«تيتان» قمر زحل الأنسب للحياة خارج الأرض.. لماذا لا يستعمره البشر؟
قد تبدو فكرة وجود مستعمرة بشرية على سطح القمر تيتان، أحد أقمار زحل، فكرة مجنونة، إذ إن درجة الحرارة على سطحه قد تصل إلى 185 درجة مئوية تحت الصفر، كما أن سماءه لا تمطر ماءً، وإنما ميثان وإيثان، تسقط على البحار الهيدروكربونية.
ومع ذلك، قد يكون تيتان المكان الوحيد في مجموعتنا الشمسية، الذي يبدو من المنطقي بناء مُستوطنات بشرية عليه، وهذا الاستنتاج الذي توصل العلماء إليه، بعد النظر إلى الكواكب بطريقة جديدة من الناحية البيئية، فأخذوا في الاعتبار شروط الموطن الذي يحتاج البشر إليه، وبحثوا عن تلك الشروط الملائمة لاعتبار أي مكان موطنًا مناسبًا لحياة البشر في الأجرام السماوية القريبة.
سيناريو الاستعمار الفضائي
وخرج سيناريو العلماء الخاص بالاستعمار خارج كوكب الأرض، الذي بُني على أساس العلم والتكنولوجيا والسياسة والثقافة، ليعرض تجربة فكرية لمن يريد أن يفكر في مستقبل الأنواع، وبما أنه من المتوقع أن تظل الطبيعة البشرية كما هي، إذًا، فإن البشر في المستقبل، ستكون لديهم نفس الدوافع والاحتياجات التي لدى البشر الآن.
من الناحية العملية، يجب هنا أن يكون وطن البشر البديل في المستقبل متميزًا بالطاقة الوفيرة، ودرجات الحرارة الملائمة للعيش والحماية من قسوة الفضاء، بما في ذلك الأشعة الكونية، التي تشير البحوث الجديدة أنه أمر خطير لا يمكن تجنبه بسهولة للمخلوقات البيولوجية مثلنا.
حتى الآن، أظهر معظم الباحثين أن كلًّا من قمر الأرض، أو المريخ، هما الخطوة التالية للاستخدام الآدمي، فكلا الوجهتين لديهما مزايا مزدوجة تتعلق بالقرب، وهذه المزايا تحمل قدرًا من الواقعية واضحًا، وهذه في الخاصية الثانية التي تفتقر إليها بعض الكواكب والأجرام الموجودة في المجموعة الشمسية، مثل عطارد والزهرة.
على سبيل المثال، كوكب عطارد قريب جدًّا من الشمس، ما يعني درجات حرارة شديدة، وظروف مادية أُخرى، يبدو من الصعب تعامل البشر معها، أما فيما يخص كوكب الزهرة، فإن الغلاف الجوي له سام وثقيل، وحار إلى درجة كبيرة، ويرجع ذلك إلى ظاهرة الاحتباس الحراري المتضخمة، على سطح الزهرة.
مشاكل القمر والمريخ
وعليه، يبدو كل من القمر والمريخ وجهتين معقولتين نسبيًّا، ومع هذا، فإن لديهما مشاكل عديدة أيضًا، فكل منهما غير محمي بغلاف جوي، أو بغلاف مغناطيسي، وهو ما يجعل الأشعة الكونية، وهي عبارة عن أشعة وجسيمات قادمة من النجوم المتفجرة البعيدة، تقصف أسطح القمر والمريخ، وبالتالي لا يمكن للبشر العيش على المدى الطويل في ظل هذا الاعتداء الخارجي المستمر.
منذ فترة طويلة، يعرف العلماء الخصائص المسببة للسرطان لهذه الإشعاعات القوية، رغم أنها ما تزال تصل بكميات قليلة نسبيًّا، لكن الأبحاث التي نشرها العلماء في العامين الماضيين، أضافت المزيد من المخاطر المحتملة الأكثر جدية، والمتمثلة في حدوث تلف في الدماغ. وتشمل الأشعة الكونية الجسيمات وليس الأشعة فقط، مثل نواة ذرة الحديد التي تسافر بسرعة قريبة من سرعة الضوء، وقد تتسبب في تدمير أنسجة المخ.
وظهر الأمر بوضوح عندما عرض الباحثون الفئران لهذا الإشعاع بمستويات مماثلة لتلك التي وجدت في الفضاء، فوجدوا أنها تسببت في حدوث تلف في الدماغ، وفقدان قدراتها الإدراكية، وفقًا لدراسة نشرت العام الماضي. ويُشير هذا البحث إلى أنه ليس ثمة استعداد إلى إرسال رواد فضاء للمريخ، فما ظنك بمحاولة العيش هناك!
