حسين خوجلي

رحل كاسترو وبقيت المأساة والملهاة !!


٭ من مأثورات الرئيس الكوبي فيدل كاسترو، نصيحته العصماء لأصدقاء أمريكا: «أنكم ستظلون طول عمركم خاملي الذكر بلا نجومية ولا بريق.. لأن أمريكا تعودت على الاهتمام بأعدائها واحترامهم».. لذلك فقد تلاشى كل أصدقاء أمريكا في قاع الوحل والنسيان: باتستا والشاه وماركوس وآخرون.. والقائمة الاتية طويلة جدا وظل في الذاكرة تشى جيفارا وكاسترو وباتريس لوممبا وهوشي منه وعبدالناصر وصدام حسين..

ليست كلمات كاسترو وحدها هي التي تحكى هذا الواقع المُر وتفضحه، بل قصة كاسترو الحقيقية ذاتها تعبر عن هذه المعلومة وتدعمها ، فذاكر ة التاريخ المعاصر ما زالت تنبض بخبر إنقلاب كاسترو الشاب الإشتراكي الوسيم النبيل، الذي أطاح بالديكتاتور باتستا عام 1959.

وذاكرة التاريخ أيضاً تنبض بزيارة الثائر الشاب كاسترو الأولى لأمريكا، حيث ذهب طواعية لجارته الكبرى ليقول في رفقٍ خيرٍ وفطير وطازج في ذات الوقت: « يا هولاء أن هذا الديكتاتور المطرود باتستا يأخذ معه 50% فقط من ثروة البلاد كلها، والشعب كما ترون مطحون وجائع وفوق ذلك لا مستقبل له ولا كوة امل ».

ومد يده بيضاء من غير سوء لجارته الكبرى، وطلب منها الرضا والتراكتورات والخبرة (والتقاوى) والمخصبات، وأطبق يديه في بعضهما وطأطأ رأسه حياء ينتظر الرد.. الرجل الذي قام بمقابلة كاسترو آنذاك، كان نيكسون في شبابه، وثقافته الزاهية وطموحه الذي بلا حدود وكان نائباً لايزنهاور، ورد عليه حينها في إقتضاب: «حين يرجع ايزنهاور سأكلمه في الأمر».. وكان يومها الرئيس خارج البلاد.. وحين عاد حدثوه بالزيارة وخبر كاسترو، فأمرهم بإغلاق الملف، لأن المخابرات والمافيا قد أخبروه بأن «هذا الكاسترو شيوعي»، وهو بهذه الصفة يستحق السحق الذي ستعد له أمريكا قريباً، أقرب مما يتصور.. بل أقرب من هدير الحاصدات والزراعات التي ينتظرها ويحلم بها.. وأسرع من إنتاج مصانع هافانا لسيجار كوبا الشهير، الذي يقاس عند الأثرياء وأصحاب الذوق بمعيار الذهب.

ورغم أن لغة العداء كانت قد وصلت كاسترو، وتجاوزت أذنيه، إلا أن «عشمه» في الجار الكبير لم ينقطع، لذلك فعندما اعتلى كينيدي دست الرئاسة والصولجان في القارة الجديدة، زاره كاسترو أيضاً، وجدد مطالب الصداقة والمشاريع المشتركة، وخاطب إنسانية قلب أمريكا لدعم الجار الأصغر، ولكن كان في أذن كينيدي وقر وفي نفسه شح، لأن الملف اللعين كان يرقد أمام الرئيس، والذي عليه في هذه الحالة أن يقتنع، وأن يبصم وأن ينفذ، لأن المافيا والمخابرات والشركات متعددة الجنسيات والتخصصات قد قالت كلمتها.. وعند جهينة الخبر اليقين.

هنا إنتبه الإتحاد السوفيتي لكوبا وانتبهت له، فكانت حملة المساعدات الاولى من القمح والآليات والإمدادات والخبرات.

لقد كان الدب المتحفز وهو يحلم بامبراطورية شاملة وشاسعة تأكل أمريكا في النهاية قد إشتم بحاسته الأمنية العجيبة، أهمية هذه الجزيرة الاستراتيجية، التي لا تبعد عن امريكا أكثر من «90» دقيقة من الطيران.

وبسبب هذا التقارب الخطير، الذي أقلق أمريكا كثيراً، وأقلق العالم، كادت أن تنفجر الحرب العالمية الثالثة، فيما سمى آنذاك بأزمة الصواريخ التي إضطر خروتشوف والأزمة في عنق الزجاجة لسحبها.

أما الأزمة التي لا تقل شهرة، فقد بدأ مسلسلها قبل تلك، حين استدعى جون كينيدى، رئيس الولايات المتحدة بكل جلال منصبه وكمال دولته العراب «سام جيان كانا» رئيس عصابة المافيا، وتعهد له بتوفير الجنود والسلاح، على أن يتعهد هو وجيش المرتزقة بقلب نظام الحكم في كوبا.

كان كينيدى المخمور بخمر العنب، وخمر دلال و سحر مارلين مونرو، يحلم بتحقيق نصر سريع ودراماتيكي على الشيوعية المتنامية ويصرعها في «قرة عينها» هافانا، فيرتفع في عين عشيقته وفي عين شعبه، مع أنه كان يعلم أن رئيس المافيا «سام جيان كانا» ما كان يحلم إلا في استعادة نواديه الليلية وكازينوهات القمار التي كانت تهطل عليه بالملايين من الدولارات.. الملايين التي أوقفتها الثورة، وحولت كوبا من ماخور كبير إلى مزرعة منتجة، يستوى الناس فيها في الفقر قبل أن يفكروا في الثراء ويتساوون فيه.

