كيف يمكن أن تعيش أكثر؟ هذه أسرار التمتُّع بعمرٍ طويل
«المناطق الزرقاء» هذا هو عنوان المشروع الذي أطلقه دان بوينتر ومولته قناة ناشيونال جيوجرافيك. يجيب لنا دان عن أسرار العيش لفترات أطول في مجموعة من البلدان تصدرت قائمة أكثر المدن في متوسط العمر، والتي تصل أعمار سكانها للمائة بمعدلات عالية، أو تتمتع بأدنى معدل للأمراض المزمنة والوفيات في منتصف العمر.
تكشف لنا رحلات دان إلى هذه المناطق عن تأثير البيئة والاختيارات الصحية ونمط العيش، إلى جانب نوعية العلاقات الاجتماعية على طول العمر والصحة؛ ومن ثم يخرج لنا بمجموعة من النصائح بمثابة وصفة متكاملة للاستمتاع بحياة طويلة وصحية.
القيلولة والحركة الدائمة
فالذين ينامون القيلولة نصف ساعة يوميًا بعد الظهيرة ثلاثة أيام في الأسبوع على الأقل، أقل عرضة بنسبة 37% للوفاة من أمراض القلب.
يؤمن سكان المناطق الزرقاء بضرورة الحركة على الدوام لصحة أفضل
كذلك أشارت دراسات إلى أن ممارسة الرياضة لمدة 30 دقيقة يوميًا تحمي القلب، وتقلل من مخاطر الإصابة بالضغط، والسكري، وسرطان القولون، والسكتات الدماغية، وغيرها من الأمراض الخطرة. لكن سكان منطقة إيكاريا يمارسون الرياضة بطريقة مختلفة، فيدمجونها مع نشاطات الحياة اليومية مثل: تقطيع الأخشاب والمشي وزراعة حديقة فهذا يضمن لهم الحركة المستمرة والمنتظمة لرعايتها وريها وإزالة الأعشاب الضارة والحصاد.
وإذا دخلت منازلهم فلن تجد إلا الأدوات اليدوية فقط، وهم يعجنون الخبز يدويًا، ويتخذون من ذهابهم لعملهم أو للمحلات فرصة للتمشية.
علاقات اجتماعية ممتدة
تحتضن أوكيناوا باليابان سكانها، فهناك لن تشكو من الوحدة أبدًا. ومن المعتاد أن يضم الوالدان أطفالهم في مجموعات تدعى «مواي»، وهي شبكة اجتماعية تستمر فترة طويلة.
ضمت إحدى هذه المجموعات عددًا من النساء بلغن من العمر 102 عام، وبقين بنفس المجموعة نحو 98 عامًا. ويحافظ سكان هذه المناطق على علاقات وثيقة وممتدة بين الآباء والأجداد والأحفاد، ويهتمون كثيرًا بعائلاتهم، ويتمتعون بعلاقات زوجية صحية.
علاوة على ذلك، تنبه دراسة إلى أثر من تقضي معهم أوقاتك على الصحة وطول العمر؛ فتشجع مصاحبة النوع الذي يساعد الآخرين ويمكن الاعتماد عليه. لذلك تنصح الدراسة بالانضمام للمجموعات الاجتماعية وممارسة الهوايات والوظائف التي تقودك تدريجيًا نحو التغيير واتخاذ نمط حياة صحي.
يتمتع سكان أوكيناوا بعلاقات اجتماعية ممتدة
فيما كشفت دراسة أخرى استمرت على مدار 30 عامًا أن الاكتئاب والسعادة والتدخين والسمنة يمكن أن تنتشر من فرد لآخر في الوسط الاجتماعي المحيط من العائلة والأصدقاء كالفيروسات تمامًا.
على الجانب الآخر، تستقطع الوحدة من متوسط عمرك حوالي ثماني سنوات بالمقارنة مع آخرين ممن يتمتعون بالتواصل الاجتماعي. فهذه المجموعات توفر التواصل والدعم لا سيما في الأوقات الصعبة.
العيش بضمير من أجل رسالة في الحياة
بحث مجموعة من علماء النفس عن أسباب تمتع البعض بصحة جيدة في فترات الشيخوخة؛ بينما يموت غيرهم في عمر مبكر. لذا تتبعت إحدى الدراسات الرائدة مجموعة من المشاركين على مدار 80 سنة منذ طفولتهم وحتى الشيخوخة، وراقبت عاداتهم وشخصياتهم. أسفرت الدراسة عن عدد من النتائج المفاجئة.
أوضحت الدراسة أن الأشخاص ذوي الضمير اليقظ والذين يؤدون واجباتهم؛ يميلون لاتباع نمط حياة صحي، ويتسمون بالمسئولية ويعيشون فترات أطول.
أما إن كنت تظن أن السعادة تجعلك أكثر صحة؛ فهذه الدراسة تخبرك أن ذلك ليس دقيقًا تمامًا. وإنما «يجعلك الانخراط في عمل والحصول على تعليم جيد والتمتع بعلاقة جيدة ومستقرة تتمتع بالصحة والسعادة».
تشير الدراسة كذلك إلى أن الضغوط ليست سيئة كما يقال؛ وإنما كان الأشخاص الذين كرسوا أوقاتهم ومجهوداتهم لإنجاز الأعمال وثابروا واستمروا في تخطي التحديات أكثر صحة وأطول عمرًا من غيرهم.
