تحقيقات وتقارير

المعارضة بين مأزق إسقاط النظام وتغيير السياسات

تخطئ المعارضة التقدير السياسي حينما تعلن جهراً تخطيطها وتدبيرها وتنسيقها مع حاملي السلاح في الخارج لإسقاط النظام (بالقوة)، وهي بذلك (تشرعن) للنظام حق الدفاع عن النفس واتخاذ كل التدابير التي تحمي وجوده حتى لا يجد نفسه كالنعجة التي تمد عنقها للجزار وهي تنظر إليه منتظرة الشفقة والرحمة في استخدام السكين.. ومنذ تسعينيات القرن الماضي (تورطت) المعارضة في أفعال لا تليق بقوى سياسية تدعي الديمقراطية والحرية حينما وقعت الاتفاقيات وأبرمت التحالفات مع القوى التي تحمل السلاح، وليت تلك القوى احترمت المعارضة الشمالية ساعة إقبالها على المغانم واستبدال الخنادق بالفنادق، ويكفي أن “جون قرنق” قد قالها للتجمع الوطني الديمقراطي اذهبوا إلى القاهرة ووقعوا على اتفاق يحقق لكم ما تصبون إليه من تحول ديمقراطي ومشاركة في الفترة الانتقالية.. ولأن المعارضة لا تتعلم من دروس الأمس وضعت اليوم كل بيضها في (سلة) الحركة الشعبية قطاع الشمال، وتحت قبعة “مني أركو مناوي” وانتظار حقيبة د.”جبريل إبراهيم”.
في جلسة المفاوضات الأخيرة بأديس أبابا، بعد التوقيع على اتفاقية خارطة الطريق، جمعتنا جلسة على فنجان قهوة مع “ياسر عرمان”، وبعد مضي نحو ساعة نظر إلى الأستاذ “محمد حامد جمعة” وقال: (نعتذر يا شباب لأن الإمام “الصادق” طلب منذ يوم أمس مقابلتي وهو الآن ينتظر قدومي).. خرج “عرمان” مسرعاً، وهنا ضرب الزميل “محمد حامد” على كتف الأستاذ “آدم محمد آدم” وقال: (الإمام “الصادق” ببهدل رقبتو عشان شنو)، أصبح الإمام “الصادق” يطلب لقاء “ياسر عرمان”.. وبات “التوم هجو” نائب دائرة سنار المحروسة المحبة في انتخابات 1986م مطروداً من رحمة الحركة الشعبية لأنه وقف مع حق د.”جبريل إبراهيم” في تولي رئاسة الجبهة الثورية، وبعد طرده من الحركة الشعبية (لاذ) بحركة تحرير السودان بقيادة “مناوي” التي تنظر إليه بعين الازدراء والاحتقار، و”التوم هجو” كان عضواً في حزب لا حاجة له لحمل السلاح، ولا من تقاليده ومنهجه العنف.. وغير بعيد عن “التوم هجو” يقف “نصر الدين الهادي المهدي” و(يشوف) في “التوم هجو” مصيره.. تلك هي أحوال المعارضة التي لا يزال بعض الموهومين والمغشوشين ينتظرون أن تقود التغيير.. وحالة ضعفها وسوء تقديرها لا تخفي على أي مراقب، خاصة بعد أن غادر حزب المؤتمر الشعبي مربع المواجهة وأقبل على الحوار والمشاركة، فقدت المعارضة فاعليتها السياسية ووضعت كل رهاناتها على القوى التي تحمل السلاح، وفي ذلك أيضاً تقدير خاطئ إذا كانت هذه المعارضة تستفيد من ماضيها وسابق تجاربها مع حاملي السلاح.
وفي هذا المناخ تصعد إلى الساحة قوى شبابية احتجاجية لها مطالبها في التغيير وليس الإسقاط.. جيل دون الثلاثين من العمر وهؤلاء هم جيل الإنقاذ، ولدوا و”البشير” رئيساً.. درسوا الثانوية والجامعة و”البشير” رئيساً.. يمقتون الأحزاب وتجاربها الخائبة، ويناهضون حاملي السلاح.. وهؤلاء الشباب أغلبهم غير منتمٍ للأحزاب السياسية.. تخرجوا وأوصدت في وجوههم أبواب الوظائف بسبب عجز ميزانية الدولة عن الوفاء باستحقاقات