تحقيقات وتقارير

بيان “الخارجية” تجاهل القضية تماماً أزمة حلايب.. مهادنة الاحتلال تُثير الغضب بمجلس الولايات


أثار تجاهل النزاع حول مثلث “حلايب” في تقرير لوزارة الخارجية أمام مجلس الولايات أمس، انتقادات عدد من النواب، معترضين بشدة على إغفال القضية في بيان أداء الوزارة خلال الفترة الماضية، كما امتدت انتقادات النواب، لتصف موقف السودان الرسمي إزاء القضية بـ “الليونة” في مقابل محاولات “التمصير” المستمرة للمنطقة، داعين إلى “المعاملة بالمثل” في العلاقات السودانية المصرية، إلا أن وزير الدولة بالخارجية عبيد الله محمد عبيد الله، حاول تطمين النواب المعترضين، مؤكداً على عدم تفريط الحكومة في “حلايب”، وقال إنها قضية غير قابلة للمساومة، وأن السودان جدد شكواه السنوية إلى مجلس الأمن بخصوص سودانية حلايب، موضحاً أن رؤية السودان حول القضية تعتمد خيارين للحل هو التفاوض أو اللجوء إلى التحكيم الدولي.

وكان أول من طلب فرصة للمداخلة في جلسة مجلس الولايات أمس بعد تلاوة بيان وزارة الخارجية، عضو المجلس “صلاح كرار” الذي انتقد بشدة تجاهل قضية مثلث حلايب “المحتل”، وقال كرار: “أين حلايب من كل مستويات اللقاءات التي تمت مع مصر.. نحن محبطون جداً من سحب مصر لهذه القضية”، وأضاف كرار أن مصر تحاول فرض الواقع بتمصير حلايب حتى يأتي جيل لا يعرف شيء أسمه “حلايب”، وذهب كرار إلى أبعد من ذلك بمطالبته بتحديد يوم باسم “احتلال حلايب” وجعله يوماً وطنياً يتذكر ويتذاكر فيه الناس قضية “حلايب”.

ووجه كرار انتقادات لمعاملة مصر مع السودان، وقال “عندما أوقفنا استيراد فاكهتهم الملوثة أقاموا الدنيا ولم يقعدوها”، معتبراً موقف السودان الرسمي في العلاقات الثنائية “هواناً”، مشيراً في هذا الخصوص إلى ما يحدث من الجانب المصري في معبر أرقين، ومنع دخول العربات السودانية في الوقت الذي تدخل فيه العربات المصرية إلى كل أنحاء السودان من ذات المعبر، وأعرب النائب كرار عن استيائه من عدم تعامل السودان مع مصر بالمثل، منتقداً موقف السودان الذي ساعد مصر في الدخول إلى “الكوميسا” دون مقابل، رغم أنه كان من الممكن مقايضة هذه الخطوة بسودانية حلايب.

وعلى ذات النهج سارت عضو المجلس الدكتورة فاطمة عبد المحمود رئيسة الاتحاد الاشتراكي السوداني الديمقراطي، منتقدةً الموقف السوداني من قضية حلايب مشيرةً إلى أن التقرير الذي قدمته وزارة الخارجية للمجلس، أغفل جزئية مهمة وهي قضية “حلايب” التي رأت أنها جديرة بأن تكون في مقدمة كل قضايا العلاقات الخارجية.

ورداً على هذه المداخلات، أكد وزير الدولة بالخارجية عبيد الله محمد عبيد الله أن السودان لن يفرط في حلايب وأنها قضية غير قابلة للمساومة أو التنازل وأشار إلى أن هنالك لجاناً بين البلدين لمناقشة القضية، وأضاف أن السودان جدد شكواه السنوية لمجلس الأمن بخصوص سودانية “حلايب”، وشدد عبيد الله، على أن قضية حلايب لها خيارين للحل هما التفاوض أو اللجوء إلى التحكيم الدولي.

وفي وقت سابق انتقد كثير من المراقبين تواري قضية حلايب من طاولة المباحثات التي جمعت الرئيسين السوداني والمصري خلال لقائهما الأخير في الخامس من أكتوبر الجاري بالقاهرة، وعدّ المراقبون هذه الخطوة بغير المقبولة باعتبار أن قضية “حلايب” قضية أساسية وعقبة حقيقية في أي تعاون بين مصر والسودان، إذا لم يتم حلها، وربما سعت الحكومة المصرية إلى طرح قضية حلايب مع الجانب السوداني على طاولة سرية خاصة بعد تصاعد نبرات الغضب تجاه الحكومة المصرية بتنازلها من جزيرتي “تيران” و”صنافير” للمملكة العربية السعودية، وعلى هذا المنحى ظلت الحكومة السودانية تسلك طرقًا غير علنية في طرح قضية “حلايب” مما أغضب كثيراً من السودانيين باعتبار أن قضية “حلايب” لا ينبغي أن تناقش بعيداً عن الأضواء الكاشفة، لأنها قضية سودانية وطنية عادلة.

ومنذ الاتهامات المصرية للسودان بمحاولة اغتيال الرئيس الأسبق حسني مبارك في 1995م، ظل مثلث حلايب السوداني تحت الاحتلال المصري، ومصدر نزاع مستمر بين السودان ومصر، وحاضرة في كل اللقاءات التي جمعت قيادات البلدين، وعلى جميع المستويات ومع ذلك لم يجد جديد.

وفي وقت تناوب فيه ثلاثة رؤساء على سدة الرئاسة المصرية هم حسني مبارك ومحمد مرسي والمشير عبد الفتاح السيسي، إلا أن نزاع حلايب لم يعالج بين البلدين ورغم أنها لم تكن غائبة في كل اللقاءات، لكن أحياناً تظهر بصورة خجولة خشية توتير العلاقات، لكن كثيرين وصفوا موقف الحكومة السودانية بـ”المتقاعس” خاصة أن الخرطوم درجت على إيلاء الاهتمام بملفات أخرى، تبدو في نظر الكثيرين أقل أهمية من قضية حلايب.

ومن أبرز المواقف التي يُشار إليها بالقوة ويحفظها التاريخ للقيادات سودانية في قضية حلايب، ذلك الموقف الذي سطره التاريخ لرئيس الوزراء الأسبق عبد الله بك خليل الذي هدد من البرلمان السوداني بقيادته للجيش السوداني لتحرير “حلايب” من قبضة المصريين في ذلك الزمان حتى تراجع وقتها الرئيس المصري جمال عبد الناصر وسحب جيشه من حلايب ذلك قبل أن يعود الاحتلال بشكل جديد في العام 1995م.

وتحتفظ ذاكرة التدوين والأرشفة للرئيس البشير بأنه ظل يشدد على سودانية حلايب، رغم التعامل الدبلوماسي المبذول من قبل الحكومة السودانية. وذات المنحى يُحسب لوزير الخارجية البروفيسور إبراهيم غندور لا سيما أنه ظل يؤكد على حق السودان الأصيل في “حلايب”، وجاهر سفير السودان بمصر عبد المحمود عبد الحليم من عدة منصات، بسودانية “حلايب” وبأنها غير قابلة للنقاش، وعلى الرغم من كل هذه التصريحات، إلا أن بعض قادة ونواب الحزب الحاكم بمجلس الولايات يرون أنه لا جديد يُذكر في هذا الاتجاه.

الخرطوم: محمد أبوزيد كروم
صحيفة الصيحة