التبعات المحتملة لاغتيال المسؤول العسكري الرفيع «عادل رجائي»
في الساعات الأولى من صباح السبت الماضي، أعلنت حركة تطلق على نفسها اسم «لواء الثورة»، مسؤوليتها عن اغتيال العميد أركان حرب عادل رجائي – قائد الفرقة التاسعة مدرعات – في واقعة غير مسبوقة بالنسبة للجيش المصري منذ عدة سنوات، وهو ما أثار التساؤلات حول تبعاتها المحتملة، وإمكانية أن يعقب الحادثة اتخاذ إجراءات استثنائية ضد المعارضين.
تفاصيل حادثة الاغتيال
كان رجائي متوجهًا إلى سيارته الخاصة الكائنة أمام منزله بمدينة العبور بمحافظة القليوبية قبل أن يُطلق مجموعة مسلحين النار عليه هو وحراسه قبل أن يدخل السيارة، مما أدى لمقتله هو وسائقة، وإصابة أحد أفراد حراسته، بحسب ما أفادت به زوجته، سامية زين العابدين، لصحيفة الأهرام المصرية.
وأعلنت حركة «لواء الثورة» في حساب لها على موقع التواصل الاجتماعي «تويتر» مسؤوليتها عن اغتيال رجائي، وأفادت بأنها استولت على سلاحه الآلي، قبل مغادرة أفرادها موقع الحادث، ونشرت صورة قالت إنها لسلاحه، وقالت في بيانها إنها ستبث مقطعًا مصورًا للعملية، التي «تمثل باكورة ضربات جيش الانقلاب ولن تكون الأخيرة» بحسب بيان الحركة، الذي حمل تهديدات بتنفيذ عمليات مماثلة في الفترة القادمة.
ولا تعد عملية اغتيال رجائي هي العملية الأولى لحركة «لواء الثورة»، ففي 21 أغسطس (آب) الماضي، تبنّت حركة لواء الثورة هجومًا على كمين العجيزي بمدينة السادات التابعة لمحافظة المنوفية، أسفر عن مقتل شرطيين وإصابة خمسة آخرين بينهم مدنيان.
من هو العميد رجائي؟
ويُعد العميد رجائي أرفع قائد عسكري يُغتال منذ أحداث الثالث من يوليو (تموز) 2013، وأفادت تقارير إعلامية بأن العميد رجائي عمل لفترة في شمال سيناء، وكان مسؤولًا عن عملية هدم الأنفاق على الحدود المصرية مع قطاع غزة.
«إن رجائي اغتيل بسبب دوره في سيناء، ونجاحه في المهمات التي كُلف بها، سواء في مواجهة الجماعات «اﻹرهابية»، أو هدم اﻷنفاق»، هكذا اعتقد مصدر أمني رفيع المستوى في تصريحات له أدلى بها لصحيفة هآرتس الاسرائيلية، التي عنونت تقريرها عن الحادثة بـ«اغتيال جنرال مصري بالقاهرة قاد عمليات مكافحة الإرهاب في سيناء».
وتُعد الفرقة التاسعة مدرعات، التي كان يترأسها رجائي، إحدى فرق المنطقة المركزية العسكرية المصرية، وهي مسؤولة عن تأمين المنطقة المركزية، والتي تشمل سبع محافظات من بينها العاصمة المصرية القاهرة، بالإضافة إلى محافظات: الجيزة، والقليوبية، والمنوفية، والفيوم، والمنيا، وبني سويف، وتشمل مهامها حماية المنشآت الحيوية بالعاصمة والمحافظات، بما يتضمن تأمين السفارات ومديريات الأمن، ومقار الوزارات والمنشآت الحكومية، وأمنّت الفرقة انتخابات مجلسي الشعب والشورى في المحافظات سالفة الذكر، كما أُوكلت للفرقة مهام تأمين تظاهرات 30 يونيو (حزيران) 2013، و كان رجائي أحد قادة الفرقة آنذاك، قبل أن يترقى ويصبح القائد العام لها.