من جهة أُخرى، فنحن على الأرض محميون من هذه الأشعة الكونية، عن طريق المياه الموجودة في الغلاف الجوي، ولكي نعيش على القمر أو المريخ، فمن الضروري أن تكون المنازل المبنية هناك، بمنية تحت سطحهما، وهي فكرة صعبة، أن يعيش الإنسان حياته تحت السطح، فضلًا عن حاجتها إلى إنشاءات قد يصعب على الإنسان توفيرها في المستقبل القريب.
في المنطقة ما وراء المريخ، وضع العلماء ضمن سيناريوهاتهم احتمال السكن والعيش على أقمار كوكبي المشتري وزحل، فهناك العشرات من الخيارات فيما بينها، ولكن الفائز الأول واضح للعيان، وهو قمر تيتان، الجسم الأكثر شبهًا لكوكب الأرض من كافة أجرام المجموعة الشمسية الأخرى.
تيتان هو الجسم الوحيد في النظام الشمسي الذي يحتوي سائلًا على سطحه، مع بحيرات من الميثان والإيثان التي تبدو بشكل مذهل مثل المسطحات المائية على الأرض.
تمطر السماء غاز الميثان على سطح القمر تيتان، وهو ما يملأ بعض المستنقعات، كما أن الكثبان الرملية المكونة من الهيدروكربونات الصلبة تبدو بشكل ملحوظ مثل الكثبان الرملية للأرض.
وللحماية من الإشعاع، فلقمر تيتان كمية من النيتروجين في غلافه الجوي أكثر بنسبة 50% من الموجودة في كوكب الأرض. ويوفر الغلاف المغناطيسي لكوكب زحل درع حماية للقمر من الإشعاعات الخارجية.
على السطح، توجد كميات كبيرة من النفط والغاز في أشكال صلبة وسائلة، وهي جاهزة لاستخدامها للحصول على الطاقة، ورغم أن أجواء القمر تفتقر إلى الأكسجين، فإنه يمكن استخدام المياه المجمدة تحت سطحه لتوفير الأكسجين اللازم للتنفس ولاحتراق المواد الهيدروكربونية كوقود.
الطقس بارد جدًّا على سطح تيتان، وتصل الحرارة إلى أكثر 185 درجة مئوية تحت الصفر، ولكن بفضل الغلاف الجوي السميك، فإن السكان عليه لن يكونوا بحاجة إلى بذلات دعم الضغط، فقط ما سيحتاجون إليه الملابس الدافئة، وأجهزة للتنفس.
هكذا، يمكن صناعة المنازل على سطح تيتان من البلاستيك الذي يمكن إنتاجه من الموارد غير المحدودة الموجودة على السطح، ويمكن أن تتكون هذه المنازل من قباب ضخمة يضخ فيها الأكسجين الدافئ والنيتروجين. وسهولة البناء تسمح بتشييد مساحات كبيرة داخلية، وليس مجرد أبنية محدودة الاتساع.
لن يكون سكان تيتان ملزمين بقضاء كل وقتهم في الداخل، فالفرص الترفيهية على تيتان فريدة من نوعها، على سبيل المثال، يمكنك أن تطير، إذ إن الجاذبية الضعيفة المماثلة لجاذبية قمر الأرض، جنبًا إلى جنب مع الغلاف الجوي الكثيف، تسمح للأفراد بالطيران باستخدام أجنحة على ظهورهم، وإذا سقطت منك هذه الأجنحة أو تلفت، لا تقلق، لأن الهبوط سيكون سهلًا جدًّا. فالسرعة النهائية للسقوط الحر على قمر تيتان هي عشر الموجودة على كوكب الأرض.
مشاكل تيتان
السؤال الأبرز هنا: كيف سنصل إلى هناك؟ حاليًا، لا يمكننا ذلك للأسف، فنحن ربما لا يمكننا حتى الوصول إلى المريخ بأمان، حتى لو استخدمنا أسرع أجهزة صاروخية دافعة، فالوقت الذي ستستغرقه الرحلة سيتسبب في تعرض رواد الفضاء إلى كميات زائدة عن الحد من الأشعة الكونية.
لا توجد وسيلة سريعة لنقلنا خارج الأرض. سيتعين علينا أن نحل مشاكلنا هذه بأنفسنا لاحقًا، في حالة إذا ما استمر جنسنا البشري في الاستثمار في العلوم البحتة لاستكشاف الفضاء والتكنولوجيا اللازمة للحفاظ على صحة الإنسان في الفضاء، في هذه الحالة يمكن للبشر العيش على قمر تيتان في نهاية المطاف.
