من هي الفئة الأكثر قابلية للتجنيد لصالح “داعش” بأمريكا؟
نشرت صحيفة “نيويورك تايمز” تقريرا لكل من سكوت شين، ورتشارد بيريز- بينا، وأورلين بريدنت، حول الشباب الذين يعيشون في أمريكا من أبناء عائلات المهاجرين، الذين يشعرون بالضياع أو الرفض، وهم غاضبون على الحروب الأمريكية، ثم يقابلون على الإنترنت من يعملون في التجنيد لصالح تنظيم القاعدة أو تنظيم الدولة، الذين يقولون لهم إن ولاءهم الأول يجب أن يكون للإسلام وليس لبلدهم، ثم يقوم هؤلاء الشباب بعد ذلك بالتخطيط لأعمال عنف كبيرة وتنفيذها.
ويشير التقرير، الذي ترجمته “عربي21″، إلى أن هذه الصورة تنطبق تقريبا على المتهمين بارتكاب تفجيرات نيويورك، ونيو جيرسي، وحالات الطعن في سوق في منيسوتا في عطلة نهاية الأسبوع الماضي، بالإضافة إلى هجوم ماراثون بوسطن عام 2013، وسان برناردينو في كاليفورنيا في 2015، وأورلاندو في فلوريدا في شهر حزيران/ يونيو، وكذلك الهجمات الإرهابية في باريس وبروكسل.
ويذكر الكتّاب أن معين التجنيد لتنظيم القاعدة وتنظيم الدولة يتضمن من يسميهم علماء النفس “المحيَّرون” (بتشديد الياء وفتحها)، وهم الشباب الذين لم تتشكل شخصيتهم بعد، وتشككهم يجعلهم أكثر عرضة للانجذاب لمثل هذه التنظيمات، بحسب عالم النفس القضائي، والأستاذ في جامعة كاليفورنيا في سان دياغو، جي ريد ميلوي، الذي يقول إن ذلك “يسمح للشخص بأن يربط هويته بشيء أكبر، وهذا يضخم من شعوره تجاه نفسه”.
وتبين الصحيفة أنه يمكن لحالة المحيَّرين أن تكون حادة، خاصة بالنسبة لذوي جذور الهجرة الحديثة، لافتة إلى أن الحياة داخل ثقافتين في آن واحد قد تكون مثرية بالنسبة لمعظم الناس، لكنها مقلقة لآخرين، بحسب ما قاله مدير برنامج التطرف في جامعة جورج واشنطن لورينزو فيدينو، الذي يقول إنه بالنسبة لبعض المهاجرين المسلمين فإن “لديك رسالة في البيت، وهي رسالة محافظة، ورسالة أخرى مختلفة تماما من المجتمع حولك خلال فترة نشأتك”.
ويلفت التقرير إلى أن القصة الكاملة لأحمد خان رحامي (28 عاما)، الأمريكي من أصل أفغاني، والمتهم بزراعة قنبلتي مانهاتن ونيو جيرسي، لا تزال غير معروفة بعد، مستدركا بان اعتقاله عام 2014 في عملية طعن؛ بسبب خلاف عائلي، يشير إلى هوية شاب ضائع، بالإضافة إلى أن خربشته في دفتر المذكرات لأسماء أسامة بن لادن، وأبي محمد العدناني، وأنور العولقي، تعكس تبنيا كاملا للجهادية.
ويورد الكتّاب أن المهاجر الشيشاني، والأخ الأكبر لمفجري ماراثون بوسطن، تامرلان تسارنائف، تحول إلى التطرف بعد أن فقد الأمل في مستقبله في عالم الملاكمة، حيث كان عمره 26 عاما، عندما وقع الهجوم، مشيرين إلى أن عمر متين، وهو ابن مهاجر أفغاني، يحمل آراء سياسية قوية، وكان عمره 29 عاما عندما فتح النار في ناد ليلي في أورلاندو، وقتل 49 شخصا، وكان قد فصل من التدريب في عمله حارسا في شركة أمنية، بعد أن قال أشياء مقلقة تتعلق بالأسلحة، وانتهى به الأمر بأن عمل حارسا أمنيا مع شركة خاصة.
وتفيد الصحيفة بأن سيد رضوان فاروق (28 عاما)، المولود في شيكاغو لعائلة هاجرت من باكستان، عمل مفتشا صحيا، لكنه قضى سنوات طويلة يبحث عن رفيقة حياته، قبل أن يلتقي بتاشفين مالك على الإنترنت، ويتزوجها في السعودية، وقاما معا بمهاجمة مأدبة غداء يحضرها زملاء فاروق، وقتلا 14 شخصا.
وينقل التقرير عن مدير برنامج الأمن في أمريكا الجديدة “مؤسسة أبحاث” بيتر بيرغن، قوله: “عندما تتعمق في هذه الأحداث تجد أن السؤال (لماذا) سؤال معقد جدا”، ويضيف أن خيبة الأمل الشخصية، والشعور بالتمييز والغضب تجاه سياسات أمريكا الخارجية، والرغبة في الظهور بمظهر البطولة، كلها عوامل تؤدي دورا، بالإضافة إلى الفكر الجهادي، ويتابع بيرغن قائلا: “كثير منهم يحملون مظالمهم ويلبسونها زي الإسلام”.