الإجراءات الاستثنائية «عسكرة المحاكمات»
وعقب حادثة اغتيال رجائي، دعا الإعلامي أحمد موسى، المؤيد للنظام المصري والقريب من الأجهزة الأمنية، لعسكرة جميع المحاكمات، وأطلق من خلال برنامج «على مسؤوليتي» الذي يٌقدمه على قناة صدى البلد هاشتاج «#نعم_للمحاكمات_العسكرية» وجدد دعوته بإعدام من وصفهم بـ«الإرهابيين» بدلًا من القبض عليهم، واعتبر أن المحاكمات العسكرية هي الحل، والقضاء العسكري هو «الناجز»، في مقابل القضاء المدني الذي أبدى احترامه له، واعتراضه على القوانين «الفاشلة، والعاجزة، والبدائية، والبالية، والعقيمة، والضعيفة»، على حد تعبير موسى، الذي أضاف: «قوانين متجيبلناش حقوقنا، تترمي كلها».
وتعيد تلك التصريحات الأذهان، إلى ما قاله الرئيس عبد الفتاح السيسي، في جنازة النائب العام هشام بركات عقب اغتياله، عندما قال في 30 يونيو (حزيران) 2015 إن: «يد العدالة الناجزة مغلولة بالقوانين التي يجب أن تعدل لمجابهة التطورات التي تحدث»، وعقب حادثة الاغتيال مباشرةً، وفي مطلع شهر يوليو (تموز) وافق مجلس الوزراء على مشروع قانون «مكافحة الإرهاب» الذي وسّع من حالات الحكم بالإعدام، وأثار انتقادات محلية ورسمية، وصدّق السيسي عليه في 17 أغسطس (آب) 2015، قبل أن يُقره البرلمان الحالي، في 17 يناير (كانون الثاني) الماضي دون تعديلات.
وبعد أقل من يومين من اغتيال بركات، صفّت الشرطة المصري بعض قيادات الإخوان بشقة في مدينة السادس من أكتوبر، ودائمًا ما يعقب الهجمات الدموية ضد النظام إجراءات أمنية واستثنائية ضد معارضيه بشكل عام، وجماعة الإخوان المسلمين بشكل خاص، والتي يتهمها النظام بالوقوف وراء تلك الهجمات، التي لا تتبناها.
ففي واقعة أخرى تدلل على ذلك، انفجر مبنى مديرية أمن الدقهلية مما أدى لمقتل 16 شخصًا، وإصابة أكثر من 130 شخصًا آخرين، ووقع الانفجار مساء يوم 24 ديسمبر (كانون الأول) عام 2013، وفي صباح اليوم التالي اجتمع مجلس الوزراء المصري، وحمّل جماعة الإخوان المسلمين مسؤولية الحادث، مُعلنًا إياها «جماعة إرهابية».
التبعات المحتملة لاغتيال رجائي
للوقوف أكثر على تداعيات حادثة اغتيال رجائي، وتبعاتها المحتملة تواصل «ساسة بوست» مع ياسر الهواري – عضو ائتلاف شباب الثورة – الذي اعتبر الحادثة «استمرارًا للاغتيالات السياسية التي بدأت باغتيال النائب العام، والتطور الخطير أن الضحية هذه المرة هو أحد قيادات الجيش المهمة، مما يعد مؤشرًا خطيرًا جدًا على قدرة الإرهابيين على الوصول لأهدافهم»، لافتًا إلى أن عمليات بهذا الحجم تحتاج لوقت طويل، وتخطيط مسبق للتنفيذ، نافيًا أن يكون لها علاقة بتزامنها مع إصدار محكمة النقض، أول حكم نهائي ضد الرئيس المعزول محمد مرسي، بالسجن 20 عامًا في قضية الاتحادية، أو الدعوات لتظاهرات 11 نوفمبر (تشرين الثاني) القادمة.
