«الخوذة البيضاء».. أخطر وظيفة في العالم تُغضب «الأسد»!
تعدى عدد قتلى النزاع السوري منذ انطلاقه في مارس (آذار) 2011، 300 ألف شخص، ولكن هذا العدد كان من الممكن أن يضاف عليه عشرات الآلاف من الضحايا الجدد، لولا المجهودات الإغاثية، لمتطوعي «الخوذ البيضاء»!
أخطر عمل في أخطر مكان في العالم
تحت شعار «ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعًا» يتطوع نحو 3 آلاف سوري من فئات عُمرية واجتماعية مختلفة في صفوف الدفاع المدني السوري أو ما يُسمى بـ«الخوذ البيضاء»؛ لإنقاذ الأحياء من تحت أنقاض الدمار في سوريا. يتطوع في فريق الخوذ البيضاء مهندسون وصيادلة وخبازون وخياطون ودهانون ونجارون وطلبة وآخرون من مختلف أطياف المجتمعة، اتخذوا من الخوذ البيضاء فوق رؤوسهم علامة مميزة لهم.
بدأت فكرة عمل الفريق، في حلب وبعض المناطق السورية مع نهايات عام 2012 وبدايات عام 2013، مع تكثيف النظام السوري، إسقاطه للبراميل المتفجرة على الأحياء والمدن السورية، التي تخضع لسيطرة الفصائل المعارضة، وتطوع مجموعة من السوريين بشكل شبه عشوائي في محاولة إنقاذ من هم تحت الأنقاض، قبل أن يجتمع هؤلاء المتطوعين تحت فريق «الخوذ البيضاء» بشكل أكثر تنظيمًا، يشمل نظامًا إداريًا، وتدريب يتلقاه المتطوعون في الفريق، ذلك بالإضافة إلى دعم مادي من دول كأمريكا وبريطانيا وألمانيا وهولندا والدنمارك واليابان.
وانتقلت مجموعات من المتطوعين، إلى تركيا، وذهبوا إلى مراكز تدريب هناك، حيث تلقوا تدريبات على التقنيات الأساسية للبحث والإنقاذ، وعملوا في البداية على معدات بسيطة وأدوات يدوية وصافرات إنذار، وكلما زاد التمويل، تمكنوا من العمل على سيارات الاسعاف وأدوات إطفاء، وأجهزة الصدمات الكهربائية وغيرها من الأدوات الأكثر تطورًا، ويفتح الفريق أبوابه للحصول على تبرعات تُساعده في أعماله الإغاثية.
أسعار الأدوات الإغاثية التي يستخدمها فريق «الخوذ البيضاء»
وبعد مرور أكثر من خمس سنوات على بدء النزاع السوري، أصبح للفريق 120 مركزًا، موزعين على ثمانية محافظات سورية تحت سيطرة الفصائل المعارضة، ويدير فريق الخوذ البيضاء رائد الصالح الذي يقول «إن السوريين يقتلون يوميًا بمختلف أنواع الأسلحة ، ولكن أكثر الأسلحة فتكًا هي البراميل المتفجرة بسبب طبيعتها العشوائية»، ويؤكد حيادية عمل الفريق، الذي يُخاطر بحياته «لمساعدة أي شخص بحاجة للمساعدة بغض النظر عن انتمائه الديني أو السياسي» بحسب موقع الفريق.
ويبدأ عمل متطوعي الخوذ البيضاء مع إسقاط طائرات النظام وحلفائه للقنابل والبراميل المتفجرة على المدن والأحياء السورية، فيتتبع الفريق مواقع القصف، ليقتحموا هم سحب الأتربة البيضاء الذي خلفها القصف، محاولين إنقاذ الأحياء تحت الأنقاض، وانتشال الضحايا من بين الأسقف والحديد والأعمدة الخرسانية المُدمرة، بعدما هُدمت منازلهم فوق رؤوسهم، لتتساوى بالأرض، وهو أمر يحدث يوميًا عشرات المرات، إذ يُفيد موقع فريق «الخوذ البيضاء» بوقوع أكثر من 50 قذيفة هاون يوميًا على الأحياء السورية.
«الشعور بمساعدة الناس لا يمكن وصفه بكلمات؛ فعندما ترى طفلًا أو شيخًا لا يزال حيًّا تحت الحطام وينظر في عينيك نظرة أمل لتساعده، هذا الشعور لا يضاهيه شيء» هكذا يوصف عبده البطار شعوره أثناء عمله متطوعًا في الخوذ البيضاء، ولكن في المقابل يتحدث، عمار السلمو(32 سنة)-مدرس سابق ويترأس حاليًا أحد وحدات الخوذ البيضاء- عن شعور أقسى، قائلًا «أسوأ شيء في عملي هذا: هو مشاهدة الناس وهم يموتون في سيارات الإسعاف. ولا يفعلون شيئا سوى الإمساك بيدي والتعلق بي، وفي أنفاسهم الأخيرة يجذبونني من شعري، أو من قميصي كما لو أن ما يفعلونه سينقذهم من الموت».
