عثمان ميرغني

موقعة (ذات الصور)!..

حديث المدينة الثلاثاء 20 ديسمبر 2016

مدير مصانع “سيقا” علم أن نحو 10% من الجمهور قرر أن يقاطع منتجاته تماماً.. فماذا يفعل؟.

أمامه خيارات.. الأول أن يتهم مصانع “ويتا” أنها وراء (مؤامرة) تحريض الجمهور على مقاطعة منتجاته.. فيعلن الحرب على “ويتا”.

الثاني: أن يتهم الجهور بفساد الذوق وتخلف الفهم؛ لأنه يقاطع منتجات راقية وعصرية.. ويعلن الحرب على الجمهور المقاطع.

والثالث.. أن يسحب المدير ورقة صغيرة أمامه، ويكتب فيها هذه السطور (إلى ادارة التسويق والبحوث.. لإجراء بحث استقصائي؛ لمعرفة دواعي عزوف الجمهور عن منتجاتنا، ومحاولة فهم الأسباب لمعالجتها..).

هذا هو بالضبط المشهد السوداني.. بدل (استعياب) الأسباب، والتعامل معها.. لجأت الحكومة إلى اتهامات(المؤامرة)- تارة.. وتخوين المقاطعين- تارة أخرى.

دعوات العصيان المدني تعني أن بعض الشعب لديه “رسالة” يريد أن تسمعها الحكومة.. فإذا كان الرد هو الاتهام بالمؤامرة، ومطالبة الشعب العاصي أن (يركب أعلى ما في خيله).. فهنا تكون المشكلة في تعريف كلمة (حزب حاكم).. هل هو الحزب الذي يمسك بدفة الحكم في البلاد، بالتالي مسؤول عن (كل) الشعب.. أم هو حزب (معارض) للمعارضة.. ومسؤول- فقط- عن أصحاب الحقوق المجاورة من عضويته، والأحزاب الحليفة.

أمس دارت موقعة (ذات الصور).. فاضت الأسافير بـ (صور) ضد (صور).. فريق يصور الشوارع مزدحمة.. وآخر يصورها أفرغ من فؤاد أم موسى.. حرب “كيبورد” لـ “كيبورد” عنيفة بين الحكومة ومعارضة إسفيرية (ليس لها عنوان).. انتهت الجولة ميدانياً لصالح الحكومة بعد استفادتها القصوى من التجربة السابقة (27 نوفمبر 2016)، وتطوير آلية دفاع بنفس السلاح (الكيبورد).. مع إجراءات أخرى استهدفت المحافظة على مشهد الشارع العام بنفس أو قريباً من إيقاع الحركة اليومية العادية.

لكن- في المقابل- فشلت الحكومة في التقاط (الرسالة) التي يجب أن تسمعها.. بالله تخيلوا خطاباً يلقيه– مثلاً- قيادي من الصف الأول في حزب المؤتمر الوطني.. يقول فيه بكل بساطة: (إن من حق الشعب أن يرفع صوته بكل الوسائل السلمية.. ومن حق الحكومة أن تسمع بأذن مفتوحة.. بلا تخوين أو تعتيم..).. مثل هذا النهج يُعلي من قدر الحكومة في نظر شعبها.. ومهما بلغ الغضب والغبن فإنه يظل محفوظاً بين طيات الاحترام المتبادل.

الحاكم- حزباً أو حكومة- ما هو مطلوب منه ليس كما هو مطلوب من المعارضة.. فالحزب الحاكم يفترض أن يدرك أنه مسؤول عن البلاد بكل شعبها.. بما فيها المعارضة نفسها- مدنية أو عسكرية- مستوعباً لـ (خاطر) الجميع.. بلا من أو أذى.

لكن حزبنا الحاكم لا يضيع أية فرصة لبث روح التنافر الوطني.. وتعكير المياه الجارية في جداول الوطن الواحد.. والتعامل بمبدأ (من يأتيك متحزماً.. فاخرج له عريان).

بهذه الروح.. صدقوني لن يستقر الوطن ولو بعد مئة عام أخرى.. سيظل نصفنا يلعن نصفنا الآخر، ويرفع شعار:

(فلا هطلت علّي ولا بأرضي.. سحائب تنتظم البلاد).

بعد حذف (ليس)!.

صحيفة التيار

‫2 تعليقات

  1. للتعريف فقط …الحزب الحاكم هو الحزب الذي يفوز بانتخابات حره نزيهة وبعدها يكون الحكومة التفيذية….. مثال الحزب الجمهوري الفائز في الانتخابات الامريكية الاخيره …. هذا يسمي حزب حاكم …. وهناك حزب حكومة وهو ان مجموعة من الاشخاص يستولون علي الحكم عن طريق الانقلاب او التنازل او ….. وبعدها يكونون الحكومة التي بدورها تنشئ حزب ….مثال حزب المؤتمر الوطني بالسودان ….. فهذا يسمي حزب حكومة وليس حزب حاكم وانت سيد العارفين يا هندسة….

  2. أخي عثمان ميرغني، لا تلوم حزب الحكومة فهو تربى على فهم وأسلوب العسكريين وهو العنترية والتحدي، أما ما ذكرته من فكرة سياسية راقية فإنها بعيدة عن هؤلاء بعد المشرقين، فهم يتعاملون مع كل الشعب على أنه معارضة عميلة إلا عضوية حزبهم ومنسوبيه، وما عداهم معارضة يجب سحقها حتى ولو صمتت ولم تكلمهم.