ويرى الهواري أن المستفيد الوحيد من الحادث هم «دعاة العنف والفوضى»، مؤكدًا أنه «لا يمكن التسامح مع مرتكبي مثل هذه النوعية من الجرائم»، ودعا إلى إجراء تحقيقات «شفافة» في الحادثة، «يطّلع فيها الرأي العام على مستجداتها». وحول إمكانية استغلال النظام المصري الحادثة لاتخاذ المزيد من الإجراءات الاستثنائية ضد معارضيه، مع مطالبات موسى بـ«عسكرة المحاكمات»، قال الهواري: «تمامًا مثلما حدث عقب اغتيال النائب العام، وأتوقع التوسع في المحاكمات العسكرية ومزيدًا من تضييق القبضة الأمنية علي المعارضين حتي المعروف منهم باتجاهه السياسي المعارض لسياسة الاغتيالات والعنف عمومًا».
وفي سياق متصل، وصف المفكر المصري، محمد سيف الدولة عملية اغتيال رجائي بـ«الجريمة الخسيسة»، مؤكدًا في تصريحات خاصة لـ«ساسة بوست» إن: «كل أنواع القتل خارج القانون هي جرائم تستوجب الإدانة والعقاب، ومرتكبوها مجرمون أيًا كانت طبيعة الجناة أو الضحايا، سلطة أو معارضة، مدنيون أو شرطة وعسكريون»، وانتقد سيف الدولة حالة الاستقطاب والصراعات «القاتلة» في مصر، التي تدفع البعض إلى تحليل وتبرير وتأييد قتل خصومهم السياسيين، سواء كانوا في السلطة أو المعارضة»، على حد تعبير سيف الدولة، الذي انتقد ما وصفها بـ«نظرية من المستفيد؟»، باعتبارها وسيلة لـ«تهرب البعض من اتخاذ مواقف إدانة صريحة لجرائم قتل خصومهم».
ويرى سيف الدولة أن ما وصفه بـ«التخلف المتغلغل» في مؤسسات دول العالم الثالث، التي تنتمي إليها مصر، بما فيها المؤسسات الأمنية، «غالبًا لا تكون لديها الكفاءة الكافية لتنفيذ مثل هذه الأنواع من العمليات، بدون أن تكشف نفسها أو تتسرب أسرارها».
وشدد سيف الدولة على أنه «فيما عدا حالات الاحتلال، فإن عنف السلطة وإرهابها، لا يبرر العنف والإرهاب المضاد، وإنما يستدعي تكاتف كل القوى السياسية والتمسك بسلميتها لعدم إعطاء الذرائع لمزيد من عنف السلطة وقمعها»، ويرى سيف الدولة أن ما سمّاه «شرعنة» العمليات الإرهابية، أو السكوت عن إدانتها او التبرير لها، له مخاطر وأضرار معتبرًا «العنف والاغتيال والإرهاب والعسكرة والتخلف عن السلمية، تفتح أبواب جهنم على الجميع».
وأرجع ذلك لعدة أسباب «إن الدول والنظم والحكومات أقدر من غيرها على ممارسة الإرهاب وتصفية خصومها، فيما لو تم فتح هذا الباب، كما أن هذه العمليات تعطي السلطة ذرائع ومبررات لإحكام قبضتها البوليسية والعصف بالمزيد من الحريات، واتخاذ الإجراءات الاستثنائية وتجديدها ومدها، كما أن المعارضة السلمية دائمًا ما تكون من أول الضحايا لأعمال العنف». مضيفًا أن «أحداث السنوات الماضية أثبتت أنه حين تُعسكر الثورات أو المعارضة فإن صناع وموردي السلاح من الدول الكبرى يكون لها اليد الطولى والكلمة النهائية، فتفقد الشعوب والحركات والثورات والمعارضات استقلالها».
ساسة بوست