يعتبر قمر زحل المجمد، «إنسيلادوس»، أحد العوالم المحيرة؛ فالعديد من العلماء يزدادون اقتناعًا، يومًا بعد يوم، أن هذا القمر قد يكون أفضل مكان في نظامنا الشمسي للبحث عن الحياة.
تدور حاليًا حول إنسيلادوس مركبة الفضاء التابعة لوكالة الفضاء الأمريكية (ناسا)، كاسيني، والتي أخذت ملاحظات مثيرة للاهتمام تتعلق بمقذوفات جليدية تنطلق، مما يعتقد العلماء أنه محيط سائل تحت سطح القمر.
ونتيجة لتقليص مهمة المركبة كاسيني، حتى عام 2017، يرغب العلماء بشدة في إرسال بعثة مخصصة لإنسيلادوس؛ للبحث عن علامات وجود الحياة. في الواقع، بدأ البعض بالفعل يفكر بجدية في الكيفية التي يمكن من خلالها القيام بذلك، ومن بين هؤلاء كانت عالمة الكواكب «كارولين بوركو»، وهي أحد أفراد فريق التصوير الخاص بـ«كاسيني».
وذكرت بوركو في وقت سابق من شهر يونيو (حزيران) الماضي، أنها جمعت مجموعة من الباحثين، من بينهم علماء المحيطات، وعلماء الكيمياء العضوية، وعلماء البيولوجيا الفضائية، في اجتماع استضافته «جامعة كاليفورنيا»، بهدف وضع إستراتيجية لكيفية البحث عن كائنات فضائية على القمر إنسيلادوس.
ورغم أن القمر إنسيلادوس هو قمر صغير الحجم، ومغلف بدرع سميك من الثلوج، إلا أنه يبدو كعالم صالح للسكن؛ فالقمر لديه مصدر للطاقة ناتج من عمليات الاحتكاك الناجمة عن دورانه حول كوكب زحل، وتوجد به المركبات العضوية التي تشكل لبنات بناء الحياة، والماء السائل الموجود في المحيط تحت كل هذا الجليد.
ولكن ليس معنى أن القمر إنسيلادوس به جميع مستلزمات الحياة، أن هناك حياة موجودة على سطحه أو داخله بالفعل؛ فسوف يستغرق العلماء الكثير من الوقت، وعليهم بذل الكثير من الجهد؛ لإثبات ذلك إثباتًا قاطعًا. وفي الاجتماع الذي عقده العلماء في جامعة كاليفورنيا، وضعوا البيانات التي جمعتها المركبة «كاسيني» للقمر إنسيلادوس أمامهم، وناقشوا كل ما يتعلق بينابيع المياه الساخنة على سطحه، وقياسات القشرة الجليدية، وحاولوا وضع أفكار حول الطبيعة الكيميائية للمحيط الموجود تحت سطحه، وغير ذلك الكثير، ولكن جميع هذه البيانات والنماذج التي بناها العلماء، ليست حتى قريبة من الكشف عن الكائنات الحية على القمر إنسيلادوس، ومن هنا جاءت الحاجة لمهمة فضائية أخرى.
إنسيلادوس هو سادس أكبر أقمار كوكب زحل، ويبلغ قطره حوالي 500 كيلومتر، وهو ما يمثل عُشر قطر أكبر أقمار زحل، «تيتان». ويغطي معظم سطح إنسيلادوس بطبقة جديدة ونظيفة من الجليد؛ مما يساعد على عكس كل ضوء الشمس الذي يضربه تقريبًا؛ مما يجعل درجة حرارة سطحه ظهرًا تصل إلى – 198 درجة مئوية.
ورغم صغر حجمه، يملك إنسيلادوس مجموعة واسعة من الخصائص السطحية، بدءًا من المناطق القديمة جيولوجيًّا، إلى التضاريس الجديدة الشابة المكونة حديثًا، والتي تشكلت قبل 100 مليون سنة فقط.
ولدى القمر إنسيلادوس أكثر من 90 من الينابيع الساخنة، التي تقذف أعمدة من بخار الماء المالح، والمركبات العضوية، وجزيئات الجليد من المحيط الموجود تحت السطح إلى الهواء. هذا الأمر يمثل فرصة كبيرة لإمكانية زيارة مركبة فضائية للقمر، والتي لن يكون عليها أن تهبط على اليابسة للبحث عن الحياة (الهبوط على سطح القمر يعد أكثر صعوبة وتكلفة)، ولكن يمكن لهذه المركبة –ببساطة- أن تطير من خلال الينابيع لالتقاط العينات.
ساسة بوست