الخبز والدواء والماء والكهرباء.. وفي كل يوم ترفد الجامعات التي تناثرت في القرى والمحليات آلاف الخريجين للشارع العريض، حتى أصبح خريج بيطرة سائق ركشة.. وتجد بائع الصحف في الشوارع خريج زراعة، وغسال السيارات في شارع النيل خريج تقنية معلومات.. ويوم وصول الإنقاذ للحكم قبل (27) عاماً كان عدد طلاب جميع الجامعات السودانية من الخرطوم والقاهرة والإسلامية ومعهد الكليات التكنولوجية والقرآن الكريم وجامعة الجزيرة (5) آلاف طالب.. واليوم يبلغ عدد طلاب جامعة الضعين التي أنشئت العام قبل الماضي (5) آلاف طالب وطالبة.. هذا القطاع العريض من الخريجين يجلس أغلبهم حول بائعات الشاي ويحدقون في الفضاء الواسع يمنون النفس بواقع أفضل، وينتظرون كلمة طيبة ومشروعاً لتحقيق الآمال، لكنهم يواجهون في كل يوم بعسر الأوضاع الاقتصادية وبؤس الحال ولا يجدون من حكومتهم برنامجاً يبرز الفرح في الدواخل وينثر الآمال في الغد القريب والبعيد.. في هذا المناخ بدأت الاحتجاجات من أجل تغيير واقع الحال، وتجديد الحياة السياسية.. ولما كانت المعارضة قد قطعت على نفسها عهداً بإسقاط النظام، الذي يعني استخدام القوة الجبرية، ففي سبيل مهمتها المقدسة هذه، تلهث يوماً بعد الآخر وراء القوى المسلحة والمتمردين وتركب سرج كل حامل سلاح، وفجأة حينما أخذ الشباب يتخذون وسائل تعبير أكثر (مدنية) وتحضراً ركبت المعارضة على ظهور الشباب وأخذت تدعي أن سلاح العصيان هو سلاحها، والاحتجاج السلمي هو منهجها، والاعتصام هو طريقها لإسقاط النظام، وتتجاهل المعارضة بجهلها حقائق الواقع السياسي أنها هي من ألزمت نفسها بتعهدات معلنة بإسقاط النظام، وبالتالي أي مشروع عن الإصلاح ليس مشروعها، وأية خطة لتغيير السياسات ليست من أولوياتها، لكنها في سبيل تحقيق مآربها ومشروعها لا بأس من أن تركب على ظهر احتجاجات الشباب وتسخّر آلة الإعلام الشعبي والفضاء المفتوح للوقيعة بين المؤتمر الوطني وشباب الوطن من خريجي الجامعات الذين انتهجوا سلوكاً لا تعرفه المعارضة، ومنهجاً يتعارض مع شعارات إسقاط النظام.. فالشباب الذي يستخدم (فيسبوك) و(واتساب) في الدعوة للعصيان هو الأقرب للإنقاذ وأكثر بعداً عن القوى الطائفية والعنصرية.. ومطالب هؤلاء الشباب هي ذات مطالب شباب حزب المؤتمر الوطني في كل المؤتمرات التي عقدت بأن التغيير هو شعار المرحلة والإصلاح هو السبيل الوحيد المفضي لتحقيق رغبات الشعب.
لكن في خضم ضبابية الرؤية.. واختلاط الأجندة.. واعتلال صحة الساحة السياسية أصبحت المعارضة هي الأب الشرعي للعصيان الذي لا تملك هي القدرة على فعل شيء لإنجاحه، ودخلت الأحزاب والقوى التي خذلت زعيم الحزب الشيوعي “محمد إبراهيم نقد” حينما عقدوا العزم على الاعتصام يوماً في ميدان وسط الخرطوم.. وجاء “نقد” في الموعد المعلن وحسب الاتفاق المبرم، ولم يجد إلا قطعة من كرتونة سجائر فارغة فكتب عليها عبارته الشهيرة الساخرة (حضرنا.. ولم نجدكم).
{ معارضة الخذلان
