في بلد جائع كفنزويلا الغنية بالنفط.. شراء الطعام يقود إلى السجن
ألقت الحكومة الفنزويلية القبض على ما يقارب من 9400 شخص هذا العام بتهمة خرق القوانين جراء احتكار السلع وإعادة بيع السلع المدعّمة.
المصدر: أحمد نصار – إرم نيوز
تعاني فنزويلا من مجاعة بدأت تتوسع شيئا فشيئا وتطال شرائح جديدة من المجتمع الذي زاد فيه عدد الفقراء بشكل مطرد مؤخرًا، ما دفع السلطات لاتخاذ إجراءات صارمة تجاه مُستغلي الأزمة من المحتكرين للسلع ومُسعري الأزمة.
وسلطت صحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية الضوء على المجاعة والفقر في فنزويلا، وكيف وصل بها الأمر لاعتقال من يشتري كميات كبيرة من الطعام رغم احتياطاتها الهائلة من النفط حيث تحتل المرتبة السادسة داخل أوبك بعد السعودية والعراق والإمارات والكويت وإيران.
جريمة الوقوف في الطابور قبل فتح المحل
وتبدأ عملية البحث عن الطعام في فنزويلا في الساعة الرابعة صباحًا، حيث استيقظ أليكسز كاماسكارو ليذهب ويقف في الطابور خارج المتجر، وعندما وصل وجد أن هناك 100 شخص سبقوه للمكان.
ووفقا لما قالته محامية أليكسز كاماسكارو فإن موكلها لم ينجح في الوصول إلى داخل المتجر أبدا، وعندما وصلت شاحنات القوات الفنزويلية في الظلام ألقت القبض عليه هو وما يقارب الثلاثين شخصًا، وعلى ما يبدو أنه تم اختيارهم عشوائيا من الطابور.
كامسكارو، الذي يبلغ من العمر 50 عامًا، تمّ اتهامه بانتهاك القانون بالتدخل المباشر أو غير المباشر في إنتاج أو نقل أو بيع المواد الغذائية، حيث مكث في السجن ثلاثة أشهر في انتظار انعقاد جلسة استماع.
وقالت محامية كاماسكارو وتدعى لوسيا ماتا، “ذهبت لرؤية النيابة العامة وتوضيح أنه كان ذاهبًا فقط لشراء بعض الطعام لعائلته وأنه لا يشتري الطعام الذي تدعمه الحكومة ليبيعه في السوق السوداء”.
تم القبض على كاماسكارو في حملة جديدة لفرض النظام على المتسوقين الفنزويليين كجزء من محاولة الرئيس نيكولاس مادورو للسيطرة بشكل أكبر على توزيع الأغذية واستهلاكها. ويُلقي مادورو باللوم على الحرب الاقتصادية التي يشنها أعداؤه الخارجيون وقادة المعارضة وأصحاب الأعمال وعصابات التهريب التي يحملها مسؤولية النقص الزمن في المؤن ببلده الغني بالنفط.
ويعزى العديد من الاقتصاديين هذا النقص في المواد الغذائية إلى عوامل أبسط وأقل تآمرية ألا وهي التحكم في الأسعار والقيود الكثيرة التي فرضتها الحكومة والتي أدت إلى إعاقة الإنتاج المحلي وجعلت الفنزويليين أكثر اعتمادًا على الأغذية المستوردة، وقد أدّى تراجع أسعار النفط إلى قلة العملة الصعبة اللازمة للاستيراد مما جعل أرفف المتاجر الكبيرة خاوية.
جريمة شراء الأرز وورق المرحاض ومزيل العرق
وقد اندلعت العديد من أعمال الشغب بسبب قلة الطعام في العديد من المدن الفنزويلية هذا العام، وواجه مادورو احتجاجات صاخبة في الأسابيع القليلة الماضية. وفي شهر يوليو أعطى الرئيس الفنزويلي سلطات واسعة لوزير الدفاع وذلك لمراقبة برنامج الحكومة الخاص بالتحكم في الأسعار والقوانين الخاصة بالاستهلاك ويتضمن ذلك ماسحات بصمات الأصابع والتي تستخدمها الحكومة لضمان عدم تجاوز المتسوقين الفنزويليين لحد الشراء الأقصى.
ويبدو أن خطة الإنقاذ الاقتصادية قد اجتاحت عددًا كبيرًا من المتسوقين العاديين أغلبهم من الفقراء.
وفي بلد تبلغ فيه نسبة جرائم القتل معدلات عالية وغالبًا ما تُترك حوادث سرقة السيارات والسلب والخطف بدون عقاب، ألقت الحكومة الفنزويلية القبض على ما يقارب 9400 شخص هذا العام بتهمة خرق قوانين احتكار السلع وإعادة بيع السلع المدعّمة ومحاولة الوقوف أمام المتاجر في غير ساعات العمل الاعتيادية، وذلك وفقًا لما ذكرته منظمة حقوق الإنسان الفنزويلية “حركة فينوتينو”.
