تحقيقات وتقارير

تدوين ستة آلاف بلاغ مخدرات بارتفاع معدلات الجريمة.. هل تفقد البلاد أبرز مميزاتها؟

ما يحسب لوزير الداخلية وهو يقف مستعرضاً تقرير أداء وزارته تحت قبة الهيئة التشريعية القومية أنه لم يسع لخفض معدلات ثلاث من أبرز الجرائم التي شهدها هذا العام، فقد قدم إحصاءات توضح حدوث ارتفاع عما كان عليه الوضع في العام الماضي على صعيد ضبطيات المخدرات والتهريب والسلاح، ولم يعمد كما يفعل وزراء الى تجميل الصورة حينما تحدث بوضوح عن زيادة نسبة حوادث المرور، وقد كشفت الأرقام التي أزاح النقاب عنها الوزير عن أمر إيجابي يتمثل في ارتفاع ضبطيات الشرطة، أما الجانب السلبي فيتلخص في أن الحوادث ما تزال تحصد الأرواح حيث تضرر منها عشرون ألف مواطن، وذات الواقع يشمل المخدرات والتهريب، وهنا السؤال، لماذا ارتفعت معدلات حوادث السير وضبطيات المخدرات والتهريب.
قبل الإجابة على الأسئلة السابقة لابد من الإشارة إلى أن تقرير وزير الداخلية أمام البرلمان بمثابة المرآة التي يمكن عبرها معرفة الصورة الكاملة لتطور الجريمة في البلاد وارتفاع معدلاتها أو انخفاضها، ولتكن بدايتنا باستعراض ما كشفه عن المخدرات، ونشير إلى أنه في هذا العام فإن وزارة الداخلية ممثلة في الشرطة شنت حملة ضارية ضد زراعة والاتجار بالمخدرات، وأكبرها علي الإطلاق تلك التي شهدتها محلية الردوم بولاية جنوب دارفور حيث تم إرسال قوة تتكون من أكثر من 300 شرطي مدججة بالسلاح لإبادة مزارع البنقو، ورغم إن القوة الشرطية وصلت متأخرة في خواتيم هذا العام إلا أنها أكملت ما بدأتها شرطة جنوب دارفور إبادة ستة آلاف وخمسمائة فدان من الحشيش.
زيادة الضبطيات
ورغم الجهود الكبيرة التي تم بذلها من قبل الشرطة في هذا الصدد إلا أن ارتفاع بلاغات المخدرات بكل أنحاء البلاد إلى ستة آلاف وواحد وثمانين بلاغاً وتوقيف ثمانية آلاف ومائتين وعشرين متهماً يوضح أن المخدرات باتت خطراً حقيقيا وتجارتها بدأت في اتخاذ أشكال مختلفة، أما الكميات التي وضعت الشرطة يدها عليها من الحشيش فتبدو كبيرة وبلغت 57 طناً، وهي تعادل حمولة 26 عربة “بوكس”، أما الكوكايين فقد تم ضبط أثني عشر كيلو منه، بالإضافة إلى ثمانية أطنان من القات، أما فيما يتعلق بالحبوب المخدرة التي أستحوذت على اهتمام الرأي العام بداعي الضبطيات الكبيرة بميناء بورتسودان فقد بلغت الكميات التي وضعت الشرطة يدها عليها، مليوني حبة وثلاثمائة وستين ألفاً، وما يؤكد أن المخدرات باتت تجارة جاذبة، فإن الشرطة ضبطت أربع وستين عربة وخمس وعشرين دراجة بخارية وسبع ركشات كانت تستعمل في الترويج، بالإضافة الى كمية من الأسلحة منها مدفع آر بي جي ودانتين، وهذا يوضح حجم تسليح عصابات المخدرات.
الأسلحة.. الدانات تظهر
مثلما شهد هذا العام بروز ظاهرة ضبط عدد من شحنات الحبوب المخدرة بميناء بورتسودان، فإن الملاحظة الثانية تتمثل في كميات الأسلحة الكثيرة التي ضبطتها الشرطة والقوات الأمنية الأخرى بمختلف أنحاء البلاد وخاصة العاصمة، مما يشي بأن هذه التجارة أيضا تجذب اهتمام عدد من الخارجين عن القانون، حيث تم تدوين أربعة وأربعين بلاغ حيازة سلاح وتوقيف 102 متهماً، ومن أكثر الأسلحة التي تم قبضها بكميات كبيرة هي المسدسات وبلغت 844 بالإضافة إلى 234 قطعة كلاشنكوف وأحد عشر قرنوف، علاوة على أسلحة أخرى مثل آر بي جي وجيم 3 وجيم 4 ومنقستو ودانات وعبوات دانات وخزن فارغة، وبلغت الذخيرة التي تم ضبطها خلال هذا العام عشرين ألفاً وستمائة وثمان وسبعين طلقة بالإضافة الى ثمان وعشرين ألفاً وأربعمائة وسبع وستين طلقة قرنوف.