ويجد الكتّاب أن “هذا الأمر أصبح سهلا في عصر الإنترنت، فالمهاجمون في سان برناردينو وأورلاندو ونيويورك، أبدوا تأييدهم لتنظيم الدولة، وكان هؤلاء ومفجرو بوسطن من محبي أعمال العولقي، الذي قتل في غارة نفذتها طائرة أمريكية دون طيار عام 2011، ولا تزال له شعبية على الإنترنت، وهو يقول إن على المسلمين في الغرب رفض حتى أكثر الجيران غير المسلمين لطفا، وكتب رحامي في دفتر المذكرات أن (الشيخ أنور)، وأبا محمد العدناني، من تنظيم الدولة، قالا بوضوح: (هاجموا الكفار.. في عقر دارهم)”.
وتورد الصحيفة نقلا عن عالم الاجتماع في كلية الدراسات العليا في العلوم الاجتماعية في باريس، ومؤلف كتاب “التطرف”، فرهد خوسروخافار، قوله إن المسلمين في أوروبا أكثر مما هو الحال في أمريكا يشعرون أنهم “مرفوضون” من المجتمع الأوسع، ويضيف أنه كثيرا ما رأى خلال بحثه أشخاصا لم يشعروا بأنهم فرنسيون ولا عرب.
ويواصل خوسروخافار قائلا: “يلامون في فرنسا لأنهم ليسوا فرنسيين بما فيه الكفاية، وعندما يزورون بلاد آبائهم الأصلية يلامون لأنهم ليسوا عربا بما فيه الكفاية، وقد يدفعهم هذا الحرمان المزدوج إلى الالتزام بصيغة متطرفة من الإسلام، بصفته شريان حياة”، مشيرا إلى أن منطقهم يصبح هو الآتي: “لأني لست فرنسيا ولا عربيا، ولست أمريكيا ولا أفغانيا .. أنا مسلم، ولتذهبوا أنتم جميعا إلى الجحيم”، بحسب التقرير.
ويجد التقرير أن جذور التطرف هذه لا تجعل من المهاجرين بشكل عام خطرا، حيث إن نسبة الجريمة بين المهاجرين في أمريكا أقل من نسبتها عند غيرهم من الأمريكيين، لافتا إلى أن المتحولين للإسلام يشكلون النسبة الأكبر بين الأمريكيين والأوروبيين الذي ينجذبون نحو التطرف، بالإضافة إلى أن المعتقدات الأخرى تتسبب بالعنف الجماعي، كما كان الحال بالنسبة لدايلان روف (21 عاما)، الذي جرح 9 أشخاص سود جروحا بالغة في كنيسة تشارليستون، باسم تفوق العرق الأبيض، ويقول المتخصص النفسي ميلوي: “محتوى العقيدة أمر ثانوي، والأهم هو التآلف (مع فكر ما) والولع به”.
ويستدرك الكتّاب بأن الجماعات الإرهابية “الإسلامية” تستهدف مخاوف محددة لدى المسلمين الغربيين من أصول مهاجرة، بحيث نطرح التجنيد كأنه اختبار ولاء للدين، وتدعو المؤيدين إلى نبذ المجتمعات التي يعيشون فيها، وتبني الولاء للأمة، وتقول لهم إن الغرب في حرب مع الإسلام، وعليكم القيام بضربه للدفاع عن المسلمين.
وتنوه الصحيفة إلى أن هذه الرسالة طرحها العولقي بقوة، حيث كان إماما في ثلاثة مساجد في أمريكا، وعاش في بريطانيا، ويعرف مخاوف المسلمين في الغرب، وكان قد ابتدأ منذ انضمامه لتنظيم القاعدة ببذل الجهد لتوسيع الهوة بين المسلمين الذين يعيشون في الغرب وجيرانهم من غير المسلمين، ففي محاضرة له في لندن عام 2003، قال العولقي: “الدرس المهم هنا هو ألا نثق أبدا بالكفار.. وقد تقول إن جارك إنسان طيب، وأبناء فصلي لطفاء، أو زملائي في العمل رائعون، لكن لا يمكن الاعتماد على غير المسلمين هؤلاء”، مشيرة إلى أن المحاضرة مسجلة في فيديو معروض على “يوتيوب”، ولا يزال رائجا حتى الآن.
وبحسب التقرير، فإن العولقي عندما انتقل إلى اليمن بعد ذلك، لم يتحدث فقط عن مقاطعة غير المسلمين، بل تحدث عن مهاجمتهم، ففي فيديو له عام 2010 يقول: “للمسلمين في أمريكا أقول: كيف يسمح لك ضميركم بالعيش السلمي مع شعب مسؤول عن الاستبداد والجرائم التي ترتكب ضد إخوانكم وأخواتكم؟.. كيف يمكن لكم الولاء لحكومة تقود الحرب ضد الإسلام والمسلمين؟”.
ويشير الكتّاب إلى أنه بحسب إحصائية من مشروع مكافحة التطرف في واشنطن، فإن العولقي تسبب في استقطاب 88 متطرفا، بينهم 54 في أمريكا، و34 في أوروبا، لافتين إلى أن معظم هؤلاء المجندين هم من أبناء المهاجرين، ويقول الأستاذ في المعهد الجامعي الأوروبي في فلورنس في إيطاليا، ومؤلف كتاب “الإسلام المعولم” أوليفر روي، إن أبحاثه أظهرت أن 65% من المتطرفين في فرنسا وبلجيكا هم من هذا الجيل الثاني.
وتختم “نيويورك تايمز” تقريرها بالإشارة إلى قول روي: “هؤلاء الشباب انفصلوا عن والديهم، الذين يلومونهم لأسباب كثيرة، مثل ممارسة الإسلام الخاطئ، ولجلبهم للغرب، ولفشلهم في الحياة”، وأشار إلى أن رحامي كان قد تصادم مع والده، بحسب التقارير، وأضاف أن هناك بعض الجهاديين من الجيل الثالث، أي من أحفاد المهاجرين.
عربي 21