحة لمستخدمي “سناب تشات”. ولأن الكثيرين قد ينسون الاحتفاظ بما قاموا بتصويره خلال اليوم، فالتطبيق سيتخلص منها في اليوم التالي آلياً، وتدريجياً سيجد هؤلاء أن كمّاً كبيراً من اليوميات والذكريات تبخَّرت إلى غير رجعة.
أفاد الكاتب والمتخصص في علم الاجتماع، عبد العزيز الحيص، في حديثه إلى “العربي الجديد”، أنّ الشبكات الاجتماعية خلقت دوائر تواصل معدومة في المجال الواقعي، حيث يتم ذلك وفق طقوس متكلّفة، لكن الشبكات الاجتماعية سعت إلى تحطيم هذا التكلف، حيث تتم المخاطبة مباشرة بين الجميع.
وعزا الحيص سبب لحاق النخب الثقافية والمسؤولين بهذه الشبكات إلى أنهم “لا يريدون أن يغمرهم النسيان ويتجاهلهم التاريخ، عبر حقبته الافتراضية الجديدة”، مضيفاً أنّ “ثقافة الصورة المرحة والتفاؤل هي هوية الصاعد القوي في عالم الشبكات الاجتماعية ذات الملامح المختلفة”.
وعن “سناب تشات” تحديداً، قال إنّ ما يميزه هو “مشاركة اللحظة”، إذ سيقدم المستخدمون المحتوى الممتع واللحظات الجميلة، لكنه يشدّد على أن “لا قيمة حقيقية يقدمها التطبيق، كالقيم التي تقدّمها الأعمال الفنية أو المعرفية الحقيقية، بسبب غلبة الاستعراض والعفوية والاستعجال عليه، بالإضافة إلى تحصيل المكاسب السريعة للشهرة، في مقابل وقتٍ كثير مهدر لا يتناسب مع القيمة التي يتم تحصيلها”.
يلقى التطبيق رواجاً كبيراً في الخليج بشكل خاص، فالسعوديون يحتلون المرتبة الثانية عالمياً في الحضور على التطبيق، وأغلب المستخدمين دون الـ34 عاماً، وفقاً لتقرير أعدّه موقع “آرابيان بزنس”. أمّا الإماراتيون فيحتلون المرتبة السادسة، وفقاً لشركة الأبحاث البريطانية “غلوبال ويب إندكس”. كما أنّ 70 في المئة من مستخدمي التطبيق هم من النساء، حسب ما أكّد المدير التنفيذي للتطبيق، إيفان شبيغل.
وعمل التطبيق على نقل التواصل بين الجنسين في الخليج العربي إلى مدىً أبعد، إذ أصبح متاحاً للأجيال الجديدة التواصل بشكل آني في كافة مناحي الحياة، ورغم أن هذا التواصل أصلي وطبيعي، لكنه شكَّل قفزة كبيرة في أوساط المجتمعات التي تتحفظ في غالبها أمام أشكال التواصل العفوي بين الرجل والمرأة.
وتنوعت ردود الفعل تجاه هذه الظاهرة بين القبول الواسع لهذه التطبيقات وشعبيتها من جهة، والتحفظ بحدّة واتهام مؤسسي التطبيق بالمؤامرة ومحاولة اختراق المجتمع المحافظ من جهة أخرى. ظلت الحكومات في الخليج على الحياد، وفضّلت، غالباً، التعامل مع الوقائع التي تظهر كحالات.
وفي ظلّ ردات الفعل المتباينة وحالة الإنكار وضعف الثقافة الاجتماعية في استيعاب هذا الشكل الجديد من التواصل، أصبحت لدينا حالة نقيضة بين الجموح والرهبة في التعامل مع هذه التطبيقات، وعلى رأسها “سناب تشات”.
فأفرزت هذه الحالة ما يمكن وصفه بـ”الدوائر المغلقة” داخل هذه الشبكة الاجتماعية، وهنا فقط يتحوَّل التواصل العفوي الأصلي في المجتمع الجديد إلى حالة غير صحية، تكبر كبقع الزيت دون أن يعرف أحد مداها، خاصة مع تسجيل حالات عدّة من الاستغلال والابتزاز. وما يزيد الأمر سوءاً أنّ المتحفظين يكتفون بتوجيه الاتهامات إلى هذه التطبيقات من دون طرح حلول بديلة لواقع جديد، في الوقت الذي يرفضون فيه أيضاً دعوات إلى الحوار والمكاشفة، ليبقى هذا المجتمع الوليد يكبر في الظلام، تاركاً مصيره لتراشقات أيديولوجية روتينية على شبكات التواصل الاجتماعي.
العربي الجديد