التهريب.. تجارة رائجة
ومن الجرائم التي فرضت وجودها أيضاً علي سطح الأحداث هذا العام تلك المتعلقة بالتهريب، فرغم الجهود الكبيرة المبذولة من الشرطة إلا أن هذه الجريمة لم تتراجع أو تنحسر وخلال الأشهر الماضية فقد أسفرت الجهود عن ضبط عدد مقدر من السلع منها وقود، سكر، خمور، مواش، أجهزة إلكترونية وكريمات، وبلغت إعلانات الحجز 6087 وهو رقم كبير يكشف عن تنامي ظاهرة التهريب ، عوضًا عن توقيف 1364 استعملت في التهريب أو مزورة أو بدون مستندات، وبلغت حالات التسوية 1188 حالة وتم تدوين 429 بلاغاً، ويأتي ارتفاع معدلات التهريب رغم قرار الدولة الذي قضى بإغلاق حدود السودان مع دولة الجنوب، بالإضافة الى تشديد الرقابة الأمنية بشكل غير مسبوق في حدود السودان مع إرتريا، بالإضافة الى التشديد في المنافذ البرية والجوية والبحرية .
ـ عشرون ألف مواطن يدفعون الثمن
مثلما كان العام الماضي كارثياً على صعيد حوادث المرور فإن العام الحالي لم يختلف عنه كثيراً فعلى صعيد عدد الوفيات فقد بلغت خلال هذا العام 1555 حالة، وكانت في العام الماضي 1524 وهذا يعني زيادتها بنسبة 2% ،أما الذين تعرضوا للجراح فقد بلغ عددهم 3942 مواطناً بزيادة 188 حالة عن العام الماضي والذي بلغت فيه 3754 حالة، والأرقام التي لا تكذب ولا تتجمل توضح أن هذا العام ايضاً شهد زيادة في حالات الأذى إذ بلغت 6830 حالة بزيادة 513 حالة عن العام الماضي، وقد بلغت جملة الوفيات 2095 حالة، أما جملة المصابين والمتوفين والذين تعرضوا للأذى فقد بلغوا 19846 وهو رقم يعني أن قرابة العشرين ألف مواطن تضرروا من حوادث المرور، هذا بخلاف الأضرار التي وقعت على السيارات التي كانوا يستقلونها.
قوانين ضعيفة
ارتفاع معدل جرائم التهريب رغم الجهود التي تبذلها الشرطة يفتح الباب على مصراعيه للتساؤلات، سألت مدير الإدارة العامة للجمارك الأسبق الفريق صلاح عمر الشيخ عن مسببات تنامي جرائم التهريب بمختلف منافذ البلاد البحرية، الجوية والبرية، فأشار الى عدد من الأسباب تقف دائماً وراء ظاهرة التهريب التي اعتبرها ذات أثر سالب كبير على الاقتصاد، مبيناً أن أبرزها يعود إلى الرسوم المرتفعة التي تفرض على بعض السلع الواردة وأن هذا يدفع البعض إلى اللجوء للتهريب، وقال إن السلع الممنوع دخولها السوق السوداني ايضاً من أسباب التهريب، معتبراً إدخال السلع الى البلاد بعيداً عن المنافذ الرسمية للدولة يعود أيضاً إلى الضرائب التي أشار إلى أن البعض يتهرب منها ويختار ركوب مصاعب ومخاطر التهريب حتى لا يفي بها أو يسددها للدولة، نافيا أن تكون الرسوم الجمركية هي السبب المباشر للتهريب.