وقد تم اقتياد العديد من المواطنين إلى السجن من قبَل القوات الفنزويلية الموكلة بمراقبة الطرق والطوابير الطويلة التي تمتد خارج المتاجر الكبيرة.
وعادة ما تبدأ هذه الطوابير عندما يزداد الطلب على سلعة ما أو عندما تصل الأغذية المدعومة مثل الذرة والسكر وتعتبر هذا البضائع من بين البضائع القليلة الأساسية التي مازالت متاحة بالعملة المحلية البوليفار والتي تقل قيمتها بشكل مستمر في جميع أنحاء البلاد. أما باقي السلع في المتاجر والتي لا تخضع للتسعيرة الجبرية غالبا ما تكون متوفرة ولكنها بعيدة عن متناول معظم العائلات الفنزويلية.
وبحسب ماورد في التقارير الإخبارية يبدو أن عمليات الاعتقال في تزايد مستمر، حيث تم اعتقال 3800 شخص في عطلة نهاية الأسبوع في يوليو في مدينة باركيسيميتو والتي تقع غرب كاراكاس وذلك لانتظارهم ليلا أمام المتاجر الكبرى.
وبدأت الحملة بمرسوم مادورو لعام 2014 بقانون الأسعار العادلة، والذي يهدف إلى معاقبة الأعمال التي تزعزع استقرار الاقتصاد الفنزويلي، ولكن القليل من توقّع من الحكومة تطبيق هذا القانون على المستهلكين العاديين.
وقالت كلارا راميريز وهي محامية في ولاية تاشيرا الواقعة على طول الحدود مع كولومبيا بأنه “منذ بداية العام وُكّلت عن ستة مواطنين تمّ اتهامهم بشراء البضائع لبيعها في السوق السوداء وكلهم أناس عاديون رجال ونساء مع عائلاتهم يبحثون عن الطعام لإطعام صغارهم”.
وأضافت راميريز بأنه عادة ما يُفرج عن موكليها بعد أيام قليلة، ولكن في بلد يمثّل نصف نزلاء السجون فيها أشخاص ينتظرون نظر القضاء في أوراقهم، يضطر هؤلاء الأشخاص إلى الانتظار في السجن للعديد من الأسابيع أو الشهور.
وبعض ممن تم القبض عليهم في الحملة الأمنية اتهموا بحيازة بضائع من دون فواتير شراء أو بكيفية حصولهم على كميات زائدة من سلع مثل الأرز وورق المرحاض ومزيل العرق، والبعض الآخر تم اتهامه بحيازة ما اعتبره الجنود أموالا مشكوكا فيها، والبعض الآخر مثل كاماسكارو لم يتم التأكد من تهمته.
وتم القبض على رايمار تونا ذات الـ 34 عامًا يوم الجمعة من شهر مايو بينما كانت تنتظر لشراء حفاضات لطفلها.
وقد جذبها جندي من الحرس الوطني من طابور أمام أحد المتاجر، حيث قام بتفتيش حقيبتها وعثر بداخلها على مبلغ 10 آلاف بوليفار فنزويلي، وقالت السيدة بأنه في الماضي كان هذا مبلغًا كبيرًا لكن الآن وبعد أن أصبحت فنزويلا تمتلك أعلى معدلات التضخم في العالم، أصبحت أوراقها النقدية تساوي ما قيمته 10 دولارات أمريكية.
وأضافت تونا: “كان هذا راتبي لمدة أسبوعين كموظفة استقبال في إحدى العيادات الطبية، وتم اتهامي ببيع أماكن شاغرة في الطابور”.
وبعد قضائها للعطلة الأسبوعية في السجن علّقت تونا بأنها دافعت عن نفسها وتم الإفراج عنها.
وقد نص مرسوم مادورو على أنه قد تصل الأحكام إلى السجن لمدة 14 عامًا لتجار السوق السوداء، وكان قد أعلن في يونيو بأنه أنشأ سجنًا خاصًا حيث سيقوم بحبس كل المسؤولين عن جرائم احتكار السلع.
ووفقا لخبيرة الاقتصاد الفنزويلية ساري ليفي فإن نصف القوة العاملة في فنزويلا تعتمد في دخلها على التجارة بالسوق السوداء وبيع الطعام والجمع بين وظيفتين او بيع البضائع في الشوارع مع معدل تضخم سنوي يقدّر بنحو 700 بالمئة. وعلّقت بقولها، “من الطبيعي أن تصبح الوظائف العادية غير مرغوبة فالناس سيبيعون أي شيء للحصول على الأموال”.
أرم نيوز