حكمدار السودان..!!
انتقلت الدهشة بين أعيننا في عربة القطار الفخمة التي كانت تقلنا.. سبب دهشة وفدنا الصحفي الزائر لتركيا أن القطار السريع تحرك في موعده بالثانية لا بالدقيقة.. السرعة التي يتحرك بها القطار السريع (250) كلم في الساعة ..المترجم السوداني المرافق لوفدنا فضّل العودة بالقطار للعاصمة أنقرة من ولاية كونيا.. لأن خيار القطار يجعله يصل في نصف الزمن مقارنة بالسيارة الخاصة.. شبكة القطارات تغطي كامل التراب التركي.. ثلاثة جسور تربط الجزء الآسيوي بالشطر الأوربي من إستنبول ..الجسور على بحار وخلجان مالحة وفوق ذلك نفق من تحت الماء يؤدي ذات المهمة.
معظم النهضة التركية حدثت خلال خمسة عشر عاماً هي سنوات حكم حزب العدالة والتنمية.. خلال هذه السنوات ضاعف الحزب الراشد الناتج الإجمالي التركي من (230) مليار دولار إلى أكثر من سبعمائة مليار.. تركيا الآن تجلس في المقعد السابع لأفضل الاقتصاديات في أوربا.. على المستوى العالمي يصنف الاقتصاد التركي في المرتبة السادسة عشرة.. حينما حاول العسكر سرقة السلطة خرج الشعب إلى الشوارع لحماية الإنجازات الماثلة أمام أعينه.
نحن الآن وبعد ستين عاماً من الاستقلال نتجادل عن كيف يحكم بلدنا.. لم نتمكن من تداول السلطة سلماً لا على مستوى الدولة ولا حتى المؤسسات الحزبية.. صادراتنا لا تغطي إلا ثلث ما نحتاجه من واردات ..بلادنا في أجزاء واسعة مثقلة بفواتير الحروب.. كلما ظهرت قائمة دولية نمعن النظر إلى أسفل القائمة ولا يخيب التوقع إلا في حالات نادرة.
أتاحت لنا زيارتنا هذه الحديث إلى أكثر من مسؤول تركي بارز في الحزب والدولة والبرلمان والجامعات.. كل هؤلاء متعاطفون مع بلادنا بعضهم يشدهم التاريخ وآخرون تدفعهم أشواق الإسلاميين ومجموعة تنظر إلى بلدنا باعتبارها أرض مكتنزة بالخيرات. الأتراك مستعدون لزراعة اثنين مليون فدان من أراضينا البكر.. توقعاتهم أن عائد هذه الأرض المزروعة يصل إلى تخوم الخمسة مليارات دولار.. وصفتهم في الإصلاح الاعتماد الكامل على القطاع الخاص وأن تكتفي الحكومة بدور المنظم.
تركيا قبل سنوات كانت في مثل وضعنا.. تضخم جامح يحتاج إلى شطب أصفار من الليرة التركية.. حكم سياسي غير مستقر ينتاشه الجيش التركي من وقت لآخر.. هنالك أمل في الخروج من النفق المظلم.. محاولة نقل التجربة عبر زيارات الوفود السودانية فشلت تماماً.. حدثنا مسؤول في السفارة أنهم استقبلوا في وقت سابق حتى عمال البساتين.. رغم ذلك ما زال البون شاسعاً ما بين أنقرة والخرطوم .
في تقديري.. علينا التفكير في استيراد كادر بشري تركي لمساعدتنا في الخروج من عنق الزجاجة.. الأتراك جاهزون لمدنا بخبراء في كافة المجالات.. بإمكان الخرطوم (تتريك) منصب وكيل وزارة الزراعة.. الجزء السياسي والسيادي من الوزارة يكون حكراً على السودانيين..النهضة التركية قامت على الزراعة.. لديهم اختراقات جيدة في مجال الصحة جعلت بلدهم تستقبل مرضى من أوربا يساعدهم في ذلك انخفاض تكاليف العلاج مع جودة في المنتج الطبي.
بصراحة.. أنشتاين يقول إذا خضت التجربة أكثر من مرة بذات المدخلات فستحصد ذات الفشل.. علينا أن نفكر بمنطق أن السودان شركة كبيرة تتعرض إلى خسائر فادحة أو سفينة بين الأمواج وتواجه مخاطر الغرق.. لهذا الحل يجب أن يكون عبقرياً.. من حسن حظنا هنالك أصدقاء يسعون لمساعدتنا.
اخر لحظة