وفي بضعة أشهر، استطاعت أيدي المافيا والمخابرات تجميع 140 ألف مواطن كوبي من المنافي، ووفروا لهم العتاد والسلاح من دون إعداد نفسي أو تدريب، وشحنوهم بأكاذيب الليبرالية الفجة.. ودفعوا بهم إلى سعير الأراضي الكوبية، وقد خدعوهم بحل الـ (AIRCOVER) ، وأن السماء ستغطيها الطائرات الأمريكية أينما حدقوا، ودارت المعركة الخاسرة وانتهت الخديعة الكبرى بمقتل ثلاثة آلاف من الغزاة، وتم أسر معظم التجريدة، ولم يستطع إلا القلة من التقهقر والعودة إلى الشواطئ الأمريكية، واكتشف عقلاء الكوبيين، وكشفوا بالخارج الجريمة الأمريكية التي جعلت من أهلهم مجرد «أرنبة مختبرات».. وأن هؤلاء المساكين ما كان لهم أمل في إنتصار أبداً.. وحتى لو إنتصروا ما كانت لهم خطة للبقاء والحكم، أو حتى للتنظير.

وكانت هزيمة أمريكا المدوية التي عرفت اعلامياً بهزيمة (خليج الخنازير).. الهزيمة التي أعطت كاسترو شعبية مهولة في كل العالم وبالأخص في المعسكر الاشتراكي، الذي كان ينظر له من على البعد كأنه نجيمة فجر في ليل الرأسمالية القبيح، وكان هذا الانتصار مقدمة لأزمة الصواريخ الكوبية التي قلنا أنها كادت أن تشعل فتيل الحرب الكونية الثالثة.

ولعل من المضحك أن كاسترو قد بادل العملاء الذين وقعوا في قبضته بـ «150» تراكتوراً وأدوية وأسمدة تبرعت بها الشركات.

أما الحكومة الأمريكية، فقد أبت وطوت الصفحة، باعتبار أن الموتى هنا وهناك مجرد كوبيين حقراء لا يستحقون شرف المبادلة، وأنهم مجرد فئران من العالم الثالث، لا يستحقون أكثر من تجربة المحاولة، التي قلدتهم لها أمريكا، ودفعت لهم فيها أثمان الذخيرة واللحوم الفاسدة والخيام.

وأنه لعمري ذات الدور الموتور لأمريكا في معالجاتها لتشكيل الأرض والإنسان والثقافات كما تريد.

صمدت كوبا وصمد إنسانها، وصمد كاسترو لأكثر من ثلاثين عاماً دون أن تستطيع أمريكا أن تنال منه شيئاً.. وقد فكرت في آلاف الحيل والأساليب، منها أن تمطر الطائرات الأمريكية الجزيرة بملايين الصور المفبركة لكاسترو، وهو عارٍ وحوله مجموعة من الفتيات العاريات.. وفكروا في دس سم كيميائى في سيجارته حين يتناولها تسقط لحيته الشهيرة فتسقط هيبته، فتسقط ثورته.

الآن ظهرت كل الوثائق في أمريكا نفسها، لتثبت أن كينيدي برئ من الهزيمة، وبرئ من المؤامرة، وأن كل الأزمة صنعها الثالوث اللعين، المافيا والمخابرات واللوبي الصهيوني، وبعد سنوات قليلة سيكتشف كل الناس أن بوش وكلينتون كانوا أبرياء من دم العراقيين ودم أبطالهم واطفالهم ، وانهم كانوا مجرد موظفين سذج في استقبال هذا الثالوث الخطير وأن الثالوث اللعين كان وراء المؤامرة الأولى والثانية والحرب الايرانية وغزو الكويت وضرب العراق وتبديد سوريا وفصل جنوب السودان ومجازر غزة واحداث اليمن ومصائب المغلاة والارهاب والتزمت والقتل المجاني وداعش وبوكوحرام والحرام ذات نفسه منذ ان خلق الله ادم والى يومنا هذا.

ولأننا لا نقرأ كما إتهمنا «موشي دايان»، فإننا نحكى.. فلعل حكاية كاسترو ونهايته . نبكي الرجل ونبكي ضحاياه لأنا لا نملك من خيار الامة الشاهد الا سب اعدائنا، قبل أن تأكلنا نيران اللهيب الأمريكي في الدنيا.. ونيران جهنم في الآخرة.. والعياذ بالله.

ولألوان كلمة – حسين خوجلي
صحيفة ألوان


تعليق واحد

  1. بغض النظر عن إنتماءك السياسى فأنت رجل مثقف وتكتب بعمق وبفصاحة لسان وبلاغة بيان ، ما كتبته عن كوبا هو نفس السيناريو فى ما يحدث فى بلدنا السودان ، فالمعارضة إرتمت فى احضان الثالوث اللعين المخابرات الأميركية والاوربية ، المافيا واللوبى الصهيونى ، وكلها شبكات غير نظيفة ومتأمرة وهى للدمار فقط وللأسف تستغل ابناء الشعوب لقتال الشعوب نفسها مما يجنبها دفع الثمن فالقاتك والمقتول ابناء شعب واحد ودا الحاصل عندنا ، ولكن الشئ الطيب والجميل أنها فقد الدعم اللوجستى تماما بعد زوال الرئيس الليبى والمصرى وتحسن العلاقات مع اثيوبيا ويوغندا وتشاد وكل دول الجوار القريبة والبعيدة ودا ما أنهى الحرب فى السودان وهاهى سنة كاملة لم تطلق المعارضة المسلحة أى طلقة او تطلق غزوة او تقتل حتى دجاجة .