عثمان ميرغني

هل هي مفاجأة؟


مفاجأة؟ لا أعلم- ربما- إنها مجرد صدفة.. ففي ولاية الجزيرة أمس جرى عرض فيلم في غاية الإثارة والدهشة.. بعد كل كرنفالات الأهازيج الأسبوع الماضي.. (أسقط!) المجلس التشريعي للولاية خطاب الوالي.. د. محمد طاهر أيلا.. بعد معركة شرسة وصلت حد الاشتباك الجسدي.
بداية وبعيداً عن الحيثيات- ربما- من الأجدر أن نقول إنها ممارسة حميدة أن تبرز للبرلمانات الولائية مثل هذه الأنياب والجرأة في المحاسبة والقرار.. فهذا دورها أن تراقب وتحاسب وتُسقط أو تمنح صوت الثقة.. ولكن!.

بكل أسف ما جرى في الجزيرة محمول جواً على صراعات شخصية طاعنة في السن.. فمنذ فترة طويلة حتى في عهود ولاة سابقين تتقلب الجزيرة في سعير الخلافات التكتلية.. وتتأرجح المصالح بين قبضات من يستخدمونها في حلبة الملاكمة الحزبية.
والمثير للدهشة أكثر.. أنها خلافات في (بيت!) المؤتمر الوطني.. أحياناً يتدخل المركز لترجيح كفة أو إطفاء النيران، لكنها ظلت مستمرة في غياب المصالح الوطنية العليا تحت حوافر الممارسة السياسية المعتلة.

المجلس التشريعي في ولاية الجزيرة– كغيره من البرلمانات الولائية الأخرى بل والبرلمان الاتحادي نفسه- هي أجسام شبه معينة بالكامل.. فرغم أنف صندوق الانتخابات– الصوري- الذي أتى بهؤلاء النواب، إلا أنهم– حصرياً- صنائع مطبخ الحزب.. وهم يدركون ذلك جيداً.. يعلمون أن ما أتى بهم إلى مقاعد البرلمان هو رضاء الحزب لا الشعب.. ومن هذا فقد لا يعينهم كثيراً التماس الرضاء الشعبي، ولا تلبية مطالب أهاليهم في الولاية.. لأن إرضاء الشعب لا يسمن ولا يغني من جوع المصالح الشخصية، واستدامة جاه الكرسي الدستوري.

ومن هذا المنطلق.. لا أتوقع أن يكون الوالي “إيلا” مهموماً أو مفجوعاً بإسقاط النواب لبرنامجه.. فهو يعلم أن “اللجام” الحزبي لا يسمح بأكثر من “حركة” إسقاط خطاب الوالي.. وتعود المياه إلى مجاريها حتماً.. فهناك ولايات كثيرة كانت تختصم مؤسساتها التشريعية مع التنفيذية، وما أن يقول لها المركز “كما كنت” حتى تعود إلى حيث كانت.. وسترون ذلك قريباً في ولاية الجزيرة.

اضمحلال الحكم الاتحادي بعد تعديل الدستور والسماح بانتخاب الولاة زاد الطين بلة؛ فالقاعدة الذهبية أن (انتخابات سيئة أفضل من لا انتخابات).. والآن حتى تلك الانتخابات الصورية أُبدلت بـ (لا) انتخابات.. ويصبح الوالي مجرد موظف معين من المركز.. عينه الأولى على المبنى أمام بوابة مطار الخرطوم.. والثانية على المبنى في ضفة النيل الأزرق اليسرى.. ويظل شعب الولاية مجرد (جمهور) مدخر لحشود الاحتفالات.
تابعوا (مسلسل!) ولاية الجزيرة.. حتماً البطل لن يموت.. وسيهزم (الخونة).. ويصفق الجمهور في سعادة.. لـ (الأكشن).. لا أكثر!.

عثمان ميرغني
صحيفة التيار


تعليق واحد