ولا يتوقف المنضمون إلى فريق الخوذ البيضاء على المتطوعين الذكور فقط، فمع بداية العام الجاري انضم للفريق 78 متطوعة، بعدما دُرّبن في الرعاية الطبية وعمليات البحث والانقاذ الخفيفة. ويشير موقع الفريق إلى أنهن يمثلن –في بعض الأحيان- «الأمل الوحيد للنساء والفتيات الأخريات العالقات تحت الأنقاض». موضحًا «الناس في أكثر المجتمعات المحافظة في سوريا منعوا المتطوعين الذكور من إنقاذ النساء والفتيات – لكن النساء تدخلن لمساعدة اللواتي لم يتم إنقاذهن بطريقة أخرى».
ولا يقتصر دور فريق الخوذ البيضاء على إنقاذ الأحياء من تحت الأنقاض فقط، وإنما يمتد لتقديم خدمات عامة إلى حوالي 7 مليون شخص، تشمل على سبيل المثال «إعادة توصيل الكابلات الكهربائية، وتوفير معلومات السلامة للأطفال وتأمين المباني»
فريق «الخوذ البيضاء» ينقذ أكثر من 62 ألف ويُغضب الأسد وروسيا!
خلال عمل الفريق خلال السنوات الماضية، تمكن من إنقاذ حياة 62 ألف شخص، من خلال أعمالهم الإغاثية، وفي المقابل، قُتل 145 شخصًا من أعضاء الفريق، وأصيب حوالي 400 آخرين خلال عملهم الذي يعرض حياتهم لخطر الموت.
وتقول مجلة الإيكونوميست البريطانية في تقرير لها عن الفريق-نشرته الإثنين الماضي- «إن الكثيرين يرون في أصحاب الخوذ البيضاء حلاً طويل الأمد لدمار البلد، باعتبارها قوة مدنية مدربة جيدًا وذائعة الصيت ويمكن أن تتوسع بسرعة لإعادة بناء البلد بمجرد انتهاء الحرب».
وأشارت المجلة البريطانية أيضًا في تقريرها الذي جاء تحت عنوان « أبطال سوريا: صعود أصحاب الخوذ البيضاء في سوريا» إلى أن نجاح فريق الخوذ البيضاء، «أثار غضب النظام الروسي وروسيا، لذلك دمرت الغارات السورية والروسية ثلاثة مراكز من الأربعة التابعة لوحدة الإنقاذ في شرق حلب في يوم واحد» عقب انهيار الهدنة الروسية الأمريكية لوقف إطلاق النار في 19 سبتمبر (أيلول) الماضي.
الترشح لجائزة نوبل للسلام والحصول على بديلتها
كان فريق «الخوذ البيضاء» قد ترشح لنيل جائزة نويل للسلام للعام الجاري، ودعمهم آلاف الأشخاص، و126 منظمة حول العالم، وبالإضافة إلى تقرير مجلة الإيكونميست عن الفريق، فقد غطى غلاف مجلة تايم الأمريكية صورة لعدد من متطوعي الفريق، وكُتب عليه «من أحياها فكأنما أحيا الناس جميعًا» ، فيما دعمت صحيفة الجارديان البريطانية الفريق، عندما جاء مقال لهيئة تحرير الصحيفة تحت عنوان «امنحوا جائزة نوبل لفريق الخوذ البيضاء في سوريا».
وفي النهاية حصل الرئيس الكولمبي خوان مانويل سانتوس على جائزة نوبل للسلام، وأعرب رياض صالح -مدير الفريق- عن سعادته «بأن ثمة بلدًا آخر انتهت فيه الحرب، وهذا يمنحنا أملا في أن يكون دورنا لانتهاء الحرب عندنا في المستقبل» لافتًا إلى أن أفضل جائزة يحصل عليها متطوعو المنظمة تتمثل في «إنقاذ حياة إنسان، وهذا الإنجاز يغنينا عن كل الجوائز الأخرى».
ويأمل الفريق في الحصول من داعميه على القيمة المادية لجائزة نوبل والبالغة مليون دولار، لدعم الأعمال الإغاثية للفريق، وبالرغم من فشل الفريق في الحصول على جائزة نوبل للسلام، ففي شهر سبتمبر (أيلول) الماضي، منحت المنظمة السويدية الخاصة «رايت لايفليهود» جائزتها السنوية لحقوق الإنسان -والتي تعد بمثابة«نوبل بديلة»- إلى فريق الخوذ البيضاء، مُشيدة بـ«شجاعتهم الاستثنائية وتعاطفهم والتزامهم الإنساني لإنقاذ المدنيين من الدمار الذي تسببه الحرب الأهلية».
ساسة بوست