إذا كانت المعارضة قد خذلت الراحل “محمد إبراهيم نقد”، وقفزت على ظهر الحركة الشعبية قبل “نيفاشا” من أجل أن تحملها الحركة لكراسي السلطة.. فها هي المعارضة اليوم التي أصابها الكساح السياسي وتعرضت أطرافها لأمراض الروماتيزم تقفز على ظهر الشباب الداعي للتغيير والإصلاح وترفع صوتها عالياً وهي تمارس السرقة والنهب في رابعة النهار لعرق غيرها، وتدعي أنها من دعا للإضراب والعصيان الذي انكشف أمره، وأصبح فشله يوم بعد غد (الاثنين) من الأخبار المؤكدة.. والمؤتمر الوطني لا يظن البعض أنه حزب (هوين) ورصيده الشعبي مثل رصيد الاتحاد الاشتراكي الذي انفض سامر جمعه مع خروج الإسلاميين في السادس من أبريل للشوارع يهتفون بسقوط “جعفر نميري”.. المؤتمر الوطني الذي قدم شبابه التضحيات في الجنوب، وواجه الولايات المتحدة في ثبات وصبر، ولم ينحن لعاصفة حرب الأمطار الغزيرة التي اشتركت فيها يوغندا وإثيوبيا وإريتريا في يوم ما، وعجز ذلك التحالف عن إسقاطه.. المؤتمر الوطني الذي واجه أحداث سبتمبر وموجة العنف الذي تفشى ولم يهرب من المواجهة كما هرب “غازي صلاح الدين” من سفينة ظنها غارقة.. لن يقف مكتوف الأيدي، وديعاً ينتظر أن يلقى به من النافذة على الأرض.. شباب المؤتمر الوطني حتماً يقاومون منهج المعارضة المعلن لإسقاط النظام، وشباب المؤتمر الوطني سيخرجون صباح (الاثنين) لإثبات دعمهم لحكومة خرجت من صلب التنظيم الإسلامي الممتد الآن للقرى البعيدة والمتغلغل في أوساط الطلاب والشباب والقبائل والصوفية والمرأة.. وحتى الكنائس.. لذلك تبدو شعارات الإسقاط بضاعة كاسدة وأقوال قديمة.. وأمنيات عفا عليها الزمن.
أما التغيير والإصلاح، فإنه مطلب قطاع عريض من الشباب غير المنتمي للأحزاب، وأغلب تيارات المؤتمر الوطني مع الإصلاح والتغيير.. وحتى الرئيس “البشير” حينما طرح وثيقة الإصلاح حدثت تلك الوثيقة كيفية الإصلاح والتغيير.. نعم تعثرت عمليات الإصلاح بسبب المقاومة التي يبديها المستفيدون من الوضع القديم.. ولكن ثمة خيط يفصل بين دعاة إسقاط النظام ودعاة إصلاحه الأخيرين.
على المؤتمر الوطني تعزيز منهج الاحتجاج السلمي والاستجابة لانشغالات الشباب ومراجعة السياسات التي أعلنت.. والمضي في خطى الإصلاح.. والمعارضة التي ترفع شعار الإقصاء من الوجود والإسقاط، عليها تحمل تبعات ما تدعو إليه إن هي أقبلت على خطوات عملية لتفجير الأوضاع ووضع بلادنا على مسارات المأساة السورية التي في كل يوم تفضح ضمير العالم.. وآخرها، مأساة حلب ومذبحة (الأربعاء) التي ذرفت فيها الدنيا الدموع إلا روسيا وحلفاؤها من النظام السوري.. حفظ الله بلادنا السودان من شر العنف وتبعات تفشي الحل بالعضل.. والدعوة للإسقاط جهراً.

المجهر السياسي

‫4 تعليقات

  1. الحكومة خرة زفت والحركات ازفت والمعارضة كذلك كلهم مافيهم خير بس جن تعرفه خير من جن لا تعرفه وأقصد الحكومة دي احسن من ناس اجندتهم غربية وأغلبهم ماسودانيين اصيلين من أصول تشادية وهمهم الكرسي لا غيرة ولا حنية مافي انسان فيهم يده علي الوطن ويكفي مافعلوه بالوطن اذا جوا للسلطة والله تنتهك أعراض الناس وتكون البلاد علمانية ودعارة وخمارة

  2. لالالالا للعصيان ونحن ضد من يريد تدمير السودان وهم المنبوذين بقايا فلول الحشرة الشعبية و قطاع الطرق مرتزقة الحركات الفاشلة العميلة .