لذا ينصحنا سكان المناطق الزرقاء بضرورة إيجاد رسالة في الحياة والعيش من أجلها، والبعد عن التوتر وعيش حياة بسيطة. ففي الولايات المتحدة الأمريكية يعمل فقط أقل من ثلث الأمريكيين في أعمال يحبونها. إما إن كنت مضطرًا للعمل في وظيفة لا ترغبها؛ فيمكنك تعويض ذلك بممارسة هواية أو عمل تطوعي.
الاعتماد على الأغذية الطبيعية
وفي أوكيناوا يكمن سر طول أعمار سكانها في تناول البطاطا الحلوة والكركم. تمثل البطاطا الحلوة نحو 60% من النظام الغذائي لسكان أوكيناوا؛ بما تحتويه من فلافونيدات وكربوهيدرات معقدة، ويساعد الكركم في تقوية القلب وخفض معدلات الإصابة بالسرطان.
الاعتماد على الأغذية الطبيعية أساس الحمية الغذائية لسكان المناطق الزرقاء
وعندما نتحدث عن البروتين؛ تأتي المنتجات الحيوانية أولًا في الأذهان. لكنها تحتوي أيضًا على الدهون والعديد من المكونات السامة. ويتسبب الاستهلاك المرتفع للحوم في زيادة معدل الوفيات بنحو 70% مقارنة بمن يأكلون القليل من اللحم، فيما تزداد مخاطر الإصابة بالسرطان حوالي أربع إلى خمس مرات.
لكن سكان المناطق الزرقاء يخبروننا أن كوبًا واحدًا يوميًا من الفول يمنحك ما تحتاجه من البروتين الصحي، وبثمن أرخص بكثير. يقدم سكان هذه المناطق الوصفة لطول العمر، فهم يتناولون الفاصوليا السوداء مع الشمر والثوم وزيت الزيتون البكر.
ويتجنب سكان هذه المناطق تناول أية أطعمة مصنعة، والاعتماد بشكل أساسي على الأغذية النباتية من خضروات وفواكه وحبوب، والاقتصار على تناول اللحوم ثلاث مرات شهريًا، ويتوقفون عن تناول الطعام حين يشعرون بالشبع بنحو %80.
نمط حياة المناطق الزرقاء تحت التجربة
تبنى بوب فاجين، مدير فرع شركة سبنسر بولاية أيوا الأمريكية؛ مبادئ نمط العيش والنظام الغذائي لسكان المناطق الزرقاء. فقرر السير على نظام غذاء نباتي والانضمام لإحدى مجموعات «مواي»، اتفق بوب مع طبيبه على تطبيق هذا النظام، والاستغناء عن الأدوية الخمسة التي كان يتعين عليه تناولها لمرض كليتيه، ومن ثم فحصه بعد ستة أشهر، والعودة لتناول الأدوية إذا استمر المرض.
نجحت تجربة بوب واستطاع التخلص من مرض كليتيه تمامًا؛ فقرر أن يعمم التجربة على موظفيه على مدار عام كامل. وجد بوب في نهاية العام أن تكاليف الرعاية الصحة انخفضت بنسبة 25%.
اختيار مكان العيش بعناية
قد يبدو نظام العيش الصحي سهلًا؛ لكن من الصعب المواظبة عليه إذا كانت إعلانات الوجبات السريعة ورقائق البطاطس والمشروبات الغازية تصادفنا أينما حللنا، وصعوبة الالتزام بها بينما تخرج مع أصدقائك لتناول بيتزا.
في اليابان تسبب أحد الأغذية المجمدة في تسمم 350 شخصًا
لذلك يتعين على المرء أن يحمل مسئولية الحفاظ على صحته جيدًا، واتخاذ خيارات صحيحة. ومن ثم الانطلاق لتغيير ثقافة تناول المأكولات السريعة، وتوجيه عجلة الاقتصاد والتسويق لهذه الوجبات واتباع سياسات تتجه نحو خيارات أكثر صحة.
تضبط الجينات إيقاع الجسم نوعًا ما، ولكن البيئة تغيره. فسلوكياتك الخاصة إما أن تحرك عقارب الساعة إلى الأمام أو إلى الخلف قليلًا، إلا أن الساعة ما زالت كما هي. *بيتر مونيج، أستاذ مشارك في السياسات الصحية والإدارة بجامعة كولومبيا.
على الجانب الآخر، عليك أن تولي الاهتمام بالمنطقة التي تعيش فيها. فالبيئة المحيطة بك تشكل العامل الأكبر في التأثير على صحتك. ويُعَدّ نمط الحياة والعادات بجانب البيئة أكبر العوامل المؤثرة في طول العمر بنسبة 80%.
فإن أردت العيش في بينغهامتون يمكنك أن تصبح واحدًا من 37% ممن يعانون من السمنة المفرطة، ولا توجد سياسات حازمة فيما يتعلق بالغذاء. أما في سان لويس أوبيسو فتنخفض هذه النسب لتصل إلى 11% فقط وتشجع سياساتها على اتخاذ خيارات غذائية للعيش بشكل أفضل.
ساسة بوست