ويرى الفريق صلاح عمر الشيخ أن أسباب التهريب الأخرى تتمثل في حدود السودان الشاسعة التي تبلغ ثمانية آلاف كيلو وتحادد أكثر من ثماني دول، ورأى أن الحدود ومهما بذلت الدولة من جهود لتأمينها إلا أنها لا يمكن أن تغطيها كاملة، وذلك للتضاريس الجغرافية المتنوعة بين الجبال والصحارى والغابات التي تسهل من مهمة المهربين، مؤكداً أن ساحل البحر الأحمر يمثل ثغرة كبيرة وهاجساً يؤرق الحكومة، التي قال الشيخ إنها تسعى لضبطه غير أن هذا ـ والحديث لمدير الجمارك السابق يحتاج إلى إمكانيات ضخمة، وأشار إلى أن التهريب في الفترة الأخيرة اتخذ أشكال مختلفة اتجه إليها المهربون للإفلات من السلطات، ويرى الخبير الأمني صلاح علي الشيخ أن إيقاف التهريب يحتاج الى عمل مكثف يتمثل في تشديد الرقابة على الأسواق وتجفيفها من السلع المهربة عبر الإجراءات القانونية الصارمة، وأضاف: لابد من تنظيم حملات راتبة على الأسواق الكبرى وتفتيش المحال التجارية لمعرفة كيفية دخول السلعة بمراجعة مستنداتها ، والسلع التي لا توجد لها فواتير أو مستندات رسمية تتم مصادرتها، وأعتقد أن هذا الإجراء بالإضافة الى تشديد عقوبات التهريب من شأنها الإسهام في انحسار هذه الظاهرة، ويلفت الفريق صلاح عمر الشيخ الى أن القوانين المتعلقة بجرائم التهريب تحتاج الى مراجعة لأنها بحسب الشيخ ضعيفة ولا تردع المهربين.
خطر حقيقي
إذن كانت تلك قراءة الفريق صلاح عمر الشيخ للضبطيات الكبيرة لجرائم التهريب، وهنا نسأل الفريق شرطة الدكتور عثمان فقراي عن قراءته لارتفاع ضبطيات الأسلحة والمخدرات، يجيب الخبير القانوني متحسراً: بكل صدق كلما تعلن الشرطة عن ضبط أسلحة بكميات كبيرة أو مخدرات أشعر بأن ثمة شيء غير طبيعي تتعرض له بلادنا، فبحكم خبرتي كرجل شرطة سابق أرى أن الكميات التي تم ضبطها هذا العام من الأسلحة والمخدرات خاصة القادمة من خارج السودان أعتقد أن الأمر بات بالغ الخطورة ويشي بأن ثمة جهات تستهدف السودان، فالأسلحة تعني وجود من يخطط لإحداث فوضى داخل المدن لأن الكميات التي يتم ضبطها من قبل الشرطة تعتبر كبيرة ولا يمكن أن تكون مجرد تجارة، وذات الأمر ينطبق على المخدرات التي أبدوا مقتنعاً ومتصالحاً مع حقيقة تعرض شبابنا للاستهداف، فالكميات الضخمة التي تم ضبطها هذا العام بميناء بورتسودان تبدو غير طبيعية تؤكد أيضاً وجود جهة تستهدف تدمير الشباب السوداني ، ويرى فقراي أن زيادة نسبة الضبطيات تؤكد أن الشرطة عين ساهرة وفي ذات الوقت توضح وجود ثغرات قادت إلى دخول الأسلحة والمخدرات الى السودان في مدنه المختلفة، ويقطع فقراي بأن القضية باتت أكبر من الشرطة وأنها باتت تحتاج الى استنفار واهتمام من أعلى مستويات الدولة بالإضافة الى المجتمع، وقال إن سد الثغرات مسؤولية تضامنية.
ظلال اقتصادية
من ناحيته فإن خبيراً اقتصادياً “فضل حجب اسمه” يعتقد بأن ارتفاع معدل ضبطيات الشرطة يعتبر دليلاً دامغاً على تفشي الجريمة خاصة المتعلقة بالتهريب والسلاح والمخدرات، ويرى أن الأوضاع الاقتصادية التي تمر بها البلاد انعكست سلبًا على الأوضاع العامة، ويرى أنها سبب مباشر في اتجاه مواطنين إلى مخالفة القانون، ويرى أن الشرطة مهما بذلت من مجهودات فإن القضية حسب وجهة نظره تبدو معقدة ومتشابكة، وقال إن ارتفاع معدل حوادث المرور تتحمل نتيجته مباشرة الدولة التي أكد أنها ظلت تتجاهل الدعوات المطالبة بتوسعة الطرق القومية ، وتوقع الخبير الاقتصادي أن يرتفع معدل الجريمة في العام القادم، قياساً على الأوضاع الاقتصادية التي أكد أن الشرطة تدفع فاتورة تدهورها.